"وكما ينجح النحل يوميا في صنع عسله من رحيق الأزهار، فكذلك المصريين في الجمهورية الجديدة قادرون علي صنع عسل الأوطان"


النهضة التي تقودها القيادة السياسية في الجمهورية المصرية الجديدة تشبه صناعة عسل النحل الذي فيها شفاء للناس والوطن. ولأن تنصيب الجمهورية الجديدة القوية ليس بالأمر السهل، فالقيادة ومعها كل فئات الدولة تعمل بهمة ونشاط وسوف يستمر عملها وتزداد وتيرته تماما كما يفعل جمهور النحل لصنع العسل ليس فقط ليأكل منه هو والملكات ولكن لنأكل نحن أهل البشر أيضا منه ونقيم عليه الصناعات والتجارة والدواء.

ولكي نجني عسل الأيام وشهدها يجب العمل ليل نهار لنجمع الرحيق من كل مكان لنكون قادرين علي صنع العسل الخاص بأوطاننا كما يصنع النحل العسل له ولنا. وصنع عسل الأوطان ليس إختياريا وليست صناعة فانتازيا بل هو واجب ديني ووطني لإنجاح الإقتصاد والسياسة والتجارة والعلم وبناء نهضة شاملة تشفي الناس من الأمراض الإجتماعية والسياسة والعلمية والمالية والأخلاقية التي أصابت جسد الوطن في الماضي القريب والبعيد.

وضرب الله لنا في القرآن مثلا بالنحل ليس فقط ليشرح لنا فيه أهمية نحل العسل من الناحية الغذائية و الطبية بل أيضا لكي نفهم طريقة عمل النحل وكيفية إدارته للوقت وكيفية تعاونه لعلنا نستطيع أن نطبقها في حياتنا العملية لننجح كما نجح هذا المخلوق الصغير الذي يصنع بتعاونه ومن فضلات بطنه ألذ الطعام وأطيبه على الإطلاق. ولأن هذه الصناعة هي الحياة للنحل فهو لا يتردد أبدا في لسع من يعترض طريقه أثناء صناعة العسل حتى ولو كان المعترض من بني البشر الذي يمثل للنحل ديناصورا أو كائنا خرافيا ولكنه لا يأبه بضخامة جسم وعضلات وعقل وأسلحة الإنسان فيقوم بلسعه على الفور حتى يتفرغ لقضية حياته وهي صناعة العسل.


وكما في النمل، لفظ النحلة يطلق على الذكر والأنثى، وجمعها نحل. والوظيفة الأساسية التي خُلق من أجلها النحل هو انتاج العسل والشمع وبالطبع مساعدة النباتات في التلقيح عند جمع حبوب اللقاح من الأزهار. وعمر النحل أكثر بكثير من الانسان. فمقارنة بعمر الإنسان الذي يقدر بحوالي ٤٠-٥٠ ألف سنة، فعمر النحل يُقدر بحوالي ٥٠ مليون سنة. ويوجد حوالي ٢٠ ألف نوع من النحل المنتشرة في جميع انحاء العالم بغض النظر عن درجة الحرارة ما عدا القطب الجنوبي. وفي معظم الحالات يعيش النحل في مجتمعات (خلية) لمل فرد فيها وظيفة محددة من أجل تحقيق هدف المجموعة.


والنحل من الحشرات المجنحة، ولجميع أنواعها زوجان من الأجنحة، تكون الأجنحة الخلفية أصغر من الأمامية، وللقليل من الأنواع أو الطبقات أجنحة قصيرة نسبيا، لا تقيدها في الطيران. كبقية الحشرات، جسم النحل مقسم لثلاثة أجزاء (الرأس، الصدر، والبطن)، لدى النحلة 5 أعين، ولجميع أنواع النحل تقريبا قرني استشعار مقسمة إلى 13 جزء عند الذكور، و12 جزء عند الإناث، أما الإبرة، فتتواجد عند الإناث فقط، وتستخدم بشكل أساسي كوسيلة دفاعية. تتراوح أحجام أنواع النحل ما بين 2 ملم إلى 39 ملم تقريبا.

وكبني البشر النحل مثلنا أو أننا مثل النحل نعيش في خلايا. ومع أن الخلية الواحدة يعيش فيها من ٢٠ الي ٣٠ ألف نحلة إلا أن النحل يصنع كميات من العسل تكفي لملايين منه. ومع أن النحل يعلم ذلك جيدا إلا أنه يدافع وبشراسة عن هذا الكم الكبير إذا تعرض للسرقة من أي عدو خارجي أو صديق يعيش في خلية أخري. ولكي يصنع النحل هذا العسل عليه أن يجمع كميات كبيرة من رحيق الأزهار ولأن النحل لا يعمل إلا أثناء النهار فكل نحلة تسافر ذهابا وإيابا في رحلة يومية تساوي محيط الكرة الأرضية حتى تجمع كم الرحيق المطلوب منها يوميا. ويكفي أن نعلم أن النحل لا يأكل أيضا من عسل غيره ولذلك فالنحلة التي لا تعمل تطرد من الخلية فورا بل وتترك دون رحمة حتى الموت.

و لذلك فمن يريد النجاح في عمله عليه بالتعلم من النحل كما قال الله في كتابه الكريم في سورة النحل "وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)" .التفكر هنا ليس فقط لنفهم عماية صناعة العسل وأيات الله في ذلك بل لنتعلم من النحل كيف يعمل في الحقول ويتعاون ليصنع هذا الكميات الهائلة من العسل.


ويتغذى النحل على الرحيق وحبوب اللقاح التي يجمعها من طلع الأزهار، وتستخدم حبوب الطلع كجهزاء لليرقات بشكل أساسي. ومع أن معظم انتاج النحل من عسل وغذاء ملكي يكون من نصيب الإنسان، إلا أن النحل يحصل على كفايته من الطاقة من الرحيق الذي يجمعه، ويحصل على البروتين والمواد المغذّية الأخرى من حبوب اللقاح والتي تستخدم أيضا في تغذية اليرقات. ولتصنيع النحل، تقوم العاملات بجمع الرحيق بواسطة خرطومها المعقد الشفاط، والذي يمكنها من الوصول إلى داخل الزهرة، بينما تحمل حبوب اللقاح على سلال خاصة في أرجلها الخلفية.

العمل مقسم بين النحل في نظام صارم لا يخطأه. فمعظم أفراد الخلية عاملات وعدد قليل جدا هم الذكور تقوم بـوظيفة واحدة فقط هي تلقيح الملكة وهي الأنثي الحقيقية الوحيدة بالخلية لإكتمال أعضائها التناسلية عكس العاملات الغير ناضجة جنسيا حتى تتفرغ تماما للعمل في صنع العسل. والعاملات منظمة الي طائفة تستكشف الحقل الذي سوف يجمع منه الرحيق وطائفة لجمع الرحيق وطائفة تتلقي الرحيق وتخزينه في الخلية وطائفة متخصصة لتهوية الخلية وطائفة لبناء الخلية وتصليح أي أعطاب تحل بها وطائفة تغطي العسل بالشمع وطائفة تحرس الخلية من الأعداء. ولا تقوم أي طائفة بعمل الأخرى على الإطلاق ولا تتعارك إلا إذا توقفت احداهن عن العمل.


ومن عجائب النحل ظاهرة يسميها العلماء "السكر". فبعض النحل يتناول أثناء رحلاته بعض المواد المخدرة مثل الايثانول وهي مادة تنتج بعد تخمر بعض الثمار الناضجة في الطبيعة. فأحيانا تلعق النحلة بلسانها هذه المواد المخدرة فتصبح "سكرى" تماما مثل الانسان، حيث من الممكن أن يستمر تأثير هذه المادة لمدة 48 ساعة. إن الأعراض التي تحدث عند النحل بعد تعاطيه لهذه "المسكرات" تشبه الأعراض التي تحدث للإنسان بعد تعاطيه المسكرات، حيث تصبح هذه النحلات السكرى عدوانية، ومؤذية لأنها تفسد العسل وتفرغ فيه هذه المواد المخدرة مما يؤدي إلى تسممه. وهذا ما دفع العلماء لدراسة هذه الظاهرة ومتابعتها خلال 30 عاما، من خلال مراقبة سلوك النحل. وبعد المراقبة الطويلة لاحظ العلماء أن في كل خلية نحل يوجد نحلات مزودة بما يشبه "أجهزة الإنذار"، تستطيع تحسس رائحة النحل السكران وتقاتله وتبعده عن الخلية!!


إن النحلات التي تتعاطى هذه المسكرات تصبح سيئة السمعة، ولكن إذا ما أفاقت من سكرتها، فقد يسمح لها بالدخول إلى الخلية فقط بعد أن تتأكد النحلات أن التأثير السام لها قد زال نهائيا. ولذلك يوجد دائما نوع من النحلات التي تقف مدافعة وحارسة للخلية لتراقب النحل التي تتعاطى المسكرات وتقوم بـطردها، وإذا ما عاودت الكرة فإن "الحراس" سيكسرون أرجلها لكي يمنعوها من إعادة تعاطي المسكرات!


وكما ينجح النحل يوميا في صنع عسله من رحيق الأزهار، فكذلك المصريين في الجمهورية الجديدة قادرون علي صنع عسل الأوطان. نعم، من السهل صناعة العسل لنا وللأجيال القادمة إذا قلدنا النحل في سياسة عمله، الذي يطبقها بإتقان ونظام صارم وبدون جدال وبلا شكوى أو مظاهرات أو اعتراضات وبإخلاص تام وبتعاون غير مسبوق وبنظام محكم من أنشطة وعمليات وترحال كبير. وكما يفعل النحل فيجب علينا نحن جمهور الشعب أن نعمل بجد واجتهاد في انتاج غذائنا من مواردنا وبكميات تفوق احتياجاتنا لنصدر الفائض ونخزن منه لوقت الحاجة وتتكون عليه صناعات أخري. وعلينا أن نعاقب وننبذ من لا يعمل. وعلينا أن نحرس أقواتنا من التلف ومن الدخلاء. ومؤكد أن النحل يسبح بحمد ربه دون أن يتوقف عن العمل او يترك العمل أو يحمل العمل أو يتكاسل عن العمل. وكذلك لا بد لنا من تسبيح الله ولكن بالطريقة التي أرادها الله وليس كما نريدها نحن.

وإذا كان الله قد أوحي للنحل ليقوم بعمله دون تفكير كالروبوت من خلال جيناته فقد أوحي الله لنا من خلال الرسل والرسالات بأن نعمر الأرض بالطريقة التي تتمشي مع متغيرات العصر واللحظة. إذا اجتهدنا مثل النحل سوف نستطيع أن نحصل في النهاية على الشهد وإن لم نأكله نحن فسوف يأكله أولادنا وأحفادنا.

وقد أفلح المصريين القدماء أيام الفراعنة في إقامة نهضة عندما قلدوا النحل في العمل فنجحوا في بناء الأهرامات وتخزين الغلال حتى فاضت عن احتياجاتهم لينقذهم وقت الحاجة ولمساعدة قوم سيدنا يعقوب أيام القحط والجفاف. وقد أفلح المسلمون الأوائل في احداث نهضة شاملة ليس فقط بالدول العربية بل أيضا في أوروبـا والصين وذلك لما عملوا كالنحل.

وها الفرصة متاحة لنا نحن المصريين في الجمهورية الجديدة للعمل كالنحل لنصنع العسل والشهد لأوطاننا فالنحل لم يقدم له العسل والشهد جاهزا بل صنعته الاناث من بقايا الرحيق.

بقلم د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة

كلية العلوم جامعة طنطا





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة