لصوص حقيقيّون لا أحد يحاسبهم، وقلّة من يلحظهم لبراعتهم وخفيتهم. سرقة بلا أدلّة واقعيّة ملموسة تدينهم، رغم جرمهم وعظم ما يسروقون.



تُطلق كلمة لصّ على كلّ من أخذ ما ليس له بغير وجه حقّ، وهو معتد مذنب شرعًا وقانونًا، ففي السّرقة اعتداء على ملكيّة الآخر الجسديّة أو المادّيّة أو الفكريّة. ولكن ماذا عن لصوص من نوع آخر يسلبون أشياء أثمن من المال، أشياء لا تُشترى به ولا تُعوَّض ولا رقيب عليهم؛ كلصوص الوقت ولصوص الأحلام مثلًا؟ أمّا لصوص الأحلام فهم كثيرون، ويتفاوتون في احترافهم وأماكن تواجدهم، فمنهم من يقبع بداخلك ومنهم من يحيط بك، ومن هؤلاء اللّصوص:


1- الفراغ والقلق


إنّ الفراغ والقلق يعتبران من أشرّ لصوص الأحلام؛ إذ إنّ الفراغ إشارة إلى العبثيّة وهدر قدرات المرء، وهو منفذ للضّجر والتّخبّط في اللّاشيء، ومنه إلى السّلبيّة والانحدار نحو التّوافه ومضيّعات الأوقات، ومن ثمّ هشاشة في حياة الفرد كونه أصبح مستهلكًا لا منتجًا فاعلًا، فيتزعزع تقدير الذّات وتنطفئ شعلتها لينتهي به المطاف بفقدان قيمة الأنا، فكم أودى الفراغ بحياة شباب في أوج نشاطهم وطاقاتهم! فحريّ بك إيقاظ ملكاتك من سباتها وإحياؤها بدل دفنها في وحل الكسل والتّيه، واستثمارها لتوجّه سهامك نحو أحلامك فتصيبها عوضًا عن فوضويّة العيش.


في حين يؤخّر القلق وتوابعه الحافلة ويعرقل مسيرها نحو الحلم، فكلّنا لديه تداعيات القلق والاضطراب، ومنّا من يجتمع الكثير منها في حياته إلاّ أنّ الغِرّ فقط من يستسلم للقلق، ويجعل نفسه لقمة سائغة له، أمّا الحاذق الفطن فإنّه يتغلّب عليه بالإيمان المطلق بالله تعالى، وهو التّرياق الوحيد لهذا الدّاء العظيم في ظلّ القلق على الصّحة والنّفس والمستقبل والعائلة والوظيفة، فتأتي الثّقة الخالصة الكاملة بالرّب الخالق المدبّر المنبثقة من الإيمان به وبوجوده وبصفاته، فيسلّم المرء نفسه بين يديه ليقوده إلى برّ الهدوء والسّكينة؛ فلا يندم على ما فات ولا يجزع ممّا هو آت.


2- الأشخاص السّلبيّون


أمّا أولئك الذين يقفون نذير شؤم كغراب ينعق في طريق حلمك مسقطين تجاربهم الفاشلة على الآخرين، يحذّرونك في كلّ مرّة بأنّ من سبقك كان أبرع منك وقد رجع بخفي حُنين، ولم ينل من أحلامه إلّا الخسارة والخزي والنّدم، فهم لصوص حقيقيون يسلبونك الهمّة والشّغف والدّافعيّة لبلوغ الحلم، بدسّ سمّ أفعى خبيثة فحيحها يكفي لبثّ الطّاقة السّلبيّة التي تحول بينك وبين التّقدّم، تجاوزهم ما استطعت فلكلّ ناجح أعداء وحسّاد، وتذكّر أنّ لكلّ شخص بصمة فريدة وتجربة نادرة قائمة بذاتها لا تُعمّم أو تتكرّر. أنت أقدر منهم على فهم حلمك وتحديد ملامحه، فأنّى لهم أن يخطّوا لك خطوط مسيرك أو يتنبؤوا بمصيرك، وكلّ ما عليك فعله تجنّب البيئة الهدّامة وما تحويه من سارقي أحلام بائسين، واستبدال البيئة البنّاءة الدّاعمة بها.

" وإذا الفتى بلغ السّماء بمجده كانت كأعداد النّجوم عداه ورموه عن قوس بكلّ عظيمة لا يبلغون بما جنوه مداه"



3- المماطلة والتّسويف

إنّك تبتعد عن حلمك وتحيد عن طريقه حتّى توشك أن تخبو شعلته وتنطفئ جمرته في كلّ مرّة تُسوّف فيها القيام بالهدف الموصل للحلم. المماطلة لصّ قذر يعد النّفس بسعة الوقت وطول الأمل، فتتباطأ وتتباطأ إلى أن يفوت الأوان، وينتهي بك التّأجيل بالحرمان، إنّما عليك المسارعة بإنجاز قائمة المهام المطوّلة تلك والبدء بها الآن.


4- اليأس وتوابعه


إذا تمكّن اليأس منك نتيجة الفشل أو قسوة الظّروف، سيفعل بك ما لا تستطيع أنت فعله بنفسك، سيقتل حلمك بعد سلبه وإلقائه خارج المجرّة بأكملها، ومن ثمّ يُجهزعليك حيًّا، سيُنكّل بك إذا ما صرت أسيره تبع معركة شرسة معه نتيجة خسارة التّجربة والفشل بها مرّة تلو مرّة. إن توقّفت عن المحاولة وإعادة الكرّة من جديد فبذلك أنت ترفع له راية الاستسلام، وتدعه يتسلّل إلى أعماقك فيروسًا فتّاكًا يقضي عليك. كلّما حدّثك داخلك بسوء واقعك ومرارة ظروفك وإمكاناتك الشّحيحة، حدّثه عن الأحلام التي سطعت وبرزت من رحم المعاناة، حدّثه عن فقر ويتم الإمام محمد الشّافعيّ اللذين دفعاه ليكون نبراسًا في العلم والدّين حتى أصبح أحد أئمة المذاهب الأربعة، حدّثه عن الأمل الذي كان يفيض من قلوب العظماء والأعلام الأوائل الذين لم يحظوا بظروف عظيمة سانحة لتحقيق أحلامهم وإنجازاتهم، لكنّهم لم يبقوا رهائن واقعهم المرير، إنّما كان سلاحهم الاستمراريّة وعدم التّوقّف، فكان لهم ما أرادوا. ذكّر نفسك بأنّنا لا ننتهي حين نفشل إنّما حين نستسلم، وأنّ الحاجة أمّ الاختراع، وأنّ الواقع ليس بالضرورة أن يصنع الإنسان، إنّما هو قادر على صنع واقعه بنفسه.


الفأل السّيء وتوقّع الأسوء دائمًا، والنّظرة السّلبيّة السّوداويّة المثقلة بالإحباط والكآبة والسّخط، وعدم التّوكّل على الله تعالى كلّها أدوات الإنسان اليؤوس الذي يُقبِل بها على الحياة حيث أنّ الشّقّ البسيط في جدار غرفته بالنّسبة له لعين، رغم أنّه يدخل شعاع الشّمس إليه في كلّ صباح.

" النّاجحون في هذه الدّنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها فإذا لم يجيدوها وضعوها بأنفسهم" برنارد شو


5- ضعف الإرادة وقلّة الهمّة


إنّ قبح اليأس يكمن في أنّه لا يسطو عليك وحده، إنّما يجلب تلوه لصًّا آخر ينأى بك عن حلمك؛ وهو ضعف الإرادة وقلّة الهمّة، فينخفض سقف الطّموح، ويصبح المرء مساومًا في أحلامه يرضى بالقليل القليل منها، ليكتفي بالحدّ الأدنى للنّجاح، بخلاف عمر بن عبد العزيز الذي كان يقول: "إنّ لي نفسًا توّاقة وما حقّقت شيئًا إلّا تاقت لما هو أعلى منه... " فالأحلام تقترن بعلو همّة الفتى، وقوّة إرادته والتّصميم عليها إلى أن ينالها.


6- قلّة تقدير الذّات وعدم الثّقة بالنّفس


كلّ اللًصوص السّابقة كافية لتلد لصًّا جديدًا تجعله متمرّسًا في النّيل من أحلامك وهو قلّة تقدير الذّات وعدم الثّقة بالنّفس، فكيف للحلم أن ينضج ويُزهر ويخرج للملأ إن كانت هذه البيئة الهشّة هي الحاضنة له؟ وسط التّردّد وعدم إعطاء الأنا مستحقّاتها من التّقدير والحرّيّة في التّعبير عن أحلامها وتحقيقها، في ظلّ الحديث السّلبيّ مع الذّات وتحطيمها والاعتقاد البائس بحقّها، والذي قد يكون أحد أسبابه عدم معرفة النّفس وقدراتها معرفة جيدة أو الجهل الحقيقيّ الذي يعتريها، وافتقارها لأدوات العلم والخبرة في مجال الحلم المنشود.


7- الخوف والخجل


إنّك في اختيار دائم سواء أردت أم لا، فحتّى في عدم اختيارك فقد اخترت بالفعل ألّا تختار، فمن الأفضل أن تجازف وتختار إحدى الطّرق التي قد توصلك لأحلامك، ومن ثمّ تتحمّل مسؤوليّة ذلك الاختيار دون خوف أو خجل من فشل ممكن، دون أن ترعبك الهزيمة أو المغامرة في خوض التّجربة، فهذا "والت ديزني" قد أفلس في حياته أربع مرّات قبل أن ينجح في تحقيق حلمه في المرّة الخامسة في إنشاء مدن ألعاب دزني الشّهيرة، غير مكترث لردود فعل من حوله وسخرية النّاس منه.


8- سوء التّخطيط وعدم الانضباط


إنّ الخطّة السّليمة التي تتوافق مع مهارات المرء ورغباته عادة توصل إلى الوجهة المطلوبة، ولكن إن لم تنجح الخطّة فيمكنك دائمًا البدء من جديد، المهم ألّا تمشي متخبّطًا تعبث بك الرّياح وتوجّهك إلى أيّ وجهة متاحة. جهّز خطّة جليّة الأهداف؛ فالهدف خارطة الحلم، ولتكن هذه الأهداف القابلة للقياس مرتبطة بقيم حقيقيّة عظيمة. يمكنك تدوين أهدافك الواضحة ضمن خطّة دوريّة في مكان مرئيّ قابل للإطّلاع المستمرّ ممّا يساعد على تحقيقها ومعرفتها جيّدًا، وتذكّر كلّما آمنت بأهدافك وركّزت عليها واستعنت بالله تعالى، ساعدك في تحقيقها ووفّر لك سبل النّجاح والوصول. سوء التّخطيط يسرق الأحلام، وعدم الانضباط بالخطّة الجيّدة يؤدي إلى ذات النّتيجة. وقد قيل: "إذا فشلت في التّخطيط فقد خطّطت في الفشل".


9- العيش على أطلال أحلام الآخرين


عليك اختيار حلمك الشّخصيّ الخاص بك، وتحديد معالمه بوضوح (ما هو حلمك؟ ولماذا هذا الحلم؟) ليصبح وقتك وعلاقاتك الاجتماعيّة وتخصّصك ومالك روافد تصبّ كلّها في مصلحة الحلم وتخدمه حتّى يتحقّق، بدل العيش على أطلال أحلام الآخرين وإن كانوا أبناءك، وتجاهُل نداء الحلم الدّفين في داخلك. إنّ انشغالك في اليوميّات المستهلَكة، وانغماسك فيما لا طائل من ورائه من أحداث بالية يثنيك عن حلمك، ويجعل أقصى طموحك قضاء حاجاتك الأساسيّة فقط. وهذه كلّها من صور العيش على هامش الحياة.


10- كثرة الالتفات والحيود عن الحلم


الالتفات للماضي أو للأخطاء السّابقة أو الالتفات للمستقبل البعيد المقلق الذي هو في يد أمينة لا تخذل من وثق بها، أو حتّى الالتفات لكل صغيرة وكبيرة من إساءات الآخرين تجاهك وذمّهم لك ونقدهم لأهدافك، جميعها تحيدك عن حلمك أبعد ما يكون، وتجعلك فريسة السّقوط، فالتفات الغزال مرارًا وتكرارًا خلفه يجعله ضحيّة سهلة للأسد ليتمكّن منه. إنّك لا تملك الوقت الفائض لتضيّعه نحو التّوافه وسفاسف الأمور، فمن أوجد لنفسه حلمًا عظيمًا شُغل به وكثّف جهوده وطاقاته وجلّ وقته في سبيله، فالحلم أثمن من هدره لأجل هذه الالتفاتات، تجاوز ما استطعت وترفّع عن السّفهاء وكل ما يحيدك عن حلمك حتّى لا تتأخر في بلوغه.

"مراتب المجد لا يرقى لها أبدًا من همّه النّاس ما قالوا وما فعلوا"



ها قد عرفتهم فاحذرهم، عرفت اللّصوص المتربّصون الحاذقون في سرقة أحلامك سواء الظّاهر منهم أو الخفيّ، فاسع جاهدًا لمغالبتهم وحماية أحلامك منهم، لاسيّما أنّها حياة واحدة ستحياها وعليها أن تكون جديرة بالعيش.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عائشة حسين نوفل

تدوينات ذات صلة