"عصير التاريخ يروي الحاضر لينتعش المستقبل, فلنتفائل بالتاريخ وليكن فينا أسلوب حياة"
التفاؤل بالتاريخ
بقلم
د. محمد لبيب سالم
الماضي هو التاريخ بكل مافيه من نجاحات وإخفاقات. وتاريخ الأمم وحتي الأفراد هو رسالة للحاضر والمستقبل، فمن الجائز جدا أن يعيد الماضي نفسه سواء بنجاحاته أو إخفاقاته في الحاضر وإن لم يكن ففي المستقبل القريب أو البعيد. وتتوقف دورة اعادة التاريخ إلي نجاحات إو إخفاقات حسب البيئة والنية والهمة والعزم. فالتاريخ ليس من أجل الحكاوي أو الدراسة ولكن للاستفادة منه علي أرض الواقع.وعصارة التاريخ قد تكون بطعم التفاؤل أو الخوف والقلق. ولكني عندما أنظر إلي تاريخ مصر الطويل (والذي أقرأ عنه الآن بنهم واستمع لمحاضرات صوتية يوميًا) أجد أن عصارته ملآنة بإنزيمات التفاؤل.
فعلي مدار تاريخ مصر الفرعوني ومرورا بالتاريخ القبطي ثم الإسلامي بعصوره المختلفة اثناء الدولة الأموية ثم العباسية ثم الفاطمية والبرمكية والأيوبية والمماليك البحرية ثم العثمانية ثم الدولة الحديثة منذ عصر محمد علي حتي عصرنا هذا، أجد أن البوصلة تتجه دائما نحو التفاؤل خاصة اثناء أحلك الساعات والأزمنة. والأمثلة علي التفاؤل العسكري في تاريخ مصر كثيرة منها موقعة حطين، عين جالوت، السادس من أكتوبر. وعلي المستوي الصناعي والزراعي كثيرة والقنوات والترع والكباري والجسور والمتاحف والجامعات والمساجد والكنائس والمدن الجديدة تشهد علي ذلك. وكذلك أمثلة التفاؤل الثقافي والأدبي والفني والرياضي والديني والاجتماعي كثيرة وعديدة.
فعادة ما تتفرد مصر عن باقي الدول بالنصر والاستقرار الكامن في جيشها وأبنائها حتي ولو انهزمت الدول الأخري البعيدة أو المجاورة حتي وإن أشارت كل الدلالات في وقتها إلي موقف مصر الضعيف. ففي ظل المخاوف والتكهنات يفاجأ العالم بقدرة مصر علي التغلب علي الأزمات والاتحاد والانقضاض وبقوة.
وبالقياس لما حدث وتكرر في الأزمنة السابقة في مصر وكذلك في الأزمنة الحديثة, أجد نفسي متفائلا جدا بأن الحاضر والمستقبل سوف يكون أجمل وأقوي. صحيح ليس لدي وصفة محددة ولا روشتة ولا خريطة طريق واضحة خاصة بعد الاضطرابات التي طالت العالم اجمع بسبب كورونا ، إلا أن البشائر تشير إلي أننا في بداية الطريق. وعادة في البداية تكون اختلافات وجهات النظر وتباين درجات الإيمان بالتغيير والتفاؤل متباينة وهذا منطقي وطبيعي إلي أن تستقر الأمور وتضح الدلالات رويدا رويدا. وهذا ما أعول عليه وهي النية. أما الهمة والعزم والإرادة فهو ما يؤرقني بالفعل ، فهي في ماثلة في رأس الدولة وموجودة في رأس الحكومة. وكل مايقلقني هو بعض المسئولين من ناحية وشريحة من الشعب من ناحية اخري.
فبعض المسئولين يحتاج الي أن يفكر بعقلية رجل الدولة والمؤسسة وليس بعقلية رجل المصلحة، وما أعنيه هنا هو مصلحة الشعب في ضوء مالديه من معلومات من الدولة, أيا كان هذا الشعب ممثلا في مجموعة صغيرة في مؤسسة ما أو وزارة ما. فيجب ألا يفكر المسئول في مصلحة نفسه والتخطيط لمستقبله من خلال الاستفادة من الحاضر. وكذلك الشعب نفسه، أو بمعني أدق شريحة كبيرة منه، التي يعتمد علي الوظيفه في كسب العيش. فهذه الشريحة تفكر أحيانا بطاقة سلبية ولا يتعدي تفكيرها حدود مصلحتها بأقل الجهود الممكنة. وهذا الأمر له ما له وعليه ما عليه ولكن مجمل التأثير علي الناتج العام والابداع والهمة والعزم والإرادة أراه سلبيا الا اذا تم اتخاذ بعض الإجراءات التصحيحية من قبل الحكومة.
وفي هذا مقال آخر. خلاصة رؤيتي كشاهد علي العصر هو التفاؤل وقدوم مستقبل قوي شريطة تناغم الشعب والحكومة والرئاسة وإلا فالتفاؤل مهدد في موطنه. ولا بد أن أنوه أن التفاؤل لا بد وأن يكون صناعة محلية وطنية تعتمد علي العلم والعمل والإبداع والهمة والعزيمة والإخلاص وفوق كل شيء الأخلاق. وجب أن يكون تفاؤل المسئوليين والشعب غير مشروط, فالتفاول أسلوب حياة , ومن يتفائل يجد له مخرجا وطريقا إلي النجاح.
نحن لدينا كل شيء، لدينا الانسان والإمكانات والتكنولوجيا والموارد ولدينا التاريخ القوي المشرف ولدينا الجغرافيا الحصينة. وما نحتاجه بالفعل وبصورة مقننة هو الهمة والإبداع والإخلاص والأخلاق وأن تقوم المؤسسات بدورها الحقيقي علي ارض الواقع وليس مجرد لافتات واسماء ومبادرات, فكثرة كثرة المبادرات تعكس قصور ما.
وفوق كل التكهنات, أري أن الخير قادم بقوة إن شاء الله ولكن علينا أن نصنعه بأيدينا ونحميه بقلوبنا وعقولنا.
تحياتي
د. محمد لبيب سالم
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات