" هل النضج هو بوابتُنا لتقبُّل حقيقةِ الواقعيةِ الموحشة أم أنها محصلةُ حاصل لرؤًى أوسع و مغادراتٍ عديدة لقوقعة الحياة الوردية ؟ "

كنتُ قد تفاجأتُ في روايةِ اللص والكلاب للعظيم نجيب محفوظ باكتشافي لجانبٍ لم أعهد وجودهُ في كينونتي ، أو ربما لم ألحظهُ مسبقًا بهذا الوضوح الصارخ ، لم أعهد تقبُّل الواقعية " الموحشة " بطواعيةٍ كهذه ! لم أعهد أن أُحركَ رأسي بصمتِ تأكيدِ الوجود ؛ أعتدتُ الرفضَ الحاد والمواجهةَ الضارية بكل ما لديَّ من التفاؤل، الاستخفاف وشيءٍ من البراءة – البراءةُ التي تغدو في عمرٍ ما شكلًا آخر لأنماطٍ البلاهةِ ليس إلا !-

الرحلةُ في أولى تجاربي لقراءة عملٍ من أعمال أول فائزٍ عربي بجائزةِ نوبل للأدب كانت شاذةً عن جميعِ تصوراتي نحوها ، اختلافٌ لا أقوى تحديد تفضيله على تصوراتيَ المبدأية لكنهُ يُلهمُني اليقين باستثنائيتها ! استثنائيةٌ تُمليها عبقريةُ نجيب في التصوير، في تجسيد الحدث وكأنهُ أمامك بعدةِ كلمات .. لم يسبق لي أن رأيتُ بمثل عبقريته بالكينونة ، التصوير والترميز ! لعلَّ ذلك ما ميَّزهُ ليحصد التقدير والاحترام الذي حازه ككاتب .


وتستمرُ بخيانةِ التوقعات محدودة التوقع ؛ توقُعِ أن النهايةَ لا بدَّ أن تتوَّجَ بهدايةِ سعيد أو حتى تضمينِ وجهاتِ نظر الآخرين ممن دعاهم سعيد ب"الكلاب " لتكتمِلَ الصورة ! إلا أنَّ الروايةَ التي امتازت بعكسها لرمزية الصواب والخطأ انتهت بنهايةٍ لا تقلُّ واقعيةً عن عرضِها ولا تُضيفُ لنصِها سوى كلمةِ " المفروض " .


لعلَّ درسي المستفاد من هذه الرواية غير ملموس أو مُمتنعٌ عن الاستجابةِ لكلمات التعبير إلا أنني ألتمس درسها بنضجٍ أتسع ، بواقعيةٍ نَمت وبأهدافٍ استشعرت طريقها للاكتمال دونَ خشيةِ الوقوع في ضياعاتِ البلاهة فوداعٌ مُسبق بلا داعٍ !

أما عن جوانبِ القصور فلربَّما كانت مهارةُ محفوظ القاتلةُ في التصوير سيفًا ذا حدين ففي بعض الأجزاء كانت الإطالة في وصف الحدث هي الحكم واقتصت من صُلب الأحداثِ باعًا لا بأس به ، إضافةً إلى الخيبة بالنسبة لي بالسرد فوددتُ لو أن القصةَ لم تكتفي على رؤيةِ سعيد نفسه فحسب ؛ وددتُ لو أنه أوضح الصورةَ كاملةً باستعراض ما في خلجان بقية الشخوص لنصل لعبرةٍ وهدف ولو ضمنيًّا لا حيرة أضاعت ثنايا الطريق لدرسٍ مُكتمل .

ختامًا تسودُني دهشة الافتتانِ بُسبلِ الكتابة ومراياها ؛ فروايةٌ كهذه في عامِ ألفٍ وتسعمئةٍ وستةٍ وستون قد تكونُ حقًّا سبيلٌ واحد لرابطٍ يستسقي به بالغٌ جديد رؤيةً للواقعِ الذي يجهله!



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

❤️❤️

إقرأ المزيد من تدوينات رِتاج العناسوة

تدوينات ذات صلة