اتحدث فى التدوينة عن مختصر لقصة حياتى الخاصة من الصمم التام لمدة 33 عاما الى استعادة السمع واستعادة الحياة
من رحم الألم يولد الأمل ومن عمق الظلام ينبثق النور
- حكايتى باختصار هى قرار.. قرار اتخذته وانا بعد طفلة صغيرة وصممت على تحقيقه رغم الصعوبات
ولدت عام 1961م طفلة طبيعية تسمع وتتكلم متفوقة دراسيا وتشارك فى جميع الأنشطة الثقافية والفنية فى مدرستها الابتدائيةوفجأة وانا فى عمر ١١ سنة اصبت بحمى شوكية كان نتيجتها فقدان كامل للسمع فى الاذنين... وبعد الموسيقى والغناء والجمباز والباليه والحياة الصاخبة وجدت نفسى اسيرة فى عالم الصمت والصمم الكئيبب وبالطبع كانت الصدمة قوية فى البدايةوبفضل الله تماسكت سريعا ووجدت الدعم من الاسرة و الوالدين رحمهما الله
وبطريق المصادفة وجدت طريقة للتواصل مع من حولى بقراءة حركة الشفاه وظللت أدرب نفسى بنفسى حتى اتقنتها تماما واعتمدت عليها فى حياتى ودراستى وقررت انى لابد ان اساعد نفسى وابذل اقصى جهدى لأكسر حاجز الصمت من حولى وبسبب وعىّ الوالد باهمية الدمج وثقته فى قدراتى الحقنى بمدرسة إعدادية عادية ولم اجد اى صعوبة فقد كنت اعشق الدراسة والكتب وكنت الاولى على مدرستى غمرة الإعدادية والاولى ايضا على مدرستى العباسية الثانوية بمجموع ٩٧ ٪بعدها قررت ان احقق حلم عمرى ان اكون طبيبة تخدم الناس والتحقت بكلية طب عين شمس وكانت مرحلة اخرى فى غاية الصعوبة كانت تحديا يوميا بمعنى الكلمة فكنت اقضى يومى كله فى الكلية والمعامل والمشرحة احاول فك شفرات المناهج الطبية الصعبة معتمدة على نفسى فقط والكثير من الكتب ثم اعود لمنزلى وأسهر حتى ساعات الصباح الاولى ادرس وادرس مستعينة بالعشرات من الكتب والمراجع الطبيةومع الاسف ولم اجد ادنى معاونة من اساتذتى فى الكلية وكم تم ظلمى فى الامتحانات الشفوية باستثناء دكتور طلعت الديب استاذ الباثولوجى ومثلى الاعلى والمثل الاعلى لكل استاذ جامعى وكان الوحيد الذى شجعنى ووقف بجانبى فى حين كان يرفض باقى الاساتذة مجرد كتابة السؤال لى فى الامتحانات الشفوية ولم اكن اجيد قراءة حركة الشفاة باللغة الانجليزية بل فقط اللغة العربية ... وكانت الامتحانات الشفوية التى تمثل الرعب لطلبة الطب عموما خوفا من عدم معرفة الاجابات لكنها كانت تمثل لى مشكلة اخرى ليس خوفا من عدم معرفة الاجابة بل خوفا من عدم معرفة السؤال اما الاجابة فانا كفيلة بها .. فقد عشقت الطب وكنت أذاكر من مراجع عديدة فى كل مادة ولم اكتف بكتاب واحد او مذكرات وملازم كما يفعل الكثيرون
وبعد كفاح ٦ سنوات متصلة لااذكر انى حصلت على يوم واحد اجازة فيهاتخرجت عام ١٩٨٦ وانا زوجة وام لابنتى الكبرى الحبيبة وعملت داخل وخارج مصر لمدة ٢٠ عاما قبل اجراء اول عملية زرع قوقعة عام٢٠٠٦ بعد 33 عاما من الصمم بإلحا ح من ابنتى الكبرى جهادواستجبت لأمنية الابنة الحبيبة وكانت عروساً على وشك الزفاف وأجريت اول عملية زرع قوقعةوقتها كنت أظن انى بخير حال ولايوجد ماهو افضل وانى ناجحة فى عملى ومشغولة بأولادى ومتأقلمة الى حد انى ( نسيت انى صماء)... وكنت حقا مخطئة تماما و توكلت على الله وأجريت عملية القوقعة ولأول مرة فى حياتى اسمع كلمة ( ماما) واسمع صوت اولادى الاربعة وهم شباب كبارولأول مرة ألبى نداء( ماما) وهو يأتينى من بعيد دون ان يكونوا امامى لأقرأ حركة شفاههم وامتلأت حياتى بالبهجة والروعة واستعدت التواصل الانسانى الطبيعى والبهجة وشعرت انى استعدت الحياة وليس السمع فقط
وبفضل الله اجريت العملية الثانية عام ٢٠١٤ بعد ٤١ عاما من الصمم واستعدت السمع فى الأذن الاخرى وتعجز كل الكلمات فى كل قواميس اللغة عن وصف شعورى بعد استعادة السمع.. صمتت حروفى وأبدت عجزها لغتى --لذلك وتعبيرا عن امتنانى وامنيتى ان يعيش كل اصم تلك اللحظة الباهرة ويستعيد السمع وخصوصا الاطفال امل الغد ..قمت بإطلاق مبادرة ( السمع حياة) وبتاسيس جمعية ( السمع صوت الحياة) التى أتولى رئاسة مجلس أدارتها مع نخبة من الاساتذة لرعاية وتاهيل مستخدمى القوقعة ولاحقق من خلالها امنية حياتى ان تكون هذه المؤسسة رمزا من رموز هذا الوطن الغالى يساهم بفاعلية وقوة فى القضاء على مشكلة الصمم بحلول عام ٢٠٣٠ وأسعى بكل جهدى الى تحويل مبادرتى الى حملة قومية شاملة مثل الحملة القومية الناجحة للقضاء على الفيروسات الكبدية وتصحيح الوضع الخاطىء كوّن مصر من اعلى النسب فى العالم فى نسبة الصمم وهو امر لايليق بمصرنا الغالية واثق انى باذن الله سأحقق هذا الهدف وعندى امل لايخبو وطاقة هائلة فشعارى فى الحياة (( انطلق نحو القمر فحتى لو أخطأته .. فسوف تهبط بين النجوم))ولايزال المشوار طويلا ولازلت أسعى وأسعى ليس فقط لتأهيل الاطفال مستخدمى القوقعة بل تأهيل المجتمع نفسه للاعتناء واحتواء هؤلاء الاطفال ودعمهم وتأهيلهم وتعليمهم وليكون مشوارهم اقل مشقة من مشوارى ورسالتى الى الشباب عامة وطلبة الطب خاصة هى ان كل انسان قادر على النجاح وعلى ان يكون مايريد وان يحقق حلمه ويصنع معجزته الخاصة بنفسه فلم يختصنى الله بشىء دون الاخرين فهو سبحانه العادل الرحيم وكلنا لدينا هذه الطاقة الداخلية وكلنا لدينا هذا المارد او الأسد الرابض بداخلنا.. المهم كيف نستخدمه ونحسن توظيفه لتحقيق الهدف الذى نسعى اليه
وفقكم الله جميعا لما يحبه وبرضاه وارحب باى تواصل مع الشباب وطلبة الطب خصوصا وتحياتى لكم جميعا ابنائى وبناتى والسلام عليكم ورحمة الله
دكتورة/ فادية عبد الجواد على سالم
أستشارى الأمراض الجلدية والتجميل
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات