‏هذه باختصار إحدى قصص اللجوء قصصتها عليكم من بين ملايين القصص ‏التي تضمرها الأرقام..وهذا ما يجعل اسمي يسبقه ويلتصق به كلمة "لاجئ"لاجئ باحث عن الكرامة..

اللاجىء؛ مسمى يصف ذلك الذي فرّ من بلاده بسبب النزاعات التي تواجهها من اضطهاد أو نزاعات بالأسلحة في البلد نفسها أو مع دولة أخرى.

وبلغ عدد النازحين قسرًا حول العالم وفق إحصائيات الأمم المتحدة 79.5 مليون في نهاية عام 2019. ومن هؤلاء، كان 26 مليونًا من اللاجئين (20.4 مليون لاجئ تحت ولاية المفوضية، و 5.6 مليون لاجئ فلسطيني تحت ولاية الأونروا). ونزح 45.7 مليون شخص داخليًا، و 4.2 مليون طالب لجوء، و 3.6 مليون فنزويلي نازحون في الخارج.


جاء أكثر من ثلثي عدد المهّجرين عبر الحدود (69 في المائة) من خمسة بلدان: سوريا (6.8 مليون شخص)، فنزويلا (4.6 مليون شخص)، أفغانستان (2.7 مليون شخص)، جنوب السودان (2.4 مليون شخص) وميانمار (1.2 مليون شخص).


و يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد (1 من 8)، يليه الأردن (1 من 14) وتركيا (1 من 23) وهذا بحسب ما أفادت به إحصائيات الأمم المتحدة

بحسب الأرقام المهيبة للنازحين حول العالم!


وكل هذا كما ذكرنا مجرد أرقام لا مشاعر فيها!

والرقم حينما يدل على الإنسان يجعله غامضًا مجرّدًا من كونه صاحب قصة أو حكاية أو مأساة دفعت بهِ للجوء إلى دول الجوار تاركًا خلفه آلاف السنين من تاريخ أجداده، طفولته، ذكرياته، جيرانه، ياسمينة بيته، أحلام كان يرسمها، و بيت والديه الذي مرّت عليه أجيال وأجيال وأيام مرّت يستذكرها بحنين كلما ترددت على مسامعه أصوات المآذن و صوت المطر..


يا لشجون الظلام كم يؤلمه الفراق، فما عاد له من رفاق ، ولا ترياقٍ لوحدته..

فقد غادر ماتبقى من أهله، غادر باحثًا عن حياته، باحثًا عن كرامته..

ما أثمن الكرامة! يدفع المرء بروحه من أجلها..

وهل يستطيع الإنسان أن يعيش من دون كرامة؟



في ٢٠١٢ في مدينة حمص تحديداً كنت طفلاً مُفّتح الأورق أبلغ من العمر ثلاثة عشر ربيعًا أمضيتها بحمص عاشقاً لها، ومن لا يعشق حمص؟!

ستراها وقد امتازت بجمالها بكل ما فيها بهواءٍ نقي، ومناخٍ ومعتدل، وأُناسٍ طيبين وشوارعها، وطبيعتها الخلابة.

‏في كل شارعٍ من شوارع حمص ثمّة تاريخ تسطّره الأمجاد، ورائحة شموخ تنثرها الأشجار، وسترى خطى أكثر من أربعمائة صحابي جليل وعلى رأسهم خالد بن الوليد الذي ‏دُفن جثمانه الطاهر في ترابها الدافئ. ‏وقد كان منزلي لحسن حظي بجوار مقبرة الكتيب الأحمر التي تُعدّ ثاني مقبرة لأصحاب رسول الله في حمص، كانت جيرة تملؤها السكينة والخشوع،وتستشعر بجوارها القرب من هؤلاء الرّجال العِظام الذين كان من بينهم أولاد جعفر الطيار رضي الله عنهم.


‏ في ليلة من الليالي ٢٠١٢ تحديداً في ربيع الأول كان قد حاصر هذه الأحياء فيلق بكل ما فيه من قلوب كقطع الليل المظلم ومجرمين استفتحوا اقتحامهم بذبح الولدان والنساء بالسكاكين ‏في حي (كرم الزيتون) المجاور وكان من بينهم عائلة ابنة عمي فقد قُضيَ لها اثنا عشر شهيدًا في بيتٍ واحد من أحفادها ونساء أولادها وأولاده، وقد ذاع الخبر بين الناس ودبّ الرعب في القلوب حينما انتشر في أرجاء المدينة فيلق يزيد تعداده عن خمسين ألف مقاتل لا أحد يستطيع الوقوف أمامهم فكانوا لا يجدون أخضرًا إلا أحرقونه ولا رقبةً إلا قطعوها ولا امرأة إلا اعتدوا عليها؛ فهلعت الناس وخرجت بما فيها من خوف وكرامة وهربوا..

هربوا إلى المحافظات المجاورة، إلى القرى، إلى الأحياء البعيدة التي لم يطلها أذى.

‏ونحن أيضًا خرجنا حيث مكان نجد فيه أمانًا مؤقّتًا، وبقينا شهورًا معدودة هناك، ثم انتقلنا إلى درعا قاصدين الحدود الأردنية، وهنا كانت الفاجعة..

في ليلةٍ سوداء غاب عنها القمر قاصدًا أن يخبئنا من وحوش الليل في صحراء درعا الحدودية نحن و١٠٠ عائلة غالبهم من النساء والأطفال نرتدي الأسود خوفاً من أن نُدرَك..

وعلى الجانب الآخر على بعد خمسمئة متر كانت تنتظرنا أكفّ النشامى لتمتدّ لنا بالعون بإخاءٍ وحب قبل أن يحدث ما كنّا نخشاه!

‏فقد جائتنا سيارة تمشي على الوهّد بسكونٍ شديد، ‏أعطانا كشّاف المسير الإشارة بالنزول على الأرض ‏وأخذ وضعية الانبطاح خوفاً من أي حركة مفاجئة، وما ان استلقينا على وجوهنا حتى حاصرتنا المدرعات والرشاشات من ثلاث جهات منهملة علينا بالرصاص الحّي كوابلٍ من المطر، وصراخ الأطفال والنساء يعلو ويتأجج كنشيج الحيتان في الماء،

كان المشهد مرعبًا للغاية وأنا أرى الناس أمامي تتساقط كجذوعِ النخل تخلعها العواصف!

وتعددت مصائرنا، فمنّا من قطع الخمسمئة مترًا مجازفاً بحياته،و من قُضي أجله، ومن اعتُقِل_كنت أنا ووالدتي وأخي الصغير ممن اعتُقلوا_وآخرون عبروا إلى الأردن.

اُعتقلنا لمدة أربعة أيام وخرجنا بعد ذلك لنعود أدراجنا مرة أخرى حاملين ما تبقى فينا من طاقة لنخرج من سوريا بعد أن فقدنا كل مقوّمات الحياة في بلادنا!

‏هذه باختصار إحدى قصص اللجوء قصصتها عليكم من بين ملايين القصص ‏التي تضمرها الأرقام..


وهذا ما يجعل اسمي يسبقه ويلتصق به كلمة "لاجئ"

‏لاجئ باحث عن الكرامة..


بقلم عمر راكان الرحال

عائلة شغف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عائلة شغف

تدوينات ذات صلة