رسالة إلى كلّ مدرّس جديد مقبل على هذهِ المهنة النبيلة، ما الذي عليهِ القيام به، وكيف يتعامل مع بعض المواقف، لماذا عليهِ أن يقرأ هذا وأكثر...

بمناسبة العودة إلى الدراسة، فكّرت مليًا في الكتابة عن أمر مهم جدا، هذا الأمر بمثابة المشكلة التي تواجه كلّ عام بعض الأشخاص من حولنا لكن قلّما نسلّط الضوء عليها، ويكون اهتمامنا منصّبا على أمور اخرى متعلقة بالطالب أو التلميذ بالدرجة الأولى، أو الوسائل البيداغوجية المساعدة التي من واجب توفّرها في الفصل الدراسي.

لكننا نتجاهل عددا كبيرا من الملتحقين الجدد بالمدرسة، ليسوا طلبة إنّما هم واحدة من أهم الركائز في المدرسة ككلّ، والذين يدخلون هذا العالم مرّة أخرى في داخلهم تتداخل مشاعر الشغف والخوف معًا، كما أنهم قد يحملون معهم بعض الخجل كذلك.

من أجلِ تبسيطِ الطريق وبناء على تجارب واقعية فضّلت الكتابة عن المدرّس الجديد وما يلزمه أن يعرف، حاولت في هذا المقال الاعتماد على بعض الأسئلة التي يطرحها كلّ مدرّس جديد، والكثير من الاسئلة التي تسكن عقله لكن لا يقدر غالبًا على قولها إلا للمقرّبين.

" لستَ مقبلا على ساحة حرب... "

الكثير من المدرّسين الجدد يتمّلكهم الخوف كأيّ مقبل على عمل أو وظيفة جديدة، وهذا الخوف يكون أكبر عند الإناث بدرجة أعلى، خاصة إذا كانت هذه أوّل تجربة عمل، لذلك لا يسعني إلا القول أنّ حالة شعورية كهذهِ طبيعية جدًا، وتحدث مع الجميع، ليس بالأمر الهيّن لكنها ليست حاجزًا بيبنك وبين الاقبال بكلّ شغف وحبّ لتأدية مهمتك النبيلة، فالمدرّس في المؤسسة التربوية ليس مقبلًا على حربٍ أو يحمل معه أسلحة قتالية، كلّ ما في الأمر أنّه مقبل على تأدية الواجب، وما أنبلها من مهنة.

ما الذي سأواجهه ؟


في الواقع لن تواجه شيئا، مصطلح المواجهة هذا قد يبعث شعورًا بالنديّة، لأنّك ستقابل في الصف بشرًا مثلك، أقّل عمرًا، ستكون وسطَ تنوّع بشر رائع، وعقلياتٍ مختلفة، بحسب المؤسسة التربوية التي أرسلت إليها والصفّ الذي أوكلت إليك مهمة الإشراف عليه، وما عليك أن تعرفه كذلك في هذه النقطة: استعدّ جيّدا.

والاستعداد الجيّد يكون باستهدافِ الرسالية في عملك، والمثابرة لجعلِ الصفّ حيويًا، فيجمع المكانُ بين العلم والمتعة، وعلى المدرّس الجديد أن يراعيَ الفروقات الفردية بين المستويات عند الطلاب سواء ما تعلق بالمعرفة، او الجانب الإنساني وحتى المادي، فكلّما كانت معرفتك بطلاّب الصفّ حقيقية قريبة كانت قدرتك على المساعدة أكبر، المدرّس اليومَ ليس مجرّد خزّان معرفي، بل مرشد.

على قدرِ أهلِ العزم... تأتي العزائم...

بعد الحديث عن الاستعداد النفسيّ، لا يمكننا تجاوز نقطة الاستعداد الفكريّ، فالمدرّس الناجح ليس من يملك شهادة مؤهّلة فقط، أو ناجح في مسابقة التأهيل، بل المدرّس الناجح اليوم كأيّ مجال عمل آخر هو من يملك مهارات كثيرة، والقادر على التجاوب مع الظروف والاستجابة لمعطياتِ الحال، وعن هذهِ المهاراتِ يمكن التوضيح بمثال.

التخطيط الجيّد: كلّما خطّطت جيّدا لطريقة تقديم الدرس كلّما كنتَ مُلمًا بما تقوله وتفعله في الفصل، لأنك ستكون محلّ أنظارِ الجميع، مركز الحدث غالبًا، والشخص المسؤول الأول عمّا يدور في حلقة البحث.

مهارة الحوار: واحدة من أهمّ المهارات التي يحتاجها المدرّس، لأنه كما قلنا سيكون المسؤول الأوّل، أو مدير الجلسة بلغة الإدارة، كأنما هذا المدرّس في اجتماعِ، وفي الحوار عليهِ أن يتحلى ببعض الآداب التي يزرعها بطريقة غير مباشرة في نفوس طلبتهِ باعتبار المدرسة تساهم بشكل كبير في تكوين شخصية الطالب، من هذه الآداب عدم تجاهلِ الطرف الآخر، او مقاطعته، أو السخرية منه، وقد يتغافل بعض المدرّسين عن القاء التحيّة دون انتباه منهم لهذه الهفوة، فمستهل الجلسة الأولى، وكلّ ما ستقوله في أول لقاء سيبقى راسخًا إلى حد بعيد في عقولِ طلبتك، ويساهم طبعًا في تشكّل أول انطباع عنك لديهم,

ومهاراتٍ أخرى لا يسعنا الوقت للتحدّث عنها كلّها في هذا المقامِ منها: التفكير، اتقان العمل على الوسائط التكنولوجية ( هذه المهارة يعاني منها الكثير من المدرّسين القدامى في تعاملهم مع الجيل الجديد من الطلبة)، التنظيم، وحتى مهارة الاصغاء أو التواصل، ضبط النفس، حلّ المشكلات...

عليك تجنّب هذا... إيّاك.


من بينِ الأمورِ التي على المدرّس الجديد أن يضعها في الحسبانِ، أن لا يندفع بثقة عمياء، بالكثير من المدرّسين الجدد تعمى أعينهم بفعلِ هذه الثقة عن التحضير الجيّد، ويحسبون الأمر هيّنا فيتهاون الكثير منهم عند التخطيط للدرس، بسبب علاماتهم الجيّدة سابقا، أو شخصياتهم التي جُبلت على ذلك.

لا نعني بهذا الكلامِ أن يفقد المدرّس ثقته بنفسهِ، لكن عليهِ أن يكون وسطيًا، أن يعرف ما هو مقبل عليه دون تهاونٍ أو تجاهل، دون أيّ استسهال، لأن أكبر مخاوفِ كلّ المدرّسين قدامى وجدد هو التحكم في الفصل، أو بسط سلطةِ المدرّس عليه، حتى لا تحدث في الفصل فوضى، ومعرفتك التامة بما تؤدّيه سيعفيك الدخول في مشاكل وصدامات، خاصة إذا كانت أعمار الطلبة أقرب إلى عمر المدرّس.

ولا يبسط المدرّس سطلته على الفصل إلا بأمرين: فرض الاحترام بفضل زادهِ المعرفي، وقدرتهِ العقلاينة على حلّ المشكلاتِ خارجَ حلقة الدرس بالمعاملة الحسنة.

بعيدًا عن الملامحِ الباردة أو الخشونة في الردود، ودون أيّ تنازلاتٍ منك لصالح أيّ هفوة تحدث في الفصل، لأنّ بعضها يستحق العقاب وفي كثير من المرّات تحتاجُ منك التروي قليلا والنظر فيه من كل الجوانب لعلاجِهِ بدل صبّ الزيت على النار ودون الحطّ من قيمتك.

نصيحة ذهبية.. لكل مدرّس جديد..
ما يحتاجه أن يعرفه المدرّس الجديد؟91054367506805330



هذه النصيحة الذهبية نسمعها كثيرًا لكننا قد نصدم بعراقيل داخلية تمنعنا من العمل بها، لأنّ الخلل ليس في المحيط بقدرِ ما هو راجع إلينا، وذلك لتفكيرنا الزائد في نظرة الناس أو انطباعهم حول ما قد نقوم به، أمّا النصيحة الذهبية فهي: اسأل أكثر...واقرأ كثيرًا...

اسأل المدرّسين، الطاقم الاداري، المستشارين، المفتشين التربويين,

اسأل أيّ شخص يمكنه مساعدتك، اسأل المعالج النفسي، المدرّبين,,.

واقرأ كثيرا عن مجال عملك، المادة التي تدرّسها، الكتب المساعدة في التدريس، المنصات التعليمية، الجديد..


بمرور الأيام والسنوات ستجد نفسك أفضل، ستقارن بين ما كنت عليه في السابق وذلك اليوم الأوّل، لأنّك كنت في كلّ يوم تبذل قصارى جهدك كي تؤدي مهمتك بحبّ ولا تكتفي بما حصلته في الجامعة إنما تسعى بكل إرادة للتعلم أكثر..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عابد زواوي

تدوينات ذات صلة