تعتبر التربية آلية من الآليات المتعددة الناجعة والفعالة من أجل إعداد فرد قادر على الوقوف في وجه الأخطار التي تهدد صحته و سلامة وطنه.

تعتبر التربية آلية من الآليات المتعددة الناجعة والفعالة من أجل إعداد فرد قادر على الوقوف في وجه الأخطار التي تهدد صحته و سلامة وطنه.


نسعى من خلال هذا العمل المتواضع إلى المساهمة في توضيح كيفية استثمار التربية كآلية لمواجهة المخاطر من خلال إبراز بعض الخطوات التي يمكن تبنيها أو إعادة النظر فيها من طرف المؤسسات التربوية، والمؤسسات الاجتماعية باعتبارها مؤسسات تربوية.

إذن ماهي التربية؟

وماهي الإستراتيجيات التربوية التي ينبغي علينا العمل بها من أجل الوقوف في وجه أي حرب صحية في المستقبل؟


في خضم الأحداث التي عرفها العالم جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، وجد الإنسان نفسه وسط مجموعة من التغيرات و السلوكيات الجديدة التي فرضت على الإنسان الالتزام بها من خلال اتباع بعض الضوابط والقوانين التي سنتها الدول وعلى رأسها المملكة المغربية التي كانت سباقة في هذا الصدد بإجراءات احترازية بغية حماية المواطنين من هذا الوباء القاتل.

هذه الإجراءات لم يكن بالسهل على المواطن المغربي تقبلها بالسرعة الملزومة، الشيء الذي خلف لنا مجموعة من السلوكيات والخروقات من طرف البعض ، وهذا إن دل فإنما يدل على قلة الوعي التربوي لدى غالبية الأفراد.

1 - فالتربية لغة وردت في معجم لسان العرب على أنها من الفعل ربى بمعنى علا وزاد ونما، فيقال ربوة أي مكان عال ومرتفع، والتربية تعني تعلية الشيء أو رفعه عن المستوى العام أو عن ما هو عليه.

ويعرف إميل دوركايم التربية بقوله: هي الفعل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال الصغيرة التي لم تصبح بعد ناضجة للحياة الاجتماعية ، وموضوعها إثارة وتنمية عدد من الاستعدادات الجسدية والفكرية والأخلاقية عند الطفل، والتي يتطلبها المجتمع السياسي في مجمله و الوسط الخاص الذي يوجه إليه .

2 - يمكن القول من خلال تعريف دوركايم أن التربية تقتصر على الأجيال التي لم تنضج بعد للحياة الاجتماعية من خلال الأجيال الراشدة والصغيرة، وأن التربية في نظره هي حفظ للتراث الثقافي وهي ليست تكوين الفرد من أجل ذاته بل من أجل المجتمع بالدرجة الأولى.

ويقول في هذا الصدد: أن الإنسان الذي يجب تحققه التربية فينا ليس الإنسان مكا خلقته الطبيعة، ولكن كما يريد المجتمع أن يكونه ويريده كما تقتضي ذلك نيته الداخلية.

3 - هذا التصور للتربية كظاهرة اجتماعية لدى دوركايم لا ينفصل عن تصوره العام للظاهرة الاجتماعية.

فالتربية تتميز باستقلاليتها وبأسبقيتها عن الفرد ، وأن النظام الاجتماعي يفرض معايير أخلاقية وعادات تربوية يلزم الأفراد والجماعات بالامتثال لها والتكيف معها وإلا تعرضوا بفعل ذلك للعقاب.

إستراتيجيات المواجهة :

من بين الإستراتيجيات التي يمكن العمل عليها من أجل خلق فرد قادر على التصدي للمخاطر:

1 - إعداد برامج علمية هدفها إعداد وتأهيل القائمين على الفعل التربوي، مما يساهم في إعادة الدور الأول والأهم للمربي في التربية قبل التعليم. فالمربي (المعلم) في هذا الزمن الراهن لم يعد يقوم بعملية التربية بل اقتصر دوره فقط في التعليم وإنهاء المقرر الدراسي في زمنه المحدد.


2 - التربية على قيم المواطنة منذ بداية تكوين المتعلم في مراحله الأولى ، فأزمة القيم أصبحت منتشرة بوضوح في عصرنا هذا الذي اهتزت معه القيم نتيجة التطور الذي وصل إليه الإنسان الذي لم يعد يرى سوى ذاته ولو على حساب الآخر ، الشيء الذي أدى إلى تفشي العديد من المشاكل الاجتماعية .

وبالتالي أصبح من الضروري رد الاعتبار لهذه المادة التي كانت تكون لنا فرد محب وغيور لوطنه، وحاملا للقيم والمبادئ التي ينظم من خلالها الإنسان علاقاته مع باقي الأفراد، من أجل إعداد فرد على وعي تام بمصلحة ذاته ومصلحة وطنه.

فهذه القيم تبقى ضرورية لتحقيق حياة تقوم على السعادة والتنظيم لحياة الأفراد فيما بينهم، حياة يسودها التضامن والتعاون والتماسك والحرية .

3 - خلق تربية صحية من خلال إضافة مادة في المقرراة الدراسية تقوم بالأساس على تعليم وتوعية المتعلمين بطرق وأساليب يستطيع من خلالها حماية ووقاية ذاته وغيره، فربما درس أو حصة أو حصتين غير كافيتين لغرس هذه القيم في نفوس المتعلم.

فهذه التربية هي ما افتقدناها خلال هذه الجائحة التي أثبتت على أننا غير مِؤهلين لمواجهة هذه الحرب الصحية الراهنة.

وبناء على ما سبق نشدد في الأخير على أن التربية وسيلة فعالة لمواجهة المخاطر لأنها الوحيد القادرة على تنظيم السلوكيات العامة للبشر، والقادرة على ترويض وتوجيه غرائزهم، و لكونها العنصر الرئيسي والأساسي القادر على تغيير المجتمع بجميع فئاته والدفع به نحو التقدم والازدهار ، وهذا الأمر يستدعي تضافر جهود الجميع، وحشد الطاقات والإمكانات هدفها الأساس خلق فرد مؤهل للتصدي من أجل الدفاع عن نفسه من المخاطر التي تهدد صحته وسلامة مجتمعه.


المراجع:

1: لسان العرب.

2 :E.Durkheim,éducation et sociologie,p41.

3 :J.Leif et Rustin, Philosophie de l’éducation, T.l ed,Delagrave, 1970,p 115-116.

Noureddine Erraih

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Noureddine Erraih

تدوينات ذات صلة