التدوينة عبارة عصف ذهني حول العوامل الخفية التي تساعد المؤسسات على النجاح أو تساهم في فشلها.

عندما طلب من ذي القرنين بناء سد لمنع هجمات يأجوج ومأجوج كان أول طلب له "فأعينوني بقوة" وكأنه يؤكد على أهمية العنصر البشري في عملية البناء هذه, ثم طلب بعدها الحديد والنحاس والمواد الصلبة وصهرها جيدا فصنع منها سدا فشلت أمامه قوى الجبابرة, القصة تبرز أولويات مجتمع العمل والبناء وما يجب توافره في منظومة العمل.


عام 2015 وضعت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة 2030 وأقبل العالم على هذه الأهداف بمشروعات جديدة تعمل وفقا لخطط التنمية, ولكي تنجح هذه المشروعات لابد من تكاتف العوامل كافة لتحقيق المرجو منها, فلا فائدة من جهد وأموال ووقت لا يعود دون تحقيق الهدف, والسبب قد يكون عدم توافق فريق العمل, فواجب على قائد المشروع أن يحدد ثقافة فضاء العمل قبل وضع أفراد الفريق في أماكنهم المخصصة ويتوقع منهم نتائج معينة, وهذا ينطبق على المؤسسات الربحية الخاصة والحكومية.


ولكن.. ما الثقافة المفروض أن يتعلمها الفرد لينجز في العمل؟!

الثقافة ليست مقتصرة على المعرفة العلمية والمعلومات أو اعرف شيء عن كل شيء, فنجاح المؤسسات متوكأ على الإدارة الرمزية أو ما تعرف ب "الثقافة التنظيمية" وهي تحديد الأجواء العامة التي تسود المؤسسة وطبيعة العلاقة بين الأفراد من أكبر موظف لأصغر عامل, هل هي كلاسيكية صارمة بها تحفظ مبالغ فيه للمكانة بينهم؟! أم نادي رياضي يرفع شعار المنافسة والعبرة بتسجيل الأهداف في جو من الانفتاح مع حفظ الألقاب والرتب؟! هذه السلوكيات مع مرور الوقت تصبح دستورا ضمنيا للمؤسسة.


وهناك دور الروح المعنوية المغذية لدافع الفرد للعمل, فإما أن تكون خبرته عن المكان أنه مفعم بالحياة وقبل أن يطلب منه الاجتهاد يعطيه حقوقه النفسية أو تكون خبرة سلبية عن أجواء متشددة وعلاقات متوترة, الثقافة التنظيمية تلعب دور جني المصباح إن كان القائد حكيما.


ولا ننسى ذاك الفرد الجديد الذي تتصدر له ثقافة مؤسسة معينة لديه رغبة الانضمام لها, فيدخل مرتديا نظارة محددة المعالم مسبقا, وهذا يضع المؤسسة في قائمة الانتظار.. انتظار حكم الفرد الجديد إما يستريح لها أو يختار الطريق الآمن ويرضخ كالسائرين نياما, المؤسسة وحدها بيدها الاختيار ما بين الإبداع والإيجابية أو تكون محطة في حياة أفرادها تنقلهم لذلك المكان المبدع الذي يشعرهم بقيمتهم كأشخاص وأهميتهم كمنتجين في المجتمع ومحدثي فرق.


جوجل نموذج للإبداع في العمل واكتساب ولاء موظفيها ولذلك تحقق أفضل النتائج وأكبر الأرباح, فهي لا تلتزم بالشكل الروتيني لمكتب الموظف, كما أنها تبرع في اكتساب حب الموظف حتى بعد وفاته, فعندما يتوفى موظف أو موظفة فإن الزوج أو الزوجة يحصلون على 50% من قيمة المرتب الأساسي للمتوفى لمدة 10 سنوات, فمن يعمل في جوجل ويفكر في الرحيل؟!جوجل تربح أكثر بكثير مما تنفقه على موظفيها فهي تعلم جيدا أنهم السبب في هذا الربح وتعلم أيضا أن إنفاق جزء من الأرباح لتوفير جو إيجابي غير مضغوط سيجعل الموظفين أكثر تفانيا في العمل وإبداعا فيه وهذا في حد ذاته مكسب للمؤسسة.ل


نجعل ثقافة المؤسسات التنظيمية قوية كقوة بنيان المؤسسات نفسها, فما فائدة القلاع القوية وجنودها يتحاربون في الداخل؟! ضعف الثقافة التنظيمية يؤدي إلى الفوضى الوظيفية ويعطل سلسلة العمل وعدم الشعور بأهمية أسرار المؤسسة المهنية.. فما الحل؟؟


من وجهة نظري الحل هو مجموعة لفتات سحرية بسيطة وفعالة, فلماذا لا تقيم المؤسسات علاقات اجتماعية مع الموظفين كأن تحتفل بمناسباتهم السعيدة وتشاركهم الأحزان؟ ما المانع في أن تصنع تقاليدها الخاصة كاحتفال تكريم سنوي لأكثر شخصية أثرت في المؤسسة هذا العام؟ أو تتبع طريقة مبتكرة للترحيب بالمنضمين الجدد, تستخدم رونق الشعارات أو تروي إنجاز لفرد وتجعله قدوة للباقين, أن تهتم بتعريف الأفراد بتاريخ المؤسسة وقيمة أهدافها حتى يشعر الفرد بالفخر لمشاركته في هذا الإنجاز.


أما عن لغة التواصل الداخلية فلنجعلها لغة احترام وتقدير لا لغة طبقية بين الرؤساء والمرؤسين, فلننسى قليلا حلقات السلسلة الوظيفية ونعمل كوحدة بناء واحدة تسلم بعضها.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نهلة الناقة

تدوينات ذات صلة