تدوينة تظهر تأثير الحداثة السائلة التي تكلّم عنها "زيجموت باومن"، بالعلاقات الإنسانيّة و البنى الاجتماعية و النماذج السلوكيّة!
إلى كلّ من يطمح إلى الإصلاح و التغيير المجتمعيّ، عليه أن يسعى أولًا إلى فهم علاقة الناس بالناس و علاقة الناس بذاتهم.
البطل الرئيسيّ لموضوعنا هو العلاقة الإنسانيّة، شخصيّاتها: رجالٌ و نساءٌ في زمن السيولة و الحداثة. ماذا نقصد بالسيولة؟ وما هي طبيعة العلاقة الإنسانيّة في ظلها؟هذا ما سنتحدّث عنه.
زيجمومت باومن: عالم اجتماعٍ بولنديّ، فيسلوف، أستاذٌ جامعيّ و كاتب أيضًا. عرّف لنا الحداثة السائلة، وقال: هو الزمن الذي تخلّت فيه الحياة عن صلابتها و متانتها. كان يجدُ أن المجتمع بدأ يتحول في نهاية القرن العشرين من مجتمع منتج إلى مجتمع مستهلك. و بدأ بكتابة سلسلة السيولة: الحداثة السائلة، الخوف السائل، الحب السائل، المراقبة السائلة، الأزمنة السائلة....وهي سلسلة تتناول ظاهرة الحداثة معرفًا إياها بأنها مرحلة سيادة العقل، أم مرحلة ما بعد الحداثة التي وصفها بأنها حداثة سائلة وهي حسب رؤيته مرحلة نعيشها حاليًا من تفكك للمفاهيم الصلبة و التحرر من الحقائق و المقدسات.
هنا نأتي لمعنى السيولة:يصف باومن في تقديمه للنسخة العربية للسيولة: بأنها حالة مستمرة من إذابة و تمييع مجموعة كبيرة و متنوعة من الكيانات التي تستمدّ استمراريتها من داخلها بشكل ثابت، و هي البنى الاجتماعيّة و الروابط الإنسانيّة و النماذج السلوكيّة و الأخلاق و القيم و ما إلى ذلك...
لكن، كيف تتم إذابتها؟ تتم إذابتها عن طريق التحديث الوسواسيّ القهريّ الإدمانيّ لها حسب وصفه، الذي لا يجعل هناك حالة نهائيّة في الأفق ولا هدفٌ نسعى إليه.
والآن... كيف نربط كل هذه الحالات الهستيريّة المتقلّبة و السائلة بالعلاقات الإنسانيّة؟ وكيف لها أن تحولها إلى روابط إنسانيّة هشّة؟" إنَّ الإنسان اليوم... هو إنسان بلا روابط! "إنسان خائف من العلاقات الطويلة، و من الالتزام و العلاقات العاطفيّة التي يحكمها الصدق و الديمومة.عصرنا هو عصر السرعة؛ تحصل على ما تريد بسرعة فائقة. تعدّل، تلغي، تمتلك ما تريد باللحظة التي تريد و بلمح البصر.
لكن، ما موقف الإنسان السائل من عبارة: " سأبقى معك للأبد "؟الموضوع لا يتناسب مع الإنسان السائل، بحيث أنه كثير التحديث و دائم البحث عن التجديد. الإنسان السائل يريد أفضل الخيارات التي تلبي حاجاته الآنيّة و بصورة مثاليّة... محاولات إشباع لا تنتهي!هنا نعود إلى فكرة الإنسان المستهلك و نطرح السؤال التالي:هل يسوّق الحب كسلعات نستبدلها متى نشاء و مع من نشاء؟ فعندما يكون موضوع الحب و العلاقات الإنسانيّة شيئًا يُمتلك، فإنّه سينتهي بحال استهلاكه..
في الختام أودّ أن أقترح مراجعات الدكتورة هبة رءوف عزّت المختصّة في العلوم السياسيّة و الباحثة الاجتماعيّة، حيث قامت بشرح مفصّل عن تأثير مراحل الحداثة و ما بعدها بشكلٍ مميز و سَلِس.
والله تعالى أعلم.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
رائعة ما شاء الله عنك الله يفتح عليكي