من أراد حلو الثّمار لابدّ له أن يسعى لإنضاجها، أمَا وللنّجاح ثمرات لابدّ للسّاعي إليه أن يتغلّب على عقباته ليصل إليها ويقطفها. .

لكلّ غاية عقبات تقف في وجه صاحبها كردّ فعل تلقائيّ للتّقدّم، وكلّما سما الهدف وعلا، اشتدّ المعوّق واستغلظ. فمعوّقات النّجاح لا تعدّ ولا تحصر، لكنّها جليّة ربما للمعظم، فليست المشكلة العظمى تقتصر على معرفتها بل تتعدّى ذلك بمغالبتها ومعاركتها حتّى التّفوّق عليها واجتيازها. وأكثر المعوّقات صرامة وقوّة هو شبح الخوف - إن جاز التّعبير- إنّنا لا ننكر الوجود الطّبيعيّ لمفهوم الخوف؛ فالشّارع الكريم يقول: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". ونتقبّل - أيضًا- تفاعل النّفس البشريّة معه بشكل طبيعيّ، فثمّة خوف معقول وإيجابيّ لابدّ منه، ولكنّ المرفوض في عالم النّجاح هو صناعة الخوف وتضخيمه بأنواعه وتوابعه، وتعاطي الفرد معه بطريقة سلبيّة؛ كأن يهرب ويتهرّب من مخاوفه بدل أن يواجهها، فيظلّ هذا الشّبح يكبر ويكبر ويلاحقه حتى يلتهمه وأحلامه، ومن ثمّ يقضي عليه. إنّ الخوف هو العدوّ اللّدود لتحقيق الحلم والنّجاح، والحلّ الأمثل والوحيد في القضاء عليه مواجهته؛ كظلّك تمامًا يصغر كلّما اقتربت من مصدر النّور الذي سبّبه، ويمتدّ ويكبر كلّما هربت مبتعدًا عنه. حارب الخوف بجميع أشكاله وصوره وذلك بمواجهته وخوض نزال معه للتّخلّص منه، سواء الخوف من الأنا أو من الآخرين أو الخوف من الآتي (المستقبل) أو الخوف من تحقيق الحلم أو من اتّخاذ قرار جديد يقود إلى تغيير جذريّ.


"وما الخوف إلاّ ما تخوّفه الفتى ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا"


يقف بعض الأشخاص سواء المحبّ الخائف عليك أو الكاره الحاسد لك عوائق كبيرة أمام نجاحك، تحتاج أنت إرادة وقوّة للتّصدّي لهم جميعًا، وأنجح الرّدود وأفضلها وأثمنها قيمة تكمن في نجاحك الذي تُثبت به أحقّيّتك فيه، فتنفي به معتقدات الآخرين البالية فيك، وتقتل مخاوف المحبّين عليك. إذ إنّ الأفراد من حولك ينتهجون عدّة مناحٍ مختلفة في التّعامل مع طموحاتك؛ فإمّا نهج اللامبالاة أيّ؛ لا يعنيهم نجاحك أو عدمه، وإمّا نهج القلق عليك والخوف من خسارتك وفشلك، وإمّا نهج الحقد والتّشاؤم كرهًا وعدوانيّة؛ فلا يبرح أهل الحسد والفشل حتّى يحبطوك وينتقصون من أحلامك، علّك تتقهقر وتنثني عن تحقيقها، فتكون معهم في خانة الرّكود واللاقيمة أو أدنى منهم. أمّا من تبحث عنهم الذين يمثّلون الأوتاد الدّاعمة المحفّزة، أصدقاء الدّرب والنّجاح، الملهمون شاحذو الهمم، المؤمنون بك وبرؤاك فقليل ما هم، فإن وجدت هذه الثّلّة القليلة العظيمة فتشبّث بهم ما استطعت؛ ففي طريق النّجاح أنت ذو عوز لمعول بناء وركيزة داعمة في أشدّ لحظات العتمة والسّقوط. ولكن لا سلطة لأيّ أحد من أعداء النّجاح أو محبّيه عليك إلّا إذا منحته ذلك بنفسك، فأنت من يختار ردّة فعلك تجاه الموقف والكلمة والإساءة، والرّب نفسه لن يغيّر ما فيك حتى تغيّر أنت ما فيك، فحافظ على اتّجاه بوصلتك لتصل للهدف المراد، وركّز على الطّموح والرّؤيا الواضحة، واثبت ولا تنحرف عن طريق النّجاح مهما كلّف الأمر، واستعن بالكتمان والسّرّيّة للوصول. وتذكّر أنّ الكثير يتمنّى لو حباه الله تعالى بما أنت عليه ويتمنّى مكانك، لكنّ المتقاعسين الحاسدين لا يملكون إلّا أدوات الهدم والتّحطيم كأدوات بديلة للبذل والنّجاح، فلو نجحوا لما فرغوا لغيرهم، ولوعلموا أنّ الكون يتّسع للجميع بأحلامهم، ولسنا على متن طائرة ذي مقاعد محدودة تستعدّ للإقلاع إلى جزر الأحلام، فيسرق أحدنا مكان أو نجاح آخر، لكفّوا عن هذه الهراءات، وهدر الجهود والطّاقات في تحطيم الأحلام والذّوات. أمّا إذا كنت أنت عدوّ ذاتك فهنا مكمن الخطر الحقيقيّ، ولا حلّ لك إلّا منك نفسك.


في كلّ مرّة تتخذ الأعذار الوهميّة والتّبريرات الزّائفة حجّة مانعة لتحقيق هدفك المنشود تكون عدوّ نفسك وحلمك، فأنت فقط تُسكّنها وتواسيها وتخفّف شدّة وطأة الألم والخيبة عليها بتقديم المبرّرات الواهية على طبق من ذهب. شيئًا فشيئًا تتحول هذه الأعذار إلى معتقد راسخ جازم في عقلك اللاواعي بأنّك عاجز عن تحقيق ما طمحت له النّفس يومًا، فيصبح خوفك وجبنك وعذرك مع الأيّام يقينًا ثابتًا مقبولًا يصعب استبداله. وما المعتقدات إلاّ وليدة الأفكار ومآلها، وما الأفعال إلاّ نتاج القناعات الدّاخليّة والمعتقدات عصيّة التّغيير المغذّية لها. والحلّ أن تتوقف عن تقديم العذر قبل أن يتحوّل إلى حقيقة لا مفرّ منها، فلا عذر بعد اليوم. وعادةً من يبرع في تبرير فشله لا يبرع في شيء سواه. في كلّ مرّة تسوّل لك نفسك الرّكون لعذر قبيح يبرّر عدم وصولك، اردعها بأنّك قادر وما هذا العذر غير المقبول إلاّ طريق خلاص لإراحة الذّات من عناء المحاولة من جديد، والهروب من هزيمة مترقّبة، طريق مختصر مريح دُسّ فيه السّمّ للابتعاد عن مواطن ألم لحظيّ، وقبوع في منطقة الرّاحة المحبّبة للنّفس.


كما أنّ الاستخفاف بالذّات سواء بالكفر بها وبقدراتها، وعدم الوثوق بها وإتاحة الفرصة لها، أو الاعتقاد السّلبيّ بحقّها أو مقارنتها بالآخرين يشكّل موانع وصول للنّجاح. فكيف لمن يكفر بنفسه وبأهدافه أن يحظى بإيمان الغير؟ وكيف لمن يعجز عن منحها الثّقة والأحقّيّة أن يكسب ثقته واحترامه؟ كم مرّة تقزّم أحدنا حين أصغى للآراء المحبطة من حوله، المخيّبة للآمال والمدمّرة الدّافعة للتّوقف أو السّقوط. وكم مرّة أهان المرء نفسه حين ألبسها رداء غيرها متجاهلًا سماته الشّخصيّة وبصماته الذّاتيّة المميّزة. كم حلم تمّ وأده وطُرح جانبًا ازدراء له أمام قدرات الآخرين وإمكاناتهم، وحرم من أن يرى النّور. وكم هي الوساوس التي تراود الفتى في داخله كشيطانة تفتنه وتحيده عن طريق نجاحه بعيدًا، بأنّه أحقر من أن يكون أو يصل، وأنّ العالم لا يقف عليه والأفضليّة لغيره. كلّ هذه صور بشعة من أشكال العداء للنّفس وظلمها، وطمس للشّخصيّة واحتقار للذات.


إنّ الاعتقاد السّلبيّ عن الذّات يسهم مع الأيّام في بناء صورة نمطيّة سلبيّة عنها، ممّا يحوّل ذلك إلى تفكير وسلوك سلبيّ، فتصبح السّلبيّة طابعًا شخصيًّا للمرء وحياته، كما يقدّم ذاته للآخرين مرتدية رداء أسود كانطباع مشوّه عنه ملتصقًا به، وإن لم يكن يستحقّه أو يمثّله منذ البداية. فتظلّ صورته في المرآة مشوّهة لاسيما إن زادها تشويهًا وفتك بها بمقارنته بغيره، فيعظم شأنهم في نفسه وتحقر بالمقابل الأنا خاصّته. كلّ ما عليك فعله أن تحرّر نفسك من قيودك ومن قيود المحيط أشخاص وظروف على حدّ سواء، وألّا تجعلهم والأعذار شمّاعتك الأبديّة التي حرمتك من لذّة النّجاح والتّفوّق. تجاوزها كافّة وامض في طريقك إلى تحقيق غاياتك العظيمة، ولا تقف عند كلّ شاخصة خُطّت ب(قف) لتلتفتَ إلى الوراء، وتندبَ حظّك الغابر المنقضي.


"دواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير وَفيكَ انطَوى العالَمُ الأَكبَرُ"


في سياق الحديث عن النّجاح لابدّ من ذكر الفشل، إذ إنّ النّاجحين لا ينظرون له على أنّه نقيض النّجاح وعدوّه بل هو بدايته، وهو الجسر الموصل إليه. فمن لم يستعدّ للفشل هو غير مستعدّ للنّجاح إطلاقًا. لكنّ الفاشلين ليسوا ضحايا الفشل نفسه بل هم ضحايا الاستسلام له والعجز عن تخطّيه؛ فكلّ شجيرة لابدّ أن تصفعها الرّياح العاتية والعواصف الشّديدة فلا تغدو شجرة عملاقة إلاّ إذا ثبتت أمام كل تلك النّوازل، وتثبّتت بجذورها محاوِلة النّجاة بجدارة وصبر وتحدٍّ كبير. فما الفشل إلّا مجداف نحو النّجاح لمن يعتلي سفينته بثبات وإرادة صلبة نحو المرفأ. ولا يمكن بلوغ المرام في طريق النّجاح إلّا إذا استمات المرء في ذلك، وآمن بقيمة ما تصبو له نفسه كإيمانه بقيمة أنفاسه في لحظة غرق مميت، ومن ثمّ قاتل لأجل الهدف كقتاله نحو محياه. ولربما الفشل الذّريع الذي يمرّ به المقاتل نحو الحلم هو من يخلق الدّافع القويّ والتّحدّي الأعظم للوصول، فلذّة الفوز تُنسي مرارة الفشل والألم. حتّى تلك الجهود المبذولة في المكان الصّحيح لا تذهب عبثًا، لا يضيّعها الله تعالى البتّة "وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ". إنّ النّاجح يرمق عين الفشل بامتنان ورضى كبير وعرفان، ويرى في المنع المحتّم عطاء من الرّب ولطفه الخفيّ، وفي السّقوط سبيلًا لاكتشاف ومعرفة ما، وخبرة جديدة يكتسبها، ولربما فتحت التّجربة الفاشلة له آفاقًا لم يتخيّل أن يحظى بها يومًا، فتتجلّى حكمة الخالق فيه. إنّك لست فضائيًّا لذا ستمضي عليك سنن النّجاح كمن سبقك من السّاعين إليه، فوطّن نفسك على سماع الرّفض كثيرًا قبل القبول، على سماع ألف "لا" تسبق "نعم" المرتجاة، فالطّرق المسدودة لا تُخبَر إلّا بالتّجربة والمحاولة المتكرّرة. وهذا كلّه وارد ومشروع في عالم النّجاح بل مألوف عند أصحابه؛ ففيه التّجهييز والنّضج قبل أن يؤتي النّجاح ثماره الحلوة، وأن يُرتدى ثوبه بأبهى صوره وأكملها.


لا تظنّنّ أنّ طريق النّجاح سهل مكلّل بالورود والتّشجيع بل هو وعر محفوف بالمخاطرة والمخاطر التي لابدّ من اجتيازها وقهرها، فكلّ ناجح تخطّى عقباته وتحدّاها بدءًا من داخله حاملًا في صدره يقينًا كافيًا وإيمانًا عميقًا وإرادة جبّارة تحمله على المتابعة والنّهوض إثر كلّ عثرة وفشل تلقّاه، فكان وقود النّفس الدّافع الدّاخليّ الملحّ، والشّغف الكبير في سلك الطّريق وإتمامه، ونظرة التّفاؤل والإيجابيّة في كل ما ساقه القدر إليه، فالخير يكمن أحيانًا في باطن الشّرّ. كلّ ما عليك فعله التّسلّح بأدوات الوصول بألّا تبقى سجين نفسك وقلقك ومخاوفك وآراء النّاس فيك، وحذارِ أن تظلّ عالقًا في شباك ما تفتقر إليه، فغيرك جعله مرقاته نحو النّجاح وسببًا لوصوله. ولا تجعل من الظّروف متكأ ضعيفًا حائلًا بينك وبين هدفك المبتغى، فالسّرّ يكمن فيك أنت، أنت ردّة فعلك تجاه ما يحدث، أنت الفكرة وصاحبها، وأنت النّص وبيت القصيد. ولك في السّجناء الذين لم تقيّد القيود أرواحهم أثمن مثال وأعزّه، فلم تنل إلّا من أبدانهم، لتتجاوز أرواحهم القضبان وتحلّق في الأفق عاليًا، لم يحرمهم السّجن سوى حريّة الجسد، فلا يملك الرّوح بعد الله تعالى إلّا صاحبها إن شاء حبسها، وإن شاء أطلق لها العنان لتزهو وتزدهر بسعة خياله وقوّته وملكاته العقليّة العظيمة. فلا تكن حبيسًا وأنت حرّ، حرّر نفسك الآن نحو النّجاح، ولا تقلّل من شأنك ومن قدراتك ومهاراتك الشّخصيّة بل وجّه طاقاتك نحوها، واستثمر مواردك لتنميتها، بتعلّم شيء جديد يرفد هدفك ويطوّر من ذاتك باستمرار، لتبحر في داخلك فتكتشف الكنوز واللآلئ الثّمينة، مواكبًا الحداثة وموظّفًا التّكنولوجيا في عصر هي سيّدته.


في عالم النّجاح ليس هناك نقطة نهاية تتوقف عندها، ولا قمّة عليا تُعتلى ويتوقّف الزّمن عندها بل هي سلسلة من الأهداف المتتابعة، كلّما حقّق المرء هدفًا منشودًا انتقل لما بعده، لذا عليك بتقييم مهاراتك باستمرار، والتّطلّع للمزيد من الارتقاء، فلا ارتواء في طريق النّجاح بل هي ثمرات تُقطف تلو العمل الدؤوب والسّعي الحثيث، مسيرة عمر تنتهي بانتهائه، وتنقضي بانقضاء الأجل المكتوب. إنّ تعرّفك على نقاط ضعفك وإدراكها، ومن ثمّ العمل على تحسينها يساعد في إنجاحك وإثراء قيمتك الذّاتيّة. كما أنّ العلم بخبايا الطّريق قبل خوضه يسهّل وصولك إلى مسعاك؛ فالمعارك لا تُخاض إلّا بعد تخطيط وإدراة حكيمة ووضوح في الهدف لنيل الفوز والنّصر العظيم. فمن وعى ما أراد وما هو مقبل عليه ببصيرة ثاقبة، وآمن بحلمه مهما كفر به النّاس وسعى إليه بكل ما أوتي بتعطّش وشغف شديد، ونهض بعد كل فشل ولم يستسلم له كان حقًّا على الله تعالى أن يعينه إذ استعان به وألّا يخذله، فيذيقه طعم النّجاح ويوصله، شاكرًا له إخلاصه ومسعاه.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مقال رائع جدا

إقرأ المزيد من تدوينات عائشة حسين نوفل

تدوينات ذات صلة