نظم أعمالك حسب الصلاوات، قبلها أو بعدها، واجعل من أوقات الصلاة أعمدة أساسية تبني حولها أشغالك وأمورك اليومية وليس العكس.
لماذا يحافظ بعض الناس على أداء الصلاة، في حين لا يستطيع الكثير أن يصلي صلاة واحدة؟ ما هو السر في ذلك؟ هل هو أمر إلهي يؤتيه الله من يشاء من عباده ويحرمه من يشاء، ولا دخل لإرادة الإنسان فيه؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تعتبر الصلاة أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة؟ ولماذا وضع الله الثواب والعقاب بشأنها؟ أين العدل الإلهي إذا كان المصلون يتلقون دعما سماويا، بينما غيرهم من غير المصلين لايتلقون أي دعم؟
من هذه الأسئلة وغيرها، وانطلاقا من تجربته الشخصية مع الصلاة، انطلقت رحلة الكاتب إسلام جمال في كتابه "فاتتني صلاة"، لتمتد على مدى 213 صفحة، شملت أربعة عشر فصلا كاملا وخاتمة حاول من خلالهم التعرف على أسرار ومهارات وصفات أولئك "الذين قلما فاتتهم صلاة".
صدر كتاب "فاتتني صلاة" للكاتب الجزائري إسلام جمال سنة 2019م عن دار زحمة كتاب للنشر والتوزيع، وهو كتاب مغاير لأي كتاب ديني آخر، كما أنه يختلف عن آلاف الخطب والمواعظ التي ألقاها عدد كبير من الواعظين والشيوخ في موضوع الصلاة... فعلى عكس ما تعودناه من هؤلاء الشيوخ في مثل هذا الموضوع من ترهيب وتخويف، وحديث عن ضمة القبر، وجبروت الشجاع الأقرع... نهج إسلام جمال في كتابه أسلوبا مغايرا، يدعو فيه إلى الصلاة بالحكمة والموعظة الحسنة والروح الإيجابية... معتمدا في ذلك على لغة بسيطة، و تسلسل منطقي وسلس للأفكار... وحتى إن كنت لا تصلي، فإنك لن تجد بين صفحات الكتاب أي زجر أو لوم أوعتاب، بل ستفاجأ بأسلوب إنساني رقيق، وحوار منطقي راقي وهادئ، يغمرك بالكثير من الحب، فتجد أن قبلك قد تمكن منه الكثير من الخشوع والرقة...
يقول إسلام جمال في "خاتمة عاشق":
"لكل من اشتاق لذلك النور في حياته المظلمة، ولكل من يبحث عن سلام يداوي به هلع نفسه، ولكل من أسرف على نفسه منتظرا أمطار الغفران تعيده إلى رشده... فر لبوابة الصلاة".
يتناول الكاتب في فصول كتابه الأربعة عشر أغلب الأفكار والأعذار والخواطر التي تجول حول الصلاة، ويأخذ القارئ برفق وبخطوات منتظمة دخل مملكة الصلاة... ليعي في النهاية أهميتها ووجوبها.
استهل الكاتب الفصل الأول بعرض قصص بعض الناس الذين تابع حفاظهم على صلواتهم لسنوات، والذين قلما فاتتهم صلاة، فهذا عجوز قارب الثمانين من عمره يتوجه إلى المسجد دائما قبل الآذان بدقائق، وهو متكيء على عصاه والابتسامة الهادئة لا تفارق وجهه. وذاك رجل أنيق مرح يسرع قبل كل فجر نحو المسجد ليؤذن للصلاة، والآخر عامل بسيط تبدو على ملامحه دائما مشاعر القناعة والرضى، اعتاد أن يغلق دكانه عند كل آذان صلاة، ويتوجه بخطى هادئة نحو المسجد، والآخرون كثيرون ممن اعتاد الكاتب أن يراهم لسنوات طويلة، لم يتخلفوا عن أي صلاة. ولكم تمنى الكاتب أن يكون مثلهم لكنه لم يستطع ذلك، ففاته صلاة تلو صلاة، ليكبر في داخله سؤال كبير: لماذا استطاع هؤلاء الحفاظ على صلواتهم والالتزام بمواعيدها، في حين لم يتمكن هو والكثيرون غيره من ذلك؟
يقول الكاتب في بداية الفصل الثاني من كتابه: "كنت أتمنى أن أكون من المصلين، وكنت أعلم أن حياتي ستصبح أكثر سعادة وسكينة لو أنني أصلي، وقد أخبرني كثير ممن لايصلون بالأمر نفسه. أخبرني أحدهم أن حياته ينقصها فقط أن يصلي، وأخبرني آخر أنه يشعر أن الكثير من أمور حياته ستستقيم له بالصلاة، ومع ذلك لم نكن نصلي".
ثم يتساءل الكاتب عن كيف يعرف - هو والكثيرون غيره – أن الصلاة قد تكون سبيلهم نحو السعادة والطمأنينة والراحة والسكينة... ثم يتجاهلونها وينصرفون عن القيام بها؟ ويجيب بأن السبب في ذلك يكمن فيما سماه بـ "يوما ما".
إن "يوما ما" هو عالم صنعه لنفسه كل متخلف عن الصلاة ومتهاون عنها ليعيش داخله منتظرا أمرا من السماء لتستقيم حياته، فيصلي الفجر، ويحافظ على الصلوات في المسجد، ويصوم كما ينبغي للصوم أن يكون، ويعيش الحياة الجميلة التي يريد... أما اللغة الرسمية المتداولة داخل هذا العالم، فهي الأعذار والتبريرات التي تبرر لساكنيه خمولهم وكسلهم وضعف همتهم وضآلة طموحهم...
وقد أيقن الكاتب بأن "يوما ما" لن يأتي أبدا، وأنه إذا كان ينتظر لظروفه أن تصبح مثالية كي يتمكن من المحافظة على الصلاة، فإن أجله سيأتي وهو مازال منتظرا، لذلك فقد توصل إلى أن أول خطوة نحو حياة مستقيمة عمادها الصلاة هو الخروج من عالم "يوما ما" الوهمي المليء بالأعذار، والعزم على خلق عالم آخر مليء بالإرادة والعزيمة ومجاهدة النفس حتى تصلي وتتمتع بحياة مليئة بالسكينة والسعادة.
لكن "قبل أن تصلي" يدعوك الكاتب في الفصل الثالث إلى معرفة أهمية الصلاة وبداية فرضها في الإسلام حتى يصبح فهمها وأداؤها والمواظبة عليها سهلا ميسرا ومحببا.
فرضت الصلاة ليلة الاسراء والمعراج، أي بعد حوالي اثني عشر عاما من تاريخ النبوة... ما الذي يعنيه هذا؟
قضى الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي اثني عشر عاما يتلو على أصحابه ما أنزل عليه من القرآن الكريم، ويحدثهم عن الله عز وجل ورحمته وأسمائه وصفاته... حتى إذا استقر حب الله في أفئدتهم، فرضت عليهم الصلاة لتجد مكانا في قلوبهم، وشوقا منهم للاتصال بالخالق العظيم الودود...وهكذا، فبعد "أن عرف الآمر نفذ الأمر"، فكانت الصلاة بالنسبة لهم "في ظاهرها فرض، وفي جوهرها هبة من محبوب لحبيبه للاتصال به ومناجاته".
وانطلاقا من هذا المنهج النبوي، يدعو الكاتب إلى التعرف على الله أولا قبل الصلاة، لأن التعرف عليه سيؤدي إلى حبه، وحبه سيؤدي حتما إلى طاعته. كما يدعو إلى القطع مع الاعتقاد الخاطئ القائم على أن العلاقة مع الله هي علاقة أمر ونهي، وتبني اعتقاد جديد مفاده أن العلاقة بالله هي علاقة حب ورحمة ولجوء واشتياق... ونصحنا بأن نلتزم يوميا بالقراءة أو الاستماع لمن يحدثنا عن الله عز وجل. واقترح في هذا الصدد إحالات لمجموعة من الكتب والشيوخ والعلماء والوعاظ والدعاة والقراء والمنشدين والقصائد والمناظرات والبرامج التلفزيونية...
إن اتباع هذا المنهج للالتزام بالصلاة والمواظبة عليها لا يمكن أن يؤتي أكله إلا إذا كنت مقتنعا بأنك ستتمكن من تحقيق هدفك، فأنت أفكارك كما يقول الكاتب في الفصل الرابع من كتابه، فـ "أيا كان اعتقادك بأنك سوف تنجح في أمر ما، أو لن تنجح فيه، فأنت على صواب في الحالتين"، ذلك أن عقلك مثل التربة التي تقبل زراعة أي نوع من النباتات، وبالتالي حصاد ما زرعته فيها قبلا.
وينطبق نفس الامر على موضوع الصلاة، فما تحدث به نفسك عن الصلاة، وماتشكله من صورة ذهنية عنها يساهمان بشكل كبير في حفاظك عليها أو تركها، لذلك فإن تغيير أفكارنا ومعتقداتنا عن الصلاة سيعيننا عليها، كما أنه عوض الانسياق وراء ظروف تبعدنا عن الصلاة، يجدر بنا البحث عن وسائل أخرى تعيننا عليها، واستحضار ذكرياتنا الجميلة عن الصلاة، وجعلها تعكس صورة الصلاة في أذهاننا.
إن زرع أفكار وعبارات مفيدة عن الصلاة يذكرنا بمفهوم ثابت في علم النفس يسمى Self-Talk يستخدم من خلاله أطباء النفس تقنية يسمونها "التوكيدات الإيجابية" التي يوظفونها في علاج حالات الانطواء وفقدان الثقة والاكتئاب، وهي نفس التقنية التي يستخدمها معظم الناجحين كأداة تساعدهم على تحقيق نجاحاتهم وتعزيز ثقتهم في أنفسهم.
يقول إسلام جمال: "إذن الصلاة مصدر سعادة وبهجة وسكينة، فلنجعل عقلنا يتصورها هكذا، فقط تصورها هكذا حتى وإن لم تصل بعد، ستجد نفسك تبحث عن وسائل تعينك عليها بدلا من أن تبحث عن وسائل تعينك أن تتركها".
في الفصل الخامس يتوقف الكاتب عند موضوع ضبط النفس أو ماوصفه بـ "الصفة المعجزة"، وهي الصفة الأساسية التي يتصف بها أكثر الناس نجاحا، وأكثر المصلين حفاظا على صلواتهم.
يقصد بضبط النفس، أداء الانسان لواجباته في الوقت المحدد لها سواء أحبها أم كرهها. وهي صفة تتوافق مع الفطرة، وتجلب لصاحبها السعادة، وتجعل منه شخصا مختلفا ومنظما في حياته. كما أنها تقوي شخصية الانسان ويجعل منه شخصا ملتزما ومتحكما في أهوائه، فتصبح مع مرور الوقت ومجاهدة النفس عادة يفعلها الشخص دون مجهود، وهذا بالضبط ما يحصل مع الذين "قلما فاتتهم صلاة"... فقد واجهوا أعذارهم يوما بعد يوم، وجاهدوا أنفسهم حتى استقامت لهم ، فأصبح بذلك "ضبط النفس" جزءا من شخصيتهم.
ومن أهم السبل التي يقترحها إسلام جمال للتمرن على ضبط النفس، ما سماه بـ "النقطة المرجعية" التي هي "حدث أو فعل نجحت في القيام به سلفا تحت ظروف استثنائية صعبة، فعندما تمر بنفس الحدث أو الفعل في الوقت الحاضر، يمكنك أن ترجع لهذا الحدث القديم (كنقطة مرجعية) ليكون دافعا ومحفزا لك". وينطبق الأمر نفسه على موضوع الصلاة، فعندما ينجح المرء في تكوين نقاط مرجعية، فهذا سيعينه على ضبط نفسه والمحافظة على صلاته.
ينتقل بنا الكاتب بعدها إلى الفصل السادس متسائلا في عنوانه: "ألك حاجة؟ّ" ثم يجيب: "ومن منا ليس له حاجة. أيا كانت حاجتك، قف بين يدي من له ملكوت كل شيء واسألها"، اسأله في صلاتك ما يشغلك بين الصلاة والصلاة. فلو عرفت الحكمة من وجود عقبات وتحديات يومية لاطمأن قلبك وغمرتك السكينة، لأن هذه العقبات وتلك التحديات هي التي تجعل قلبك يتفطر أمام ذو العزة والجبروت الذي بيده من فوقك ومن تحتك وأهلك وصحتك وعملك وكل شيء ترغب به، فيتجدد إيمانك وتستشعر المعنى الحقيقي للعزة عندما تجد أن حاجاتك تساق إليك... هكذا ستصبح الصلاة عادة جميلة تقوم بها دون تذمر، وستكون هي وسيلتك للاتصال بالله عز وجل. لكن كيف السبيل إلى تكريس الصلاة كعادة روتينية نقوم بها دون تثاقل؟
من خلال الدراسات التي قام بها بعض الباحثين لفهم كيفية تكون العادات، اتضح أنه لتكريس عادة جديدة في حياتنا نحتاج لتوفير عنصرين أساسيين هما:
العنصر الأول هو المحفز الذي يعزز الرغبة في القيام بالعادة. وفي موضوع الصلاة قد يكون المحفز هو المنبه أو صوت الآذان.
أما العنصر الثاني فهو المكافأة التي تضمن استمرار العادة. ولعل أكبر مكافأة يحصل عليها العبد بعد صلاة خاشعة بين يدي الله هي أن تغمر نفسه مشاعر السكينة والطمأنينة... وهي مشاعر لا يماثلها شيء مهما امتلك الإنسان من زينة الحياة وبهائها... لكن كيف السبيل إلى تحقيق تلك الطمأنينة والسكينة؟
يجيب أسلام جمال بأن الخشوع في الصلاة هو ما يولد السكينة التي تجعلك تشتاق للصلاة، فتتحول بذلك الصلاة من عادة روتينية إلى عبادة متجددة... لكن كيف نصل إلى الخشوع في الصلاة؟
إذا كانت جوارحنا الخارجية تعكس بشكل كبير أحوالنا ومشاعرنا الداخلية، فإن علماء النفس يؤكدون أن العكس صحيح أيضا، فإذا عدلت جوارحك الخارجية، انعكس ذلك على شعورك الداخلي. فلو أردنا مثلا أن نصف مصليا خاشعا في صلاته، كيف ستكون هيأته الخارجية؟
سيكسوه الهدوء، وستكون حركاته رزينة وقراءته مطمئنة وغير سريعة، وسيطول وقت ركوعه وقيامه وسجوده ...
إن للخشوع صفات ظاهرة في متناول كل واحد منا، إذا حققناها استجاب معها شعورنا الداخلي، فنخرج من الصلاة وقد غمرتنا السكينة والهدوء.
في الفصل الثامن من الكتاب يدعوك الكاتب لأن تكون "صباحيا"، تستيقظ مبكرا وتنجز كل شيء من شأنه أن يضيف البهجة والسعادة لحياتك، كما ينصحك بأن تجعل فترة الصباح مخصصة للأمور التي طالما اعتقدت أنها ستضيف لحياتك سعادة من نوع مختلف. وينطلق الكاتب في هذا الفصل من قصة الكاتب هال إيلرود صاحب كتاب The miracle Morning، الذي أنقذه الاستيقاظ المبكر من حالة اكتئاب متأخرة، كادت أن تؤدي به إلى الانتحار لولا أنه اكتشف ما سماه بـ"الصباح المعجزة"، الذي قلب حياته من شخص خمول حزين ورافض للحياة... إلى شخص آخر جديد متحفز جدا ومقبل على الحياة وعلى تحقيق أهدافه ورسالته فيها...ثم يروي لنا إسلام جمال قصة أخرى سماها "صلاة المعجزة"، أي صلاة الفجر.
إن صلاة الفجر "معجزة صباحية" بالنسبة للمسلم كما يعتقد الكاتب، لأنها كفيلة بتغيير حياة الإنسان بشكل كلي نحو الأفضل، وقادرة على تحقيق أهدافه التي يطمح إليها. إنها "أسلوب حياة... ومركز الطاقة الذي تبدأ به يومك...".
لقد "أراد الله القدير لنا أن يتماشى أسلوب حياتنا مع صلاة الفجر وليس العكس، هكذا أراد الصانع الحكيم، وكل من اتبع تعليمات الصانع - حتى من غير المسلمين- كان النجاح حليفا لهم، لأنها سنة الله الثابتة".
صحيح أن الاستيقاظ لصلاة الفجر ليس بالأمر الهين، بل يتطلب من المسلم مجاهدة ومكابدة كبيرة، لذلك يقترح الكاتب بعض النصائح التي بإمكانها أن تساعد المسلم على الاستيقاظ لصلاة الفجر، كأن يعقد العزم على الاستيقاظ، وينام مبكرا، ويلتزم بنظام نوم الساعة والنصف، وينام مضاعفات الساعة والنصف التي تشكل دورة نوم عميقة كاملة للإنسان.
إن أهم ماتوفره لنا "الصلاة المعجزة" و"الصباح المعجزة"، هو وقت إضافي لتحقيق أحلام لطالما حلمنا بها. ولعل أهم ما جناه الكاتب نفسه من الاستيقاظ صباحا هو ما عبر عنه قائلا: "مع الصباح ولد هذا الكتاب الذي بين أيديك الآن وأطن أنه لولا الصباح لانفرطت ساعات اليوم من بين يدي ولن أجد وقتا لكتابته، ليس ذلك الكتاب فقط، بل ملايين الكتب حول العالم ولدت في الصباح حيث ذلك السكون الذي يزينه فقط أصوات الطيور وهي تستقبل يومها ساعية إلى رزقها".
ومن "الصلاة المعجزة" ينتقل الكاتب في الفصل التاسع إلى موضوع النوافل، صلاة الضحى وغيرها من السنن والرواتب قبل أو بعد كل صلاة، والتي يسعى من خلالها العبد إلى طلب محبة الله تعالى . قال الله عز وجل في حديث قدسي: " ماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
قد يبدو الأمر متعبا وشاقا في ظاهره، صلوات مفروضة، أدعية، سنن، نوافل... إلا أن الواقع غير ذلك تماما، فقط إن تمكنت من ترتيب يومك.
ضع خطة لمجرى سير يومك، ولتكن الصلاة أول أهدافك بعد الاستيقاظ من النوم، لا تدع شيئا يلهيك عن أدائها، ولتعلم أن الناجحون هم من يخططون ليومهم جيدا، ويضعون قائمة أعمال خاصة بكل يوم.
نظم أعمالك حسب الصلاوات، قبلها أو بعدها، واجعل من أوقات الصلاة أعمدة أساسية تبني حولها أشغالك وأمورك اليومية وليس العكس.
إن من أسباب عدم النجاح، سوء التخطيط .. فمعظم مشاكلنا تبدأ عندما لا نعلم الطريقة التي يجب أن يسير عليها يومنا، و نترك أنفسنا للظروف... لذلك يأمرك الكاتب في الفصل العاشر من كتابه بـ " رتب يومك"، ولايهمك مافاتك من أيام مرتبكة حافلة بالعثرات والحماقات التي باعدت بينك وبين الصلاة... تعلم من أخطائك، لأن "التعلم من الأخطاء والحماقات هو أفضل وسيلة لكل من يبحث عن حياة ناجحة سعيدة"... تعلم من أخطائك عند تركك للصلاة و حاول أن تجد لها حلا، واعلم أن "الطريق الذي تسلكه الآن لتنضم إلى هؤلاء الذين قلما فاتتهم صلاة يحوي سعادة الدنيا والاخرة، الآن قد بدات معركة حامية في مواجهة نفسك وشيظانك، وربما قد تحالفك الهزيمة في قليل من الجولات، فلا تكرر الخطأ مرتين في كل جولة تخسرها أمام نفسك وشيطانك فتفوتك صلاة، حلل هذه الجولة بكل تفاصيلها وتعرف على سبب الهزيمة حتى لا تكرره".
قد يتملكك الاحباط والاكتئاب من حين لآخر، فتشعر بالتعب والكسل والجوع والنعاس... وقد لاترغب في عمل أي شي في حياتك، وتشعر أن "لا طاقة لك"... الحركة – يقول الكاتب في الفصل الثاني عشر- تولد الطاقة، والصلاة كلها حركة ونشاط، ابتداءا من الوضوء الذي يحمي من الأمراض والميكروبات، ويعمل على زيادة سريان الدم الذى يزيد بدوره من حيوية الأعصاب... إلى الحركة والمشي نحو المسجد وما يحدثانه من تغيير في كيمياء الجسد وحيوية ... إلى حركات السجود والركوع التي أثبتت الدراسات أنها تساعد على الشفاء من آلام أسفل الظهر..
"واصطبر عليها"، عبارة آمرة عنون بها إسلام جمال الفصل الثالث عشر من كتابه، وهي في الأصل أمر إلهي من الله لنبيه محمد (ص) الذي كان يصلي صلاة النافلة بالليل حتى تتفطر قدامه، و كان جزأ لا يتجزأ من صلاة الفرض .
ويقصد بالصبر على الصلاة، المثابرة والتدريب اليومي عليها، والصبر على نتائجها وعلى ثمارها، لأن ثمارها لا تحصد بين ليلة وضحاها ... فالصلاة "هى دورة تدريبية للنفس تستغرق عمرك بأكمله، تلتزم بحضورها خمس مرات كل يوم، ان أردت أن تستقيم لك حياتك فاستقم في حضورها واخشع في أدائها"... لذلك فـالغرض من إقامة الصلاة كما يقول الكاتب هو "إقامة إنسان، ذلك التأثير البسيط اليومي المتكرر الذي تضيفه الصلاة إلى شخصية المصلي يؤدي إلى إقامة إنسان جديد مع الوقت".
في الفصل الرابع عشر من الكتاب الذي اختار له الكاتب عنوان "هكذا عرفته" يذكرنا بحقيقة أساسية جاءت الصلوات كلها لتكررها مرارا وتكرارا، ألا وهي أن "الله أكبر"، إذ لا تصح صلاة إلا بتكبيرة الإحرام التي يبدأ بها المصلي صلاته، وكأنها تذكير له بأن كل ما أهمه أو أخافه أو أحزنه قبل الصلاة لامكان له بين يدي "الله الأكبر". " فالحمد لله رب العالمين الذي عرفنا قدر كل من هم دونه أيا كانت قوتهم أو مناصبهم أو عدتهم أو أموالهم، وكان وصف القرآن عجيبا لهم حيث قال الله العزيز: "والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير". فاطر، 13".
إن الدنيا دار شقاء ومنزل ترح، لا تكاد تخلو من الهم والغم والجزع واليأس... يحدث فيها أن يضيق صدرك وتغلق الأبواب أمامك، وتساق نحوك الابتلاءات الواحدة تلو الأخرى، ويتملكك الحزن العميق... لكن ماذا لو بقيت صامدا أمام كل العواصف، وحاولت التأمل في النصف الممتلئ من الكأس كما يقال باحثا عن الحكمة من كل ذلك؟
"الحكمة من الابتلاء هي الاضطرار، أن تلمس المستحيل قياسا على الحسابات المادية ونظرة البشر المحدودة للأمور فتضطر إلى أن تفر إلى الله إن أردت فيصبح المستحيل ممكنا... لأن مع الاضطرار وسؤال الله القوي المتين يأتي التمكين... "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء في الأرض" النمل، 62"
إن التأمل في كل ما يحصل معنا ومع غيرنا في هذه الدنيا، خيرا كان أو شرا هو بداية الطريق نحو الحقيقة ونحو السلام... ونحو معرفة الله تعالى ومحبته... فإذا عرفته أحببه، وإذا أحببته اشتقت إليه وإلى لقائه، ولايكون اللقاء إلا في حضرة الصلاة بي يديه. وقد كانت هذه هي الرسالة المحورية لإسلام جمال من كتابه الشيق الممتع "فاتتني صلاة". يقول في "خاتمة عاشق":
"يالجمال هذا العبد المحرم في صلاته راحلا إلى الله يبتغي فضلا منه ورضوانا، مضربا عن غوغاء السكارى الشاردين في حجيم الضياع. ما أجمله وهو يمتطي راحلة النفس المطمئنة فيقطع المسافات التي تقصر عن استيعابها الأعمار فيختزلها بين ركوع وسجود في قافلة السائرين".
لقد كان إسلام جمال موفقا بشكل مبهر في تناول موضوع الصلاة، ومعالجة هذه العبادة التي هي عماد الدين الإسلامي، من منظورٍ مختلف تماما عما تعودناه في الكتب الدينية، و بطريقة محببة تجعل القارئ يتشوق إلى لقاء الله من خلال الصلاة. فجاء كتابه الرئع شبيها بما يعرف بكتب التنمية الذاتية، لأنه يحفز القارئ على الالتزام بالصلاة، ويجعله واعيا بأهميتها، ليس فقط على المستوى الروحي ، بل وفي مختلف جوانب الحياة العملية والاجتماعية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
شكرا فطومة لتفاعلك واهتمامك بالمقال
مقال ممتع وسلس موفقة صديقتي فاطمة