تجربتي الاولى في وداع صديقة وداعنا الأخير.. صديقة لم تكن يوما سوا ملاك لكنها ملاك لم نره حتى حلق في السماء .


ما تراه في الصورة ليست ادراج مكتب

ولا ثلاجات في مطعم

ولا خزنة في بنك..

ما تراه هو شكل اخر محطة لك في الدنيا.


كانت هذه المرة الاولى التي ارى فيها ثلاجة موتى على ارض الواقع، اللي كنت اشوفهم بالافلام أكثر أناقة واقل ازدحاماً ومنظرهم يسر الناظرين. عالاقل بالشكل.

وانصدمت انه الواقع مختلف. رائحة الموت تملأك حتى لو كنت فاقد حاسة الشم. البرد مختلف هناك ودرجته ابرد مما تشعر به ومما يقاس. في القاعة يوجد فقط ثلاث مقاعد امام الثلاجات، مكسرات وحالتهن حالة، كأنها رسالة بأن الجلوس ممنوع وعليك ان تظل واقفا متأهبا فربما ملك الموت فوق رأسك وانت التالي.

على باب الثلاجة ستجد قطعة ورق باهته تافهة تحمل اسم المتوفى، وتمثل اخر ورقة ستحمل اسمه وكأنها تستخف بالاموات وبالاسماء التي تفاخروا بها وعاشوا لأجلها واصبحت بثانية لا شيء ، مجرد اسم لجثة هامدة على باب ثلاجة بمجرد خروجك منها سيمزع الاسم ويلقى على الارض ليوضع غيره ميت جديد .

في الثلاجة الهائلة الحجم ستجد طفلاً بحجم الكف، لو كهلا قليل البنية، او رجلا ببنية جسدية هائلة او فتاة جميلة كلهم مكفنين بالابيض لم تعد هذه الاجساد لهم، بل صارت ملكا لمن غطاهم ووضعهم في الثلاجة ثم لصاحب المشرحه ومشرطه ثم للمغسلين والمكفنين ثم المشيعين ثم يصبح الجسد ملكا حلالا للأرض.. كل ما يبقى هو الروح وما صعد معها.

شبابيك القاعة،، مممم مش متذكرة ابدا شكله او اذا فيه اصلا. مش مهم محدش منتبه عالشباك ولا بدور عليه المصيبة اكبر من البحث عن منفذ لا الاحياء بدهم منفس ولا الاموات سيهربون.

في مكان اسمه مشرحة فش داعي اكمل..


اه نسيت احكيلكم، في كل مرة بتدخل بالجو وبتسرح في حياتك وقديش الحياة تافهه بيشتغل متور التلاجة مدويا لدرجة ان تظن ان الاموات سيستيقظون وان الاحياء حينجلطوا من الصوت.


اما هلا محمد البلبيسي فقد كانت في مكان مختلف، لا تدري ما يحدث ولا ندري اين هي..

حين انتهت الرحلة في ذلك المكان المرعب، ذهبنا لوداعها وكانت تلك الجميلة نائمة لم يغير صباحة وجهها كل ما شهدناه من لوجيستيات قاتلة، وجنائز داخلة وخارجة وبكاء وحالات اغماء وانكار وصدمة لأهالي مكلومين وغيرها من مشاهد ستظل عالقة في ذهني لوقت طويل.

كانت نائمة في نعشها الاخير وكأنها في مكان لا يمت لمكاننا بصلة وفي عالم مختلف عن هذا العالم القاسي.

كانت هلا بلسما للكثيرين وتركتنا في صدمة امام الموت ولكنها انهت الرحلة وذهبت هناك، حيث والدها الذي اشتاقت له كثيراً ينتظرها..


الموت مفجع وقاسي وبارد جداً ومؤلم حد ان تصاب بالجنون ان لم تتمالك نفسك. ولكن عزائنا الوحيد ان الموت لا يوجع الاموات، بل يوجع الاحياء فقط..


#منمنمات

#من_الحياة


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سارة العتيبي

تدوينات ذات صلة