افهم اولاً لماذا يحدث السلوك، وكيف يتم ادارته، ثم المهارات التي يحتاجها الطفل لتضمن غياب السلوك السلبي
عفويةُ الاستجابةِ تدمرُ السلوك
هل سألت نفسك يومًا: كيف أُنشئ أبنائي أو كيف أفهم سلوكهم؟ إليك هذا..
أوجزتُ أهم الأفكار حول تشكُّل السلوك، وبسطتُها بحيث يفهمها أي قارئ.
ذهبتْ أمٌّ ومعها ابنها الذي لا يتجاوز خمس سنوات إلى دكتور متخصص بعلم السلوك لتسأل وتستفسر عن السلوكيات التي يُظهرها ابنُها في المنزل، وعلى حسب قولها لا تستطيع تحملها أو السيطرة عليها، جلستْ ومعها ابنها، أعطى الدكتور الطفلَ ورقةً وقلمًا وألوانًا، وقال له اجلس هنا وارسم ما تحب ثم بدأ بالحديث مع الأم، بعد فترة من مرور بضع دقائق جاء الطفل لأمه يقول لها "شوفي ماما إيش رسمت"، قالت له بجدية: "مش شايفني بحكي مع الدكتور ارجع محلك"، ثم رجع الطفل، ثم بعد مرور دقائق رجع الطفل مضيفًا على رسمته بعض الألوان، ويقول لأمه 'شوفي ماما إيش رسمت"، قالت له: "إنت ما بتفهم مش حكتلك ارجع مكانك"، رجع الطفل، ثم في المرة الاخيرة قام الطفل يقول لأمه: "ماما شوفي إيش رسمت"، عادت الأم وقالت: "ارجع إلى كرسيك، ولما تنتهي بتحكيلي"، هنا قام الطفل بشد شعر والدته وبدأ بالصراخ والبكاء، ثم التفتت الأم إلى الدكتور ولطمت على خديها، وقالت: "شايف دكتور هذا الذي يحدث معي كل يوم".
لا بد أن نعرف أنه لا يمكن أن يحدث سلوك دون مبررات وأسباب، كأن نقول حدث هذا السلوك دون سبب، أبدًا لا يمكن، مهمتنا في البداية أن يفكر كل منا لماذا يحدث هذا السلوك، وكيف يجب أن تكون استجابة الوالدين أو المعلم.
الانفعال بطريقة عشوائية تجاه الأبناء أو الطلبة قد يهدم السلوك أو يشوّشه، أو قد يقوي سلوكًا يجب إطفاؤه، أو إطفاء ما يجب تقويته، كما أنه لا يمكن حل ورقة امتحان دون قراءة السؤال وفهمه جيدًا؛ لأن إجابتك حتمًا ستكون خاطئة، ولتضمن نتائج صحيحة ومرغوبة لا بد من الفهم الصحيح، وهكذا السلوك نظام محكوم بأُسس وقوانين لا بد من فهمها قبل اختيار الإجابة.
فالاستجابة الناتجة عن السلوك؛ أي ما جاء بعد السلوك من ردود أفعال واستجابات ستعمل على خلق سلوك جديد، أو تقوية السلوك الموجود أو إطفائه، وكما قال سكنر: "السلوك محكوم بنتائجه"؛ بمعنى ما يحدث بعد السلوك هو الذي يُحدّد وجه السلوك ومساره.
إليك هذا: طفل يريد مشاهدة التلفاز في المساء، قالت أمه له: لا الوقت متأخر، فبدأ الطفل بالبكاء، حاولت الأم إسكاته لكنه استمر في البكاء بصوت أعلى، يئِسَت الأم وتعبت، ثم قامت فأشعلت التلفاز، هدأ الطفل واستمر في المشاهدة إلى أن نام، سلوك الأم هذا جعل الطفل يفهم أن سلوك البكاء فعّالٌ للحصول على ما يريده في حال مُنِع من شيء يرغب فيه.
إذن السلوك (البكاء) تمّ تعزيزه، وبالتالي حتمًا سيستمرّ وسيُعمِّمه الطفلُ على مواقف مشابهة.
تحديد سبب حدوث السلوك نقطة جوهرية لإدارة سلوكيات الأطفال وكذلك الطلبة في المدرسة، والسلوكيات تحدث لأسباب محددة، وهي قد تحدث لحصول الفرد على الاهتمام والانتباه، وهذا يحدث عندما لا يتم تزويد الطفل بالاهتمام فتحدث المشكلة السلوكية، وفي حال حصل الطفل على الاهتمام بمجرد حدوث المشكلة السلوكية فستصبح المشكلة السلوكية مُتعلَّمة، بالإضافة إلى حدوثها بسبب هُروب الفرد من مهمة أو نشاط مكروه وغير مُحبَّب بالنسبة له فتحدث مشكلات سلوكية، وقد تحدث بسبب رغبته في الحصول على شيء مادي من البيئة، وأخيرًا قد تحدث بسبب وجود مشكلة حسية.
لا بد من معرفة أن النواتج وردود الأفعال التي تأتي بعد السلوك سواء كان سلوكًا مرغوبًا أو غير مرغوب هي التي تحسم الأمر باستمرار السلوك أو توقفه، هناك ثلاث استجابات تأتي بعد السلوك: إما تعزيز؛ وذلك في حال رغبتنا باستمرار السلوك، أو إطفاء؛ وذلك في حال أردنا أن يقلّ حدوث السلوك تدريجيًّا إلى أن يختفي، أو العقاب في حال أردنا أن يتوقف السلوك حالًا وبشكل فوري.
قد يسأل البعض كيف نختار الاستجابة الصحيحة؟
إليك الإجابة، أي سلوك مرغوب وإيجابي يجب أن يتبعه تعزيز لكي يبقى ويستمر، خصوصًا إذا كان سلوكًا جديدًا، ويجب أن يكون التعزيز فوريًّا حال حدوث السلوك المرغوب، وانتبه أن تعزز السلوك السلبي لأنه سيزداد، وهذا الذي نخشاه، وذلك كما في المثال الذي سبق وذكرناه.
أما بالنسبة للإطفاء، فغالبية السلوكيات السلبية وغير المرغوبة يتم إدارتها وضبطها باستخدام الإطفاء، ويقصد بالإطفاء عدم توفر التعزيز الذي يعمل السلوك السلبي للحصول عليه أو يسميه البعض التجاهل المخطط له، بمعنى أن تتجاهل السلوك بشكل هادف ومقصود تجاهلًا تامًّا دون أن تظهر إيماءات غضب أو توتر أو ضحك أو استغراب أو غيرها من الإيماءات.
الطفل في المثال السابق بدأ بالبكاء عندما رفضت والدته أن يشاهد التلفاز في وقت متأخر ولكن مع استمراره بالبكاء يئست الأم وأعطته ما يريد، إدارة السلوكيات الصعبة يجب ان تحكمها قوانين، وذلك بالتأكيد يحتاج قوة وصبرًا، ولكن هذا حال السلوك، ما كان يجب أن تفعله الأم هو أن تتجاهل سلوك طفلها تجاهلًا تامًّا دون تجاهل الطفل، وأن تعرض عليه أنشطة بديلة مُحبَّبة بالنسبة له ومناسبة للموقف، وإذا استجاب لها يجب أن تقدم له التعزيز، وإذا لم يستجِب فإنها تستمر بالتجاهل المخطط إلى أن يتوقف السلوك، وهناك توسع أكثر بالتوضيح، ولكن لا يسعنا ذكر جميع التفاصيل.
ماذا عن العقاب؟
العقاب أسلوب تربوي وسلوكي ممتاز يهدف إلى إيقاف السلوك بشكل سريع، ويكون تحت إشراف ودراسة وتخطيط، ولا يقصد به الضرب والإيذاء وإنما تقديم مثير منفر أو سحب مثير إيجابي بحيث أن تقوم بإجراء غير مرضي بالنسبة للطالب أو للطفل.
تربويًّا وبحسب الأخلاقيات والمعايير التربوية التي أشار إليها تحليل السلوك التطبيقي أنه من حق الفرد معاقبته في حالتين فقط، الأولى في حال كان السلوك يتكرر بحيث يؤثر في العملية التعليمية، والحالة الثانية إذا كانت المشكلة السلوكية تؤدي إلى إيذاء الذات أو الآخرين.
لماذا ذلك؟ لأن سمة العقاب أن يؤدي إلى إيقاف السلوك بشكل سريع، وهذا المطلوب في حال إيذاء الذات، فمن غير المعقول استخدام الإطفاء في حال كان السلوك يشكل خطرًا على الذات أو الآخرين.
ولا بد هنا من إيضاح جزئية مهمّة، وهي أن العقاب يجب أن يعطي نتائج فورية، وإذا لم تكن هناك نتائج فورية فهذه إشارة مهمّة إلى أنه يتم استخدام العقاب بطريقة خاطئة ويجب تعديل الإجراء.
قام طالبٌ في غرفة الصف بإصدار أصوات مزعجة في أثناء شرح المعلم الدرسَ، هنا قد يوبِّخ المعلم الطالب ويستمر في الشرح، ثم يعيد الطالب الفعل بإصدار أصوات مرة أخرى، هنا قد يُخرِج المعلم الطالب من الصف بحُجّة معاقبته، هذا الإجراء يُبيّن أن الطالب في كل مرة لا يرغب فيها بحضور الحصة سوف يُصدر مثل هذه الأصوات، فهذا يدل على أن المشكلة السلوكية تم تعزيزها، وبالتالي قد يعمِّم الطالب هذا السلوك على الحصص الأخرى.
هناك سببان للسلوكيات السلبية التي تحدث في غرفة الصف:
1- الهروب.
2- الحصول على الانتباه.
في الهروب إخراج للطالب من غرفة الصف، فهذا يعني أنك تُحقق غايته وهي الخروج وعدم الحضور.
في الحصول على الانتباه، الصراخ عليه أو الحديث معه يعني أنك أيضًا تحقق غايته وهي الحصول على الانتباه.
وهنا أوصيك باستخدام الإطفاء، علِّم الطلبة في الصف ألا يستجيبوا لمثل هذه السلوكيات أبدًا كأنها لا تحدث، تجاهلها تمامًا واستمر بالشرح والمزاح وتعزيز الطلبة المتميزين كأنك لا تسمع أو ترى سلوكًا ما أبدًا.
استخدم التعزيز التفاضلي لسلوك النقيض، هنا استخدم الإطفاء كما وضحته في الأعلى، وعندما لا يقوم الطالب بأي سلوك سلبي قم بإعطائه سؤالًا أنت متأكدٌ من أنه يعرف الإجابة، فاسأله وخذ منه الإجابة، ثم عززه وأعطه الاهتمام الذي يحتاجه.
إذا كان لديك أي استفسار بخصوص هذا المقال، تواصل على هذا الإيميل:
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات