"أنقذ ما تستطيع من حياتك، لا تخسرها كلها فقط لأنك خسرت فقط لأنك خسرت جزءا منها" -لقائله


من أنت ؟

إنه سؤال قد يبدو للوهلة الاولى بديهيا وسهلا ، قد يجيب عليه البعض بأسمه الثلاثي او بوظيفته او بمنصبه، وقد يذكر البعض الاخر عمره ، وقد يتجاهل هذا و يذكر اولا الحالة الاجتماعية ، وقد يركز اخرا على جنسيته او نسبه

لا حصر لعدد الاجابات التي قد تسمعها لهذا السؤال ، لكني اود في هذه المرة ان اسلط الضوء على جانب مختلف، وهو جانب هوية الانسان الحقيقية ولا اقصد بها الشكل او اللون والجنسية او العرق، بل اقصد الهوية والكيان الذي يملكه كل انسان بداخله ذلك الجانب الذي يولد معك ويُوجد حين توجد روحك على هذه الارض

مالذي يعبر عن هويتك الحقيقية؟

هل هي افكارك التي تخبرك بما ينبغي فعله ؟

ام هي احاسيسك ام خبراتك السابقة ؟

ام ما اخبرتك به امك حين كنت صغيرا ؟

ام تلك المفاهيم التي ينادي بها المجتمع من حولك ؟

أرجِح بأن لكل انسان مزيج خاص من هذه العناصر يحاول ان يوازن بينها ليُنتج من خلالها افضل وسيلة للتماشي مع المحيط الذي فيه ، فتارةً يتخذ قرار بناءً على خبرة سابقة وتارةً اخرى يمتنع عن فعل امر ما لان والدته اخبرته منذ صغره بان الله سيعاقبه عليه وتارةً قد يحاول ان يجتهد بافكاره ليخرج بمفهوم يساعده على اخذ صورة واضحة عن واقعه وقد يمزج معها تلك الافكار المعلقة على لافتة " العادات الاجتماعية "

ولكن هل صحيح ان افكارنا من الممكن ان تقف ضدنا ؟وتتخذ موقف يعود علينا بالسوء ؟

هل سيال الناقلات العصبية داخل ادمغتنا قد يصنع لنا فكرة تسبب لنا التعاسة في حياتنا ؟

إن هذه التساؤلات هي جوهر المفهوم القائل :


لا يمكن للانسان ان يسقط الا بفعله ولا ينهض الا بإرادته



وهذا مفهوم كثيرا مايجد مدربو التنمية البشرية صعوبة في تقديمه للناس

كيف يمكن ان تقنع شخصا بأن افكاره تحاول تدميره ؟

إن الفخ الذي يقع فيه اغلب الناس هو اعتقادهم بأن افكارهم هي جزء من شخصياتهم وهوياتهم الحقيقية

على سبيل المثال : هل ذلك الوقح الذي خرج ينتقد احد فرق كرة القدم التي اشجعها قد اساء لميولي ؟

هل تلك الحمقاء التي اخبرتني ان الملابس التي ارتديها لا تبدو مناسبة قد اثارت استيائي وحطمتني ؟

وهل ذلك الصبي الذي اخبرني ان اسناني لا تبدو جميلة عندما اضحك قد اثار غضبي؟

كل هذه الاحاديث الداخلية التي تراودنا جميعا حينما نتعرض لهذه المواقف هي في الحقيقة نتاج افكار ولّدت مشاعر ، وهذه المشاعر جعلتنا نعتقد بان ذاك الرجل الوقح ينتقد ميولنا الكروية لكنه في الحقيقة لا ينتقد سوى اداء لاعبي الفريق

وجعلتنا نعتقد بأن تلك الحمقاء قد اساءت الى ذائقتنا الشخصية في انتقاء الملابس لكنها في الحقيقية لم تسىء بل اخبرتك ان لديك ذائقة مختلفة في الاختيار

وذلك الصبي لم يقصد ان يغضبك لانه لم لا يملك اي معيار للجمال ولا توجد هناك معايير اساسا

اذا فكرنا بمثل هذه الطريقة في حياتنا اليومية سنجد ان هناك كم لا يُستهان به من مشاعرنا السلبية قادم من اشخاص واشياء اعتقدنا انها تحاول المساس بنا و بشخصياتنا وكياننا الداخلي بينما في الحقيقية هي ليست كذلك


إذاً مالحل ؟


ان الامثلة التي سبق شرحها ماهي الا تبسيط بالغ البساطة لما يسمى في علم النفس ب الانا ، وهو ذلك الجزء من الانسان الذي يحمل فيه كل صفاته الشخصية وطريقة تصوره لنفسه وللعالم من حوله

ولطالما اكد الفلاسفة و روَاد التنمية البشرية على اهمية تحرر الانسان من هذه الانا

لكن السؤال المنطقي الذي قد يطرحه اي احد حين يسمعهم يرددون تلك العبارات التي تنادي بالتخلي عن الانا والشخصية

إن لم اكن انا شخصيتي فأنا من اذا ؟

وإن كانت الانا هي السبب في مشاعري السلبية كيف اتخلص منها ؟


سنجيب على هذا التساؤلات من خلال الخطوات العملية التالية:


اولا : الوعي والمعلومات هي سلاحك الاول عليك ان تجمع قدرا معقولا من المعلومات حول تلك التي يسمونها الانا ولماذا من المهم ان نتعامل معها ومادورها الحقيقي في تشكيل هويتك؟

وعليك ان تسقطها على مواقف ومشاعر تشعر بها شخصياً وان تفهم وتدرك موقع الانا في دائرة التحكم خاصتك


ثانيا : عليك ان تطبقها في البداية مع مواقف صغيرة كالتي ذكرتها في الاعلى ، او كمثال اخر : قطعة اثاث اشتريتها وتراها في غاية الجمال والروعة لكنك تقرر اخفائها لان افراد العائلة اخبروك بأنها قبيحة وغير مناسبة وقس على حياتك اليومية مواقف كهذه ، والتي بالرغم من صغرها ! الا انها تجعلك تشعر بالحرج او الاستياء او حتى الغضب منها

درّب نفسك على الادراك بأن هذه التعليقات لا يمكنها ان تمس شعوري تجاه نفسي واختياراتي للاشياء ، وتضعني في دائرة شعور سلبي اياًّ كان نوعه او شكله

عليك تكرار هذا الامر من ٣٠ الى ٦٠ مرة في مواقف مختلفة او متشابهه حتى يتعود العقل بأن يُلغي تفاعله مع الكلمات السيئة او الجارحة


ثالثا : اود اخبارك بأن انتهائك من النقطة الثانية بحد ذاته انجاز حقيقي وامر رائع سيساعدك في استكمال ماتبقى من الخطوات.

عليك الان ان ترفع مستوى المواقف التي اسقطتها سابقها على مبدأ التحرر من الانا ، هذه المرة لن تتناول موقفا صغيرا بل مشكلة حقيقية تعتقد انها شكلت جزءا ساحقا من شخصيتك .

كضربة من معلم لن تنساها ابدا

او كفضيحة تسببت في اقالتك عن وظفتك

او كتعنيف تعرضت له حينما كنت صغيرا

او تلك المشاكل المتراكمة التي تسببت في انفصالك عن شريك حياتك

او كتعرضك للتنمر في المدرسة

كل هذه المواقف لو تناولناها على حدى وفككناها لوجدنا بأن لها جوانب عدة لا يمكن حصرها في مقال واحد لكن كل ماعليك الان هو التحديد بدقة ووضوح ماهو الموقف الذي اريد ان اتعامل معه واعتقد ان بتحرري عن مفهوم الأنا سيتلاشى حزني والمي تجاهه ؟

حين تنتهي من تحديد الموقف ، عليك رفع مستوى المشاعر الجيدة تجاهه ، لن تستطيع التصالح مع اي حدث في الماضي وانت لازلت نادما وغاضبا او مُحرجا منه عليك الّا تلتفت لاي افكار سلبية تدور حول هذا الحدث ويُفترض بان يكون هذا اكثر سهولة لان الخطوة الثانية مهدت لك الطريق

حين تتأكد من الوصول لشعور جيد وانت امام استحضار هذا الحدث المؤلم، عليك الان اخبار نفسك بأن الامر كله كان مرهون بظروف ومشاعر تلك اللحظة او ذلك الزمن، وهو لا يمثل جزء من شخصيتك الحقيقية

وان الالفاظ او الافعال التي اساءت لي هي قادمة من شخص يجهل عني اكثر مما يعرف هو عن نفسه ، ولا يمكن ان تكون تلك الاساءات هي حقائق يؤخذ بها على محمل الجد والتصديق والتسليم ، وعلي كإنسان ان لا اجعل جهل الاشخاص بي يغلب معرفتي لنفسي وقدراتي الحقيقية


عليك ان تكرر على نفسك بالكلام والافكار والشعور و الكتابة وكل وسيلة تعرف بأنها قد تسقط هذه الاحداث المؤلمة عن شخصيتك ، حاول على الأقل ان تكررها مرة واحدة يوميا

ستساعدك هذه الخطوات على ادراك حقيقة أنك لست نتاج الاحداث ولا الظروف التي ولدت فيها بل انت في الحقيقة روح تريد اثبات هويتها الحقيقية ، والشخصية ليست الا وسيلة للتعبير عن هذه الروح.



الخلاصة والتوصيات :


-الافكار السلبية والاحداث اليومية وجروح الماضي هي ليست هويتك الحقيقة


-التسلح بالوعي و اسقاط مبدأ التحرر من الانا على المواقف الصغيرة والاحداث المؤلمة في الطفولة طريقة عملية تساعد في فهم ومعالجة الألم والمعاناة الناتجة عن تراكمات الماضي


-هناك الكثير من المراجع والمصادر على الانترنت التي ستدعمك اذا اردت الاستزادة حول الموضوع ولعل اكثر من سيختصر عليك الطريق ويوضح بالتحديد مواضع ومكامن الحل هو كتاب قوة الان للكاتب إيكهارت تول

Coach Hanan

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Coach Hanan

تدوينات ذات صلة