في حياتي أثر فيني عدد كثير من الناس، لهذا أنا دوما ممتنة لهم وسأظل أكن احتراما لا يقدر لكل من علمني ولو حرفا واحدا فبفضله صرت أنا اليوم..

هو من أكثر الأشخاص الذين يغيرون فينا شيئا بدواخلنا.. من يكسر فينا جزءا أو يصلحه.. من يخرجنا من عتمة الجهل إلى نور العلم.. أو يجعلنا نعيش في العتمة طول العمر.. هو من يمسك بأيادينا لنعبر لضفة الأمان أو يغرقنا في نهر النسيان بكلمة تصفع قلوبنا أمد الدهر.. قد يكون شمعة لأحدهم يضيئ بها أيامه وقد يصبح سيفا مغروسا في صدر أحدهم ولا ينسلخ عن جلده..


"المعلم".. أو "الأستاذ" هو الشخص المقصود من حديثي هذا.. فكم من واحد منا تغير بكلمة منه وهنا حينما أتحدث عن باخرة التغيير قد ترس في ميناء الإيجابية أو قد تغرق في دوامة السلبية، أعني، أن التغيير ليس دائما جميلا.. كلنا نعلم أن مهنة "التعليم" مهنة مقدسة جدا، قد تكون أقدس مهمة على الإطلاق، فتكوين جيل بأكمله وبناؤه كمن يبني صرحا عظيما عليه أن يركز دوما على القاعدة وأعمدة الصرح كي ينمو مستقيما دون أن يشوبه اعوجاج.. فكم هو صعب أن تغوص في الجميع وأنت شخص واحد تملك قلبا واحدا وعقلا واحدا.. دعني أخبرك عن قصص كثيرة حدثت على أرض الواقع فكان "الأستاذ" الداء تارة دون أن يقصد ثم الدواء تارة أخرى.. ثم سأدع الحروف تقرر وقلوبكم تحكم..

عن تلميذة لم تكن تكتب الدرس حينما كان الأستاذ يملي عليهم ما يجب تدوينه، فرمقها بنظرة وأطلق جملة استفهام في الأجواء عن السبب بصوت مرتفع يصل للغشاء الطبلي وراء جمودها دون أن تكتب.. ويا للصدمة، الفتاة لا تسمع وفي ذلك اليوم نسيت آلة السمع.. لم يعرف الأستاذ ما قد يقوله فاكتفى بالصمت وبداخله تأنيب، لوم وعتاب..


عن تلميذ قام بشغب داخل الفصل فقام الأستاذ بطرده والإتيان بولي أمره.. ثم يا للمفاجأة.. الفتى ثمرة علاقة غير شرعية لم تتحمل أمه ظنون المجتمع وأصابع الاتهام الموجهة لها فانتحرت بعد عام من ولادته وتركته مع صديقتها التي لم تفرقه عن أولادها أبدا واحتضنته كأنه ابن رحمها.. لكن زوجها يكرهه وبشدة.. بعدما عرف الأستاذ بالقصة كان يحتضنه في كل مرة عله يكفر عن ذنبه الذي لم يذنبه..


عن تلميذة ظلت تجهش بالبكاء طوال الحصة، اقترب منها الأستاذ متسائلا عن السبب وبقلب أب حنون يريد أن يطمئن.. بعد محاولات عديدة اعترفت الفتاة أن السبب هو أمها التي تفسد وتمارس العهر في المنزل مع رجال كثيرين.. وكل يوم يمر، الفتاة تكره نفسها ثم أمها..لأحدثكم كذلك عن تلميذ طرد من المدرسة وفصل عنها لمدة عامين، فعاد بعزيمة قوية بفضل نصيحة قدمها له أستاذه فانتصر على الفشل وعاد ليكمل ما بدأه..


عن أستاذ يساند تلميذة له فقط لأنه رأى فيها طموحا، شجاعة وأملا لا ينضب.. يقف سندا لها كأبيها الذي غاب عن حياتها منذ لحظتها الأولى في الدنيا.. كم هي محظوظة بذلك..


هنا، أريد فقط أن أقول أن المعلم إنسان عظيم حقا.. أن تعلم كل المصائب التي قد تحدث في الحياة فتخبئها في جوفك وتمضي، أن تغلبك عفويتك فتجرح أحدهم دون أن تقصد، أن تكون أبا لمن لا أب له، أخا لمن لا أخ له وأما لمن لا أم له.. الأمر أشبه بشخص يسكنه أشخاص آخرين.. ينصح، يدرِّس، يعلم، يشجع، يربِّي، يكوِّن ثم يخرج من حجرة الفصل مهلوكاً ليستلقي على أقرب أريكة أو كرسي فينفض عليها جميع أثقاله..


من يرى بؤس الناس ونقط ضعفهم الساحقة يستحق كل التقدير مهما كان ومهما حصل فالأستاذ عظيم دوما وسيبقى كذلك.. وإن أطلت الحديث عنه وكونت الجمل والقصائد والقوافي فلن أستطيع الحديث عن فضله في هذا الكون الشاسع..قد تكون هناك حالات استثنائية قد تجول في أذهان أحد القراء فيتمتم مع نفسه "ليس دائما الأستاذ هكذا"، لكنني أجرد كلامي من كل استثناء وأترك الكلمات لمن يستحقها ولمن كاد أن يكون رسولاً.. فكن أنت النسخة الجميلة دوما في مهنتك وفي دورك، كن المثال الحسن ولا تلتفت لمن حولك.. حينها ستكون الدنيا بخير إن أدى كل واحد منا دوره كما يجب..قد يجاملك عدوك ولكن معلمك يلومك..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

احسنت يا اختاه لقد ابدعت حقا

تدوينات من تصنيف تعليم

تدوينات ذات صلة