معشبة قسم النبات بجامعة القاهرة لها تاريخ طويل ومضيء يمتد لأكثر من سبعة عقود


المعشبة النباتية (Herbarium) هي مكتبة تحتوي على كافة الوثائق والسجلات لكافة المعلومات النباتية، ويتم حفظ النباتات كمجموعة من النماذج المجففة والمضغوطة والمثبتة على ورق مقوى في صورة تضاهي الصورة الحية للنبات كسجل يمكن الرجوع إليه. ويمكن أن تكون العينة من أجزاء أو النبات بالكامل: وعادة ما تكون في صورة مجففة، ملصوقة على ألواح، لكن ذلك يعتمد على نوعية العينة حيث أنها يمكن أن تكون محفوظة في كحول أو أي مادة حافظة أخرى. ويستعمل هذا المصطلح أيضا في علم الفطريات لوصف مجموعة الفطريات المحفوظة.

معظمُ العيّنات في المعشبة مثبتة في صفحات من الورق المقوَّى. وتوضع بعض العينات، مثل الطحالب والأُشنات والفُطر في مجموعات أوراق ملفوفة. وتسمى كل عينة باسمها ومكان وتاريخ جمعها واسم من جمعها ومعلومات أخرى. وتبين العينة الجيدة كل أجزاء النبات، مثل الجذر والورقة والزهرة والثمرة. فإذا كانت محمية من الحشرات والرطوبة تعيش العينات مئات السنين.


تقوم المْعَشَبة بوظيفة مهمة في دراسة النباتات؛ فهي تقدِّم طريقة ميسرة لفحص العديد من أنواع النباتات المختلفة أو الأمثلة العديدة لنوع واحد معين. وتوفر المعشبة سجلاً قيِّمًا ودائما لحياة النبات.

القواعد الدولية أن تحفظ العينات بأسمائها العلمية اللاتينية وتزود بمعلومات وافية عن الاسم الدارج والفصيلة والموطن واسم من قام بجمعها وتاريخ جمعها واسم من قام بتعريفها، وأن ترتب وفق أحد نظم التصنيف المعاصرة داخل خزائن مخصصة لعملية حفظ العينات النباتية المعشبية.


يدير المعشبة مسؤول متخصص في تصنيف النبات. ويمكن أن يشير مصطلح المعشبات إلى المبنى الذي يتم فيه تخزين العينات، أو إلى المؤسسة العلمية والتي تحتوي أيضا على العينات بالإضافة إلى الأبحاث المتعلقة بها. وتمثل المعشبة إحدى الوحدات البحثية الهامة في مراكز الأبحاث، وفي قسم النبات في كليات العلوم التي تهتم بالأبحاث العلمية على النباتات البرية وتساعد على التعرف على آليات الحفاظ على التنوع النباتي والاستخدام المستدام للغطاء النباتي. كما تقدم خدمة التعريف العلمي للعينات النباتية للباحثين والطلاب وعموم الجمهور بصورة مجانية.

أكثر العينات قيمة في المعشبة تلك التي تُعَدُّ الأولى من نوعها. لأن هدف المعشبة أصلاً هو تسمية عينات النباتات غير المعروفة. وبعمل مقارنات مع العينات الأصلية، يحدد علماء النبات أفضل اسم يمكن استخدامه لعينة غير معروفة. وتستخدم مجموعات المعشبة أيضًا في دراسة نباتات نوع معين أو منطقة معينة. والمعشبة الجيدة لديها عينات عديدة لكل نوع من نباتات أي منطقة يكثر فيها.


أكبر مجموعة (6 ملايين عينة) موجودة في معشبة الحدائق النباتية الملكية في كيو بإنجلترا. وتوجد معشبات موسعة أخرى في معهد نبات كوماروف في سانت بطرسبرج في روسيا، وفي المعشبة الوطنية في واشنطن.

معشبة كلية العلوم جامعة القاهرة


من المعروف أن كلية العلوم بجامعة القاهرة من أعرق الكليات في مصر. تخرج منها ودرَّس فيها نجوم لامعة كثيرة في تاريخنا العلمي الحديث مثل الأساتذة الكبار علي مصطفى مشرفة وأحمد زكي عاكف وأحمد رياض تركي ومحمود حافظ وحسن أفلاطون وغيرهم.


المعشبة في أي قسم لنبات تعني بتجميع وتصنيف الأنواع المختلفة من النباتات في البيئات المختلفة مع تجميع أكبر قدر من المعلومات عنها وهو دور غاية في الأهمية للمحافظة على النباتات المختلفة والتنوع البيئي وهو من أهم عناصر الحياة على الأرض خاصة في عصرنا هذا الذي تتقلص فيه المسحات الزراعية ويزداد فيه التلوث والاحتباس الحراري.


بدأ العمل في تأسيس معشبة كلية العلوم (جامعة القاهرة)‏ ‎ ‎منذ عام 1925 على يد الدكتورة ڤيڤى تاكهولم وتوالت الأجيال المتعاقبة من العلماء المصريين والأجانب في جمع محتوياتها، وهي عبارة عن نباتات مجففة كل منها مثبت على ورقة تضم بيانات كاملة عن هذا النبات ومكان نموه والباحث الذي جمعه وتاريخ ضمه إلى المعشبة.

تضم هذه المعشبة 90٪ من النباتات المصرية، ونحو 80٪من النباتات الموجودة في الشرق الأوسط. وهذه المعشبة تكونت عبر العشرات من السنين، لذلك تعتبر كنزا علميا مهما تملكه مصر ومرجعا لا غنى عنه للدارسين في هذا المجال

تحتل معشبة كلية العلوم بجامعة القاهرة‏ ‎ ‎المركز السابع على مستوى أفريقيا بما يقرب من 300 ألف نوع نبات، وتحتوي المعشبة على مجموعة من العينات التي يتم جمعها من مختلف الأماكن بعضها من داخل مصر وبعضها الآخر مجلوب من بعض الدول العربية المجاورة وجاء ذلك نتيجة لسفر الكثير من العاملين لبعض الدول مثل اليمن السودان وليبيا والسعودية والأردن وبعض دول الخليج.

هذه العينات يتم تجفيفها بطرق علمية وتصنيفها لعائلات حيث يضم كل ملف عائلة وبيانات عنها. وتعد معشبة كلية العلوم من أضخم المعشبات في المنطقة العربية حيث تجمع كل نباتات مصر البرية والفلورا بالإضافة لنباتات بعض الدول المجاورة وتعتبر مجموعة مرجعية للمعرفة النباتية وكذلك بحوث المجموعات الطلابية في مجال التصنيف والفلورا.

وتعتبر المهمة الأساسية للمعشبة توفير العديد من نماذج العينات النباتية الموجودة في منطقة جغرافية معينة، قد تكون إقليماً أو دولة، حسب الحدود السياسية أو الاقاليم الجغرافية، هذه النماذج تكون ممثلة إلى حد كبير للنباتات الموجودة برياً في النطاق السياسي أو الجغرافي، وتضم مكتبة المعشبة كتاب «وصف مصر».

بلغ عدد مقتنيات المعشبة من النماذج والعينات حالياً نحو 200 ألف، موزعة على قاعتين، أكبرهما تحمل اسم ڤيڤى تاكهولم، وفيها العائلات النباتية المصرية المنتمية إلى رتبة ذوات الفلقتين ما عدا عائلة النباتات المُركَّبة الموجودة في القاعة الثانية ومعها العائلات النباتية المصرية المنتمية إلى رتبة ذوات الفلقة الواحدة.

والمعروف أن علم تصنيف النباتات لا يقوم بغير معشبة. والتصنيف من العلوم الأساسية المهمة، وعليه ترتكز دراسات اقتصاديات الموارد البيئية وإيكولوجياتها، والتنوع الأحيائي، والغزو البيولوجي.

يجب هنا أن نذكر أن عالم كبير آخر هو الدكتور محمد نبيل الحديدي أكمل المسيرة بعد وفاة ڤيڤى تاكهولم وأنشأ مكتبتها داخل المعشبة وقد افتتحتها ملكة السويد وهو دليل آخر على المكانة العلمية المرموقة لتلك المعشبة وعلى التقدير الكبير للعلماء الكبار الذين حملوا الشعلة بعد ڤيڤى تاكهولم مثل الدكتور محمد نبيل الحديدي والدكتور محمد عبد الفتاح القصاص.

تضم مكتبة المعشبة ثلاثة مكتبات أنشأها كبار العلماء: الأولى هي المكتبة العلمية لڤيڤى تاكهولم والتي تحتوي على أمهات الكتب والمراجع في علوم النبات بالإضافة إلى أبحاثها الخالدة أما المكتبة الثانية فهي متخصصة في مجال العلوم البيئية أنشئت في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وتحمل اسم العالم الكبير الدكتور محمد عبد الفتاح القصاص، أما المكتبة الثالثة فقد أضيفت سنة 2003 بعد رحيل الأستـاذ الدكتور محمد نبيل الحديدي وأطلق عليها اسمه لتضم المعشبة ثلاث مكتبات تحمل أسماء ثلاثة نجوم لامعة في علوم النبات والبيئة . وهذه المكتبة العامرة أصبحت منذ إنشائها قبلة الباحثين من جميع المراكز البحثية والجامعات المصرية والعربية.

تضم المعشبة أيضا متحفا لتوثيق التاريخ علم النباتات وتطوره وهو أمر مهم جدا، إذ أن توثيق تراثنا العلمي في جميع المجالات أمرا ضروريا حتى تتعرف الأجيال الجديدة على إسهامات الأجيال السابقة وتستفيد منها في نفس الطريق وبكفاءة أفضل نتيجة تراكم العلوم والدروس، لذلك أحرص دائماً في أغلب المواد الدراسية التي أدرسها للطلبة أن أبدأ بتاريخ المادة العلمية وكيف وصلت إلى النقطة الحالية.

تلك المعشبة أصبحت لها سمعة دولية نظراً لتصنيفها الدقيق للنباتات المصرية ومنها نباتات تعود للعصور الفرعونية وتعد أكبر مدرسة بحثية لتصنيف النباتات (الفلورة) في منطقة الشرق الأوسط كله وقد حرص الأستاذ الدكتور محمد نبيل الحديدي رحمه على تعريف طلاب الماجستير والدكتوراه بنظم العمل في معشبات العالم في البلاد المتقدمة في هذا التخصص مثل بريطانيا وألمانيا والسويد وبلجيكا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وساعد ذلك على إقامة علاقات طيبة بين المعشبة وبين تلك المعاهد العلمية مما ساعد على نقل الخبرات العملية بينهم وتدريب الأجيال الجديدة من الباحثين في مصر ونتمنى ألا تنقطع تلك الصلات فالعلم قائم على نقل الخبرات والمعارف وليس على التنافس أو الانعزال.

لا شك أن المجهودات التي منحت هذه المعشبة مكانتها المميزة يجب أن تستمر لتظل قبلة الطلبة والباحثين من مصر والدول العربية وأفريقيا، ويجب أن تدخل عصر الرقمنة حتى يستطيع الباحثون الوصول إلى المعلومات بسهولة وحتى لا تضيع العينات أو تتلف مع مرور الوقت.

أهمية متنامية للمعشبات

مع تنامي الاتجاهات الشعبية نحو التداوي بالأعشاب والتي تظهر بشكل ملحوظ في تلك الاستخدامات التقليدية من قِبل المجتمعات المحلية بشكل متواصل، تدعو الدراسات والتوصيات التي تصدر عن المؤتمرات العلمية العالمية إلى الاهتمام بالثروة الجينية للنباتات، ولهذا تغدو الحاجة ملحة إلى تفعيل دور المعشبة في المراكز والمؤسسات العلمية والمدنية في آن واحد، باعتبارها المخزن العلمي لهذه الأنواع التي تتعرض لتهديدات خطيرة من تلك الاستخدامات المبالغ فيها.

وعلى الرغم من أن معظم جامعاتنا العربية تكاد لا تخلو من وجود معشبة ملحقة بأقسام النبات أو الاقسام البيولوجية في كليات الزراعة والصيدلة والعلوم، بالإضافة إلى بعض المراكز العلمية المتخصصة، إلا أن حال معظمها ليس على المستوى المرجو، لتوقف تحديثها أو قلة التغذية المستمرة إليها من الإضافات الجديدة كما ان النظر إليها باعتبارها جزء من متحف علمي، جعلها تأتي في درجة تالية من اهتمام المسؤولين لرصد الميزانيات المناسبة لها، على الرغم من أهمية دورها المرجعي كبنك متنامي للمعلومات (Data Bank) في بيئتنا العربية، باعتبارها مصدراً محترماً للمعلومات العلمية، واشبه بدائرة المعارف، يمكن الرجوع إليه في العديد من الدراسات التوثيقية المتعلقة بمواردنا النباتية.


ومؤخرا كثر الحديث عن قضايا بيئية هامة مثل التنوع الحيوي (Biodiversity) وصون الأصول الوراثية، والمصادر الجينية، وبنوك البذور، وفرضت نفسها مؤخراً على ادبيات الاعلام البيئي والعلمي، وهنا يبرز دور المعشبات كأهم الوسائل الكفيلة بالمحافظة على الانواع النباتية في بيئتنا، وابراز اهميتها الحيوية والطبية والاقتصادية بشكل عام، خاصة وان العديد من الانواع النباتية باتت مهددة بالاختفاء قبل ان تدرس او تجمع من اماكنها الأصلية.


ومع دخول الحاسب الآلي في أوجه المعرفة كأداة لتخزين المعلومات وتصنيفها وسرعة استدعائها، وما تلاه من ثورات في مجال تكنولوجيا المعلومات، والذكاء الإصطناعي، برز دور المعشبات القومية، كركيزة أساسية لتوثيق هذه العلاقات الحميمة مع النباتات البرية (Flora) في مواطنها الأصلي، وفي الوقت نفسه تساعد هذه التكنولوجيات على حماية النادر منها او المعرض للانقراض بسبب الاعتداءات المستمرة من قِبل من يجهلون قيمته الحيوية، حتى ولو كان ذلك بحجة عمليات التنمية العمرانية .كما برزت مؤخرا مشكلات الملكية الفكرية للنبات والمصادر الوراثية القومية كقضية هامة، ويجب توثيقها، وتسجيل النباتات عالميا كوسيلة للحفاظ علي حقوق الملكية الفكرية للدول.

المعشبة الالكترونية للنباتات البرية فى مصر

بدأت جهود تأسيس المعشبة الالكترونية الحالية التابعة لجهاز شؤون البيئة والتابع بدورة لوزارة البيئة المصرية من خلال الاشتراك بين جهاز شئون البيئة والعلماء المصريين بهدف التعرف على البيانات التصنيفية للنباتات فى مصر بصفة عامة وفى منطقة سانت كاترين بصفة خاصة نظرا لما تحتويه المنطقة من تنوع بيولوجي فريد. وبدأت مع مشروع صون النباتات الطبية في سانت كاترين وهو جزء من مشروع تقوده وزارة البيئة لإتاحة نماذج العينات عبر الإنترنت والتي تضم عينات من 2006 وهي غير مكتملة حتى الآن.

وتتكون المعشبة الالكترونية الحالية من عدد من أهم العينات النباتية المعشبية فى مصر والتي تم حفظها وتصنيفها بمنهجية علمية منظمة وتشكل هذه العينات المعشبية بجانب قاعدة البيانات المتوفرة كذلك بالموقع مصدرا هاما للمعارف العلمية فى مجال النباتات المصرية والتي تتيح للباحثين والهواة معلومات عن هذه الانواع مما ييسر دراستها وتعريفها. كما تعد المعشبة تلك سجل تاريخي للأنواع المهددة النباتية والموارد الوراثية النباتية فى مصر، وتظهر التوزيع المكاني والجغرافي للأنواع النباتية المصرية.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. طارق قابيل

تدوينات ذات صلة