إنّ مفهوم تقدير الذات يُبنى من خلال كيفية النظر إلى الذات والتعامل معها ومع قدراتها الكامنة من خلال الإيمان بأحقيّة وجودها في مضمار النجاح كغيرها من الذوات
إنّ تقدير الذات تعني أن تنظر لذاتك نظرة تقدير، نظرة ملؤها الثقة، رافدها الأساسيّ الإعتقاد الراسخ والإيمان المطلق بالذات، ومن ثمّ إعطاؤها مكانة مميزة بعيداً عن الغرور. وليتمكّن المرء من تقدير ذاته عليه أن يعرف قدراته وإمكاناته ويؤمن بها، فقد تكون القدرات الكامنة هائلة إلاّ أنّها تحتاج للتنمية والتطوير، وبالعمل الجاد والهمة العالية تغدو تنمية القدرات الشخصية أمراً ممكناً. فهناك في شخصية كل فرد نقاط قوة ونقاط ضعف، ولمعرفتها بدقّة ينبغي على المرء أن يدوّن ذلك باستمرار، ويسأل من يثق بهم فيما يرونه فيه ولا يراه هو في نفسه، فقد يُغفل المرء بعض النقاط السلبية التي تتخلّل شخصيته وتعيق نجاحه، في حين يتمكّن الآخرون الذين يعرفونه جيداً أو يعيشون معه ملاحظتها بسهولة ويسر، فإذا ما تمّ لفت انتباه المرء لهذه السلبيات ونقاط الضعف فإنّ أول خطوة في تغييرها هو إدراكها، فمن لا يدرك أنّ التدخين ضار - مثلاً - لن يتركه ولن يحاول الإقلاع عنه .
ومن بعد الإدراك تأتي الإرادة، فالإرادة سر النجاح، وعلى المرء أن يصمّم أن يكون ناجحاً ومميزاً مهما كلّفه الأمر. فبسبب الإرادة تشكّل العالم من حولنا؛ فإرادة " توماس أديسون " هي التي أضاءت ما حولنا. والأمثلة لا حصر لها في قوة الإرادة والتصميم التي أنتجها السلف الصالح والعظماء وأصحاب البصمات. ومن ثم يأتي تغيير النقاط السلبيّة تلو التصميم. لابدّ من إدخال عادات إيجابية تحلّ محلّها للمساعدة في التخلص منها، فمن كانت نقاط ضعفه فرط الإنفعال والعصبية لابدّ أن يدرّب نفسه على تركها، وإدخال عادة الهدوء والصمت وضبط الأعصاب في أثناء الموقف الذي يستدعي استفزازه ويثير حنقه. بهذه الطريقة يتم التقليل من نقاط ضعف الشخصية، فضلاً عن تعزيز النقاط الإيجابية في الفرد؛ كالقيادة مثلاً أو سرعة الحفظ أو الصفات الأخلاقية الحسنة وغيرها. فيعلو تقدير المرء لذاته، وتزداد نظرته الإيجابية لنفسه.
إنّ تقدير الذات هي بداية طريق التميّز؛ فأصحاب البصمات العظيمة قدّروا ذواتهم في البداية وآمنوا بقدراتهم، ووثقوا في أحلامهم وأهدافهم، ثم عزّزوها بالعمل الدؤوب والهمة العالية، بذلك تركوا أثراً إيجابياً ملموساً على أرض الواقع، وخلّدوا ذكرهم بتخليد إنجازاتهم. لذا يجب على المرء تحديد غاياته ليصل لمراده . إنّ المرء قادر على تقدير ذاته بشتى الطرق؛ كأن ينتهج نهجاً سليماً واضحاً أمامه، ويتخذ مثلاً أعلى لذاته في كل جانب من جوانب الحياة المختلفة؛ كالجانب الديني و المالي والثقافي والمهني والشخصي والاجتماعي. والأفضل أن يكون مثلاً حيّاً يستطيع أن يتعامل معه ويتعلّم منه. إنّ بناء الصورة الذاتية الإيجابية عن النفس، وتعزيز القدرات والإيمان بالأهداف، كلّها تدفع إلى تقدير الذات الذي يقود إلى الثقة بالنفس، فصورة الفرد الداخلية تمثل قوّته التي تتغلب على أي شي آخر. ويمكن للمرء أن يستمد قوّته من قدواته الذاتية حيث يركّز على أفعالهم، فيحاكيها ليغدو أفضل، ويقارن سلوكه بسلوكهم كحافز ذاتيّ. وأخيراً عليه أن يركّز على الصورة الذاتية المستقبليّة لنفسه؛ فيسأل نفسه " ماذا ومن أريد أن أكون؟" وليجب عن هذا السؤال بدقة وبوضوح تامّ، مع تحديد المدّة الزمنيّة التقريبيّة اللازمة لوصوله لأهدافه المنشودة. ومن الجدير بالذّكر أنّ كتابة نقاط قوة الشخص وتغيّره الإيجابيّ المستمرّ وتعليقها في مكان مرئيّ بشكل متكرّر مثل: الحائط أو المرآة. يساعد في بناء صورة داخليّة حسنة، ويذكّر النفس بمواطن تقدّمها وبالقدرات الموجودة والإمكانات المدفونة، وبالتالي يكسب الفرد تحفيزاً ذاتياً إضافياً.
إنّ قيمة المرء الذاتيّة تعلو بالإنجازات المتكرّرة، فعلى المرء أن يعدّ إنجازاته باستمرار ويفتخر بها مهما بدت له صغيرة، وأن يتعلّم كلّ يوم شيئاً جديداً، وألاّ يكثر من ترديد سلبياته وفشله في تجاربه السابقة؛ فذلك يجعله أكثر إحباطاً وأقلّ تقديراً لذاته، ويجلب شعور الفشل الذي عاشه في تلك التجارب إلى اللحظة الآنيّة بنفس القوّة والتأثير، فلو عدّ المرء إنجازاته منذ إدراك الحياة لوجدها لا حصر لها . كما يجب عليه أن يتقبّل ذاته كما هي في الأشياء التي لا يمكنه تغييرها ؛ كشكله ولونه واسمه وغيرها من الأمور القدريّة التي كتبها الله تعالى عليه بل أن يكون متصالحاً معها، محباً لها غير محارب لقدره فيها. لذا فإن الخطوات النفسيّة الأولى والأهمّ لتقدير الذات وتطويرها الرّضا عن تلك المقدّرات، ومن ثمّ السعي لتنمية قدرات الفرد، حيث كرهها لا يؤدي لتحسينها البتّة، فالسخط على ما لا يمكن تغييره لا يجلب خيراً للذات أبداً ولا طائل من ورائه بل يحجب عنها نجاحات قادمة.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
ما نوع هذه المقالة
اريد تلخيص؟
جميل احسنت فعلا الهمتني