مراجعة عامة ل "دفاتر الوراق" كرواية جمعت بين عمق القضايا و براعة التمثيل
بين أحضان عمان و صخب مدنها، ٱعتاد إبراهيم قضاء الوقت بين الكتب،خاصة الفلسفية منها، بداخل كشكه المختص ببيع الكتب أو كشك الوراق كما كان يطلق عليه البعض.
بعد فقدان عائلته فكشكه ثم بيته، يصبح الوراق متشردا كديوجين، أكثر الفلاسفة تأثيرا به، فيذيع بين أزقة عمان يتأمل في التغيرات المدهشة التي تشهدها الدولة بصخبها نهارا و هدوئها ليلا، حيث عرفت عمان، في ماتؤطره الرواية من زمن، تحولات عميقة عززت العزلة و نشرت الشعور بالوحدة وسط مدينة لا تنفك تزحف و صخب شوارع لا تكاد تهدأ لتمحى بذلك بوادر الجماعة و تحل مكانها الفردية المجتعية على عكس ما عهده الوراق في قريته الأم.
في البرد تسقط أحلام الوحيد إلا صورة الحضن الدافئ· الحرارة تطرد الماء من الأشياء بحجة التبخر فينتصر الجفاف، والبرد يجلب أمنيات العصافير بمزيد من القش لتحافظ على أعشاشها· ها أنا الآن وجهًا إلى وجه مع سكاكين العراء الحادة، لست حزينًا، لست خائفًا لكني أحتاجك جدًا
يلتقي ابراهيم في خضم تشرده،أضعف شرائح المجتمع ممن عانو من متلازمة مجهولي النسب، ممن عانو من الفقر المدقع و كذلك من لم يسعفهم الحظ في الانتماء إلى عائلات ثرية كبرى فكان ذلك سبب بؤسهم.
أدت مجابهة الوراق لكل هاته المؤثرات المجتمعية إلى تأثر عميق أودى به في غيابات ٱنفصام الشخصية بين جانب يلعب دور الانسان الخير الذي لطالما حافظ على مبادئه و نزاهتة و جانب آخر يُخرج الى الوجود خرابا كبيرا لا يحمل هدفا سوى الانتقام من كل من له يد في تضرر فئة مجتمعية ما، ليبقى ٱبراهيم متأرجحا بينهما تجسيدا لصراع بين أصالة المبدأ و هوة الخراب و الخوف.
الخوف رسام غريب يخط على ورق مخيلاتنا ما لا نتوقعه·
ببن صفحات الرواية، تتشابك الأحداث في حياة الوراق و حياة غيره من الشخصيات التي تقاطعت طرقه و إياها، لتطرح تساؤلات عدة أهمها كيف للانسان أن يعيش في وسط دون أن يكون عرضة لمؤثراته و لأي حد يمكن لشبح انفصام الشخصية أن يقلب حياة إنسان إلى حياة وحش بين بني البشر.
تنتهي الرواية بإطلاقها إشكاليات عظمى طالما تناولها الفلاسفة سابقا، إذ كيف للبيت الذي فقده ابراهيم أن يعادل، في وحدته و خصوصيته ، الوطن و فرديته؛ و كيف للعائلة التي حرم منها أن تكون بمثابة الحضن الدافئ بدلا من لمة المجتمع و صلاح أفراده؛ بل و هل للكشك الذي انتزع منها أن يؤمن له نفسية سليمة و ثقافة تقيه من خراب يتربص به ..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات