هكذا هي الحياة مهما تعددت الأقوال بأن ما نعيشه تُدعي حياة إلا أن هناك أفعال تُشعرنا بأنا نعيش الموت.



‏لا يستطيع أحد البوح بأكثر من تنهيدة يلفظها في وجه السماء، يشق صدر الصمت لِإحداث فجوة يتسلل من خلالها إلي السماء الأولي ويكون قريباً أكثر من الله ليقول له :" هذا ما أردت قوله في الأرض لكني لم أستطع عزيزي الله"

نحن نعيش في مستنقع لايعرف حتي البدائية ولا الفطرة كلما تسلل الخوف إلينا بوحشية جعل الكثير منا يتسكّع مع قطّاع الطرق والمجرمون، وينام الخوف إلي جانب الرصيف يفترش صحيفة الوطن وينام فينا.

وعندما نكبر قليلًا، تبدأ الأحزان الصغيرة تخترق كل شيء تُحاسبنا، تصفعنا كطِفل ولا تُقدّم له حلوى؛ نتذكرها..!

تجر أقدامنا خطوة واحدة إلي الأمام فقط ولا تسمح لنا بأكثر من ذلك كصخرة نبتت وسط البحر ولاتزال تكبُر؛ تنمو عليها الحشائش الخضراء والطحالب تزورها الطيور، وتتكيء عليها الأصداف، كل الكائنات تتكيء عليها رغم أنها في الأساس تورطت بالغرق..!

حياتنا جثة مفقودة، لن تجد من يُقبّلها مرة أخيرة، ويضع لها العطر، لن تجد من يضع يده تحت خدها عندما تنام.

نسُدّ فم جراحنا بخرقة لاتسمح لنا بالتنفس لتجعلنا ننتفض كعصفور، لتُفسد علينا إحساسنا بأننا موتي.

نود أن نعيش الوهم الذي يسافر عبرنا، دون جواز سفر أو تأشيرة أو أوراق ثبوتية، إلي مكان آمن داخلنا، إلي واحة تُشبه الأحلام، نستأنس لأنفسنا بمجرد أنْ نشعر وأنّ لنا أجنحة. نركض داخلنا، نقطع مسافات في الثانية الواحدة، وما إن نتعب، يسند الوهم ظهره إلي قلوبنا، يتوقف قليلاً لينام.

يقول أحدهم:« ‏ألصقوا صورة طفلي المفقود على كل أعمدة الإنارة على امتداد الشارع، حتى بعد أن عثرنا عليه لم يتبرع أحد بنزعها، كلما عبرت الشارع بسيارتي تتكرر الصور، عمود إنارة تلو الآخر يخبرني أن طفلي لازال مفقودا..» هكذا هي الحياة مهما تعددت الأقوال بأن ما نعيشه تُدعي حياة إلا أن هناك أفعال تُشعرنا بأنا نعيش الموت.

لسنا إلا أيام مستعملة، مليئة بالتجاعيد، خطّها الزمن على وجهها، تُفسد فينا الأشياء التي نُحبها، تجعلنا لا نسد أُذن القلب عن ضراوة الآلام، وتُنسينا طراوة الحُب.

لقد تورطنا بالولادة، وتورطنا بإستعمال حياة، وتورطنا بالوجود الذي يمارس فينا قسوته تجبُّراً.



كتب الفيلسوف الدكتور زكي نجيب محمود ذات مرة عن «حُمّىٰ الحياة » وذكر كلمات سقراط الأخيرة. عندما قال لتلميذه كريتوس: " أنا مدين بديك لـ آسكليبيوس المخلص، فلا تنسى أن ترد الدّين يا كريتوس".

وعن ما إذا كان سقراط يري أن الحياة حُمّىٰ وداء وبمجرد أن يموت فيكون قد برأ منها ..!

"علي قيد الحياة" هذا مايمكن كتابتة في إثبات الشخصية والأوراق، لكن ليس بالضرورة أن يكون صاحب هذا الإثبات حياً، لايمكن أن تمثل هذه الأشياء قيمة مضافة للحياة إن لم تكن الحياة نفسها قيمة مضافة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات طه جمعه الشرنوبي

تدوينات ذات صلة