الخبر الجيد هو: لقد قطعت شوطًا طويلاً. الخبر السيء هو: لقد ذهبت في الطريق الخطأ.


في رواية مدن الملح يتحدث عبد الرحمن منيف عن “الأمير خالد” الذي كان مهووسًا بالتطور العلمي، وكان يملك ما لا يملكه غيره، مثل: المنظار والراديو والمركبات والهاتف، مما يعني أن ما يملكه الفرد العادي اليوم هو أعظم من أعظم شيء امتلكه الأمير في تلك الأيام، ولكن لماذا لا يشعر الواحد منا كأمير؟ ولماذا يبدو كل شيء ناقصًا؟ هذه بعض التفسيرات التي قد تساعدنا على فهم عقولنا اليوم، ولماذا يبدو من الصعب إرضاؤنا في هذه الأيام.



- دعاية النقص "Deficit advertising"


قبل مدة بدأت بمتابعة محتوى على أنستغرام يركز على العناية بالبشرة، ويبدو هذا أمرًا جيدًا، فهو ليس كمتابعة محتوى تافه أو سيء، ولكن وبعد أقل من شهر بدأت بالتشكيك بكل الملامح التي أملكها، يبدو وكأن كل شيء بحاجة للإصلاح والترميم، يبدو أنني الشخص الوحيد الذي لا يعرف أن هناك حوالي 10 كريمات يومية مهمة لروتين البشرة وكلها باهظة الثمن، بالإضافة لعديد من إبر النضارة ووو......


لا يأتي المفعول هنا سريعًا، نحن لا نرى أننا ناقصون بعد مشاهدة المحتوى مباشرة، ولكن مع كثرة المشاهدة والمتابعة يترسخ هذا في عقلنا الباطن، ففي هذه الأيام يوجد عدد لانهائي من المؤثرين الذين يكسبون لقمة عيشهم من الإعلانات التي يقدمونها، وهذه الإعلانات تغطي كل شيء: الجمال والبشرة والصحة واللياقة، والطعام، والأثاث، والتعليم، والفن وكل شيء.

تتكاتف هذه المؤثرات معًا لتجعلنا نشعر بدون وعي أننا نعاني من نقص ما، "لن أكون محبوبًا" إذا لم يكن لدي هذا الحذاء، "لن يقدرني أبنائي" إذا لم تكن لدي آلة الطهي هذه، "لن أكون سعيدًا" إذا لم أشتر هذا المستحضر، وستشعر دائمًا بأن شعرك غير كاف، وملابسك غير كافية، وبشرتك غير كافية، وجسدك غير كاف، لذلك عليك السعي بجد لتصبح كافيًا.



- السعي للكمال


هناك سعي بداخلنا كبشر لملء الفراغ داخلنا، ولإيجاد معنى لحياتنا ولأنفسنا، تخبرنا الإعلانات والسوشال ميديا من حولنا أن علينا ملأ الفراغ داخلنا "بالأشياء"، "تخيل نفسك تعيش هنا، تخيل نفسك تملك كل هذا" تخيل كم ستكون سعيدًا إذا حققت هذا.


وبالتالي نستجيب لتلك الإعلانات التي تقودنا إلى مراكمة ديوننا بسبب شرائنا لأشياء لا نحتاجها بمال لا نمتلكه، لإبهار أشخاص لا نحبهم، ويغيب عن ذهننا محاولة السعي للكمال بإيجاد هدف لحياتنا، وإيجاد هوية حقيقية لأنفسنا غير العلامة التجارية التي نلبسها.



- التسيهلات


"أريده وأريده الآن وأنا أستحقه، حتى إن لم أملك المال الكافي لشرائه، أريده" هذه عقلية طفل في الرابعة من عمره يبكي مرميًا عند أحد ممرات كورن فليكس، ولكنها اليوم قد تكون عقلية رجل أو امرأة في العشرين أو الثلاثين أو حتى الخمسين من العمر، ففي الماضي غير البعيد كنا نقول: أريد الذهاب للسوق في الأسبوع القادم لشراء كذا وكذا، وقد يتعطل ذهابك لأي سبب، وقد تملك الوقت الكافي للتفكير في سخافة ما تريد شراءه ومراجعة حساباتك، ولكن تسهيلات مثل: التوصيل والتقسيط والخدمات الفورية ساعدت في تغذية ذلك الطفل داخلنا، الذي يريد الحصول على ما يريد والآن ودون تفكير.



- المقارنة


اعتدنا الحكم على أثاثنا وملابسنا وسياراتنا بناء على الأشخاص المحيطين بنا، والذين يشببهوننا عادة اجتماعيًا واقتصاديًا، ولكن الآن وبسبب السوشال ميديا أنت تقارن جمالك بجمال جينيفر أنيستون وبراد بيت والBTS، وتقارن منزلك بمنزل المليونيرية حول العالم، وتفكر كم ستكون سعيدًا إذا وصلت لما وصلوا إليه، ومهما حققت وحتى بعد قطعك لشوط طويل يبدو دائمًا وكأنه غير كاف.


"لا يوجد شيء اسمه حياة أفضل من حياتك

سيكون هناك دائمًا منزل أكبر في مكان ما

سيكون هناك دائمًا شيء أفضل من الذي حصلت عليه

ستكون هناك دائمًا ملابس أجدد من تلك التي تلبسها

لكنك لن تكون سعيدًا أبدًا حتى تحب أشياءك!"

-جي كول في "أحب أشياءك"


تقوى يوسف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تقوى يوسف

تدوينات ذات صلة