عن تلك الوحوش الضارية التي كنا نتوهم وجودها في الليل أسفل السرير عندما كنا صغارًا، فكان يقول لنا الكبار بسخرية واستهزاء أنه لا وجود لها،.

ربما وقتها كنا نحتاج حقيقة أن يطمئنا أحدهم فلا يؤكد لنا ولا ينفي وجودها بل يأخذنا إلى رحلة لنشاهد أسفل آسرتنا ونكتشف بأنفسنا أنه لا وحوش بالأسفل..

وبطريقة مشابهة على نحو ما، أحيانًا تتصارع وتتدافع بداخلنا مشاعرنا وكل ما تحتاجه منا أن لا نبالغ في الخوف منها وفي نفس الوقت لا ننكر وجودها ونطمئن أنفسنا فلا نجعل العقل أو المنطق يلغي المشاعر أو يسخر منها، وكذلك لا نبالغ في شعورنا فيلتهمنا فلا نستطيع الحراك بسببه، ولكن نذهب في رحلة واقعية لاكتشاف حقيقة شعورنا وقبوله دون أحكام أو استعلاء.

ولعل أعقد مشاكلنا هي كيف لنا أن نعبر عن ما بداخلنا من شعور دون أن نكتمه وفي نفس الوقت نتصرف بشكل صائب دون اندفاع أو انقياد تام لانفعالاتنا؟!وفي هذه المجموعة من المقالات حول "المشاعر" نحاول الوصول لهذا بمقدار ما.



من هنا نبدأ(أهمية المشاعر):

لا يخفى على أي منا مدى أهمية المشاعر في حياتنا فهي المحرك الأول والقوة الدافعة لكثير من أفعالنا وسلوكنا، وهي طريقتنا للتواصل مع أنفسنا وفهمها فهي تؤثر على أفكارنا وتصوراتنا تجاه العالم والأحداث وكذلك تتأثر المشاعر بما نعتقده ونفسر به الأحداث والمواقف، وكذلك تؤثر في سلوكنا أيضًا، ومن أكثر الأشياء التي تتأثر بمشاعرنا هي علاقاتنا بالآخرين، فشعورنا تجاه الآخر وشعوره تجاهنا يترجم في كثير من الأحيان إلى سلوكيات وردود أفعال متبادلة بيننا، فكل ذلك يبرز دور المشاعر في حياتنا.

ونتعرض هنا لأهم المبادئ في التعامل مع المشاعر:


المبدأ الأول (الاعتراف والتعبير عن شعورنا ينقذنا):

لعل أسوء ما نرتكبه في بعض الأحيان هو أن نظن أنه لا أهمية لمشاعرنا أو للتعبير عنها فنقوم بكتم وكبت كل ما بداخلنا في محاولة للظهور أكثر صلابة وجسارة، ولكن سرعان ما يتبين لنا أن الصلابة الناتجة عن كبت وطمس مشاعرنا لهي صلابة هشة جدًا، فعندما يتنافر سلوكنا الخارجي عن شعورنا الداخلي ندخل في حالة من التناقض الوجداني التي تجعلنا مدعين للجسارة من الخارج بينما نحن نتأكل من الداخل!

هل معنى ذلك أن نمارس النقيض ونندفع فجأة لنعبر عن كل ما بداخلنا؟

عندما نعبر بإنفجار عما بداخلنا نكون كاللهب الذي يلتهم من حوله ويُفني الخشب الذي أشعله أيضًا بداية، فنؤذي غيرنا وكذلك أنفسنا، فلربما الأمور لا تتطلب منا أن نكون على العكس تمامًا، فقد تحتاج منا مشاعرنا أن نعبر عنها بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب بدون مبالغة تؤذينا أو تؤذي من حولنا، فمشاعرنا كالموجة، وطالما أننا قررنا ترك الشاطئ والنزول للسباحة فلن نستطيع تجاهل وجود الموج، وفي نفس الوقت ليس علينا إغراق أنفسنا تمامًا لننجو من تقلبات الموج، فنتقبل ما يسببه لنا الموج من اضطراب وفوضى لحظية، لكن في النهاية الموج حتمًا سيمر ما إذا انسجمنا مع وجوده وأجدنا الانزلاق معه دون تجاهل أو غرق فيه.

المبدأ الثاني (لا تصدر الأحكام على مشاعرك):

من أهم الأمور المتعلقة بالمشاعر هي عدم إصدار الأحكام عليها بل نقبلها كما هي، فكل المشاعر وجدت لسبب سواء كانت سعادة أو حزن أو خوف أو آمن أو غضب أو سكينة، كلها لها فائدة في موقف ما أو في وقت ما، فلا نحكم على خوفنا ونقول بأننا جبناء، ولا على حزننا فنقول أننا كئيبين، ولا على غضبنا بأننا أشخاص لا نسطيع السيطرة على أنفسنا، ولا على سعادتنا من الأشياء التي تبدو بسيطة بأننا ساذجين، فنعبر عما نشعر به من دون إصدار الأحكام على أنفسنا وكأننا نقاضيها على كل شعور، وهنا يأتي سؤال هل هذا يعني أننا لا نحكم فبالتالي لا نتحكم البتة فيما نفعل عندما يزداد الشعور لدينا؟، ربما قد نتفاجأ بانفعالنا لموقف ما ولا نستطيع السيطرة عليه ولا التحكم لأنه من الصعب التحكم في المشاعر بشكل مباشر فوقتها نحن نتحكم في ردات الفعل وسلوكنا الخارجي بأن يكون منضبطًا بقدر ما نستطيع مع عدم النكران لمشاعرنا الداخلية أو كبتها في نفس الوقت.


المبدأ الثالث (الانفعالات وقتية، لا تبقَ عالقًا):

إن من أهم المشاكل التي تجعل بعضنا يندفع مع مشاعره بكل قوة هي أننا نظن أن الانفعال الذي تسبب فيه حدث ما سرمدي ولن ينتهي أبدًا، ولذلك نحاول جاهدين أن نفعل أي شيئ لنجعل وطأة هذا الشعور تختفي سريعًا فنقاوم حتى شعورنا الطبيعي به فنفاجأ بأن الانفعال يزداد بدلًا من أن يهدأ!، أو على العكس قد نعايش الشعور لفترة طويلة جدًا ولا نستطيع الخروج منه بعد مرور الحدث الذي تسبب فيه، والحقيقة هي أن لكل انفعال أو شعور وقته وبعدها سيمضي، فعندما نقفز سريعًا ولا نعطيه وقته يزداد الشعور ويتضخم بداخلنا أكثر، وكذلك عندما نعطيه كل الوقت من عمرنا يتحول حينها إلى شعور إدماني مزمن لا نستطيع الخروج منه، فإعطاء شعورنا المدة المناسبة له لهو أمر أساسي في التعامل معه.


المبدأ الرابع (لا بأس بفشلنا في التعامل في بعض المواقف):

من أهم أساسيات التعامل مع مشاعرنا قبول أننا قد ننجح في بعض المواقف وقد نفشل في مواقف آخرى في التعامل مع انفعالاتنا، لا بأس بذلك فهذا جوهر طبيعتنا البشرية فالتقدم خطوتين ثم الرجوع خطوة يعتبر تقدمًا وإنجازًا نحو أنفسنا، ففي محاولاتنا الأولى لإدارة مشاعرنا لن تكون الأمور أبسط وأسهل ما يكون، لكن المحاولة في حد ذاتها تعني أننا نريد أن نقدم لأنفسنا المزيد، فلا بأس بالنجاح أحيانًا والفشل في أحيان آخرى.


المبدأ الخامس(عبر عنها ولكن لا تتعامل معها كحقيقة مطلقة)

كما ذكرنا سالفًا فإن التعبير عن مشاعرنا وتقديرها وعدم كبتها أو المبالغة فيها لهي أمور ضرورية، ومن المهم أيضًا أن لا نأخذ مشاعرنا تجاه الأحداث والأشخاص على أنها حقيقة مسلم بها من دون وجود دليل عليها، فشعور أحدنا بالخوف من تجمهر الناس حوله هذا لا يعني أن الناس من حوله يمثلون خطرًا حقيقيًا عليه وهذا أيضًا لا يمنعه من تقبل خوفه في مثل ذلك الموقف ومحاولة معالجته وتخفيفه والتعبير عنه مع مختص إذا زاد عن الحد الطبيعي، فنحترم ما نشعر به ولكن نتعامل مع الموقف والعالم على حسب ما تظهره لنا الحقائق والأدلة، فشعورنا تجاه الأشياء قد يحتمل الصواب والخطأ فلا نجعله حقيقة مطلقة من دون أي دليل، فتعاملنا مع مشاعرنا على أنها حقائق تعد من أبرز الخرافات حول المشاعر.وبهذا نكون قد تحدثنا عن أهم المبادئ عند التعامل مع المشاعر، وفي مقال قادم نتحدث بتفصيل أكثر عن "الخرافات حول المشاعر".

دعاء رجب

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات دعاء رجب

تدوينات ذات صلة