عندما تتوقف لحياة للحظات تدرك معنى وجودك فكيف لتوقفها أيام...

مع تزاحمها وسرعة جريانها، مع الضغوطات والإنجازات وعدم إدراك الوقت كيف مضى وفيما مضى كسرعة القطار التي كُنا لا نبصرها بشكل مُدرك، وإنما سرعتها الفائقة قد أنستنا توقفها المفاجئ واعتيادُنا على جريانها، ليلها يتبع نهارها بشكل سريع، وقتها يمضي عجل وخاطف وكأننا كُنا نخوض معها سباقًا لا تباطؤ ولا تراخي ولا إدراك للذات فيه؛ وإنما كأننا خُلقنا في عجلة من عجلاتها حتى تعايشنا مع سرعة جريانها وربما أصبحنا أسرع منها، بل نسينا أنفسنا والصرخات المندسة في زوايا أركاننا التي تصدر أسئلة دائمة دون الإجابة عليها: من أنا؟ ماذا أريد؟ ما هو واقعي ومستقبلي؟ والعديد من الأسئلة المطبق عليها بين شفتي أنفسنا المنهمكة في سباق مع "الحياة والزمن".


لم نتوقع التوقف المفاجئ حتى أدركناه مع جائحة "كورونا كوفيد١٩"، توقُف مفاجئ تبعه صدمة مفاجئة أوقفت تلك العجلة واخرست تلك الأسئلة حتى عم السكون فأصبحت النفس تتأمل؛ كيف للسكون يحل فجأة دون سابق إنذار، خائفة من عودة الصوت من داخلها فيعلو تدريجًا حتى يصبح مسموع تتفجر منه مسامعها وتدركها الحواس..


بدأت الأسئلة تعلو، محاولة تداركها تبوء بالفشل في كُل مرة حتى وصلت مرحلة الاستسلام وحقيقة التأمل الصادق والتحاور مع تلك الأسئلة وأخذها بالحسبان:

من أنا؟

ماذا أريد؟

ما هو شغفي؟

ما هي هوايتي؟

ما هو معدل قدراتي؟

هل أنا أفكر؟ إذًا كيف أطرح أفكاري وأطبقها؟

والعديد من المصارحات التي تترأسها النفس والتي أدركنا خلالها أنفسنا دون شوائب الحياة إثر سرعان العجلة، فأصبحنا نحن من ندير عجلتنا دون السيطرة علينا وإجبارُنا من قبل الحياة والزمن، فترة زمنية قصيرة جعلتنا أكثر وعيًا مع ذواتنا وأكثر صراحة، وجدنا أنفسنا الشغوفة لهدفها وإجزام منا لن تتغير مرة أخرى لتختبئ بل ستظهر بقوة أكبر وصلابة.

ما هي موهبتي؟ هذه الفترة كُلًا منا أدرك فيها مواهبه التي لم يسبق له أن يتعرف عليها؛ إذًا لما لا تتوظف هذه المواهب لتصبح هواية تُمارس بشكل مستمر حتى تتحول إلى مشروع ناجح يُتكىء عليه في مثل هذه الأزمات والتوقفات المفاجئة لعجلة الحياة.

ما هو معدل قدرتي في أن أرتب جدولي اليومي وكيف أديره وكيف أسيطر على العوارض المفاجئة وما هي قدرة تحملي؟ كل ذلك إذا لم تصارح بهِ نفسك خلال هذه الفترة الزمنية التي ستنقضي قريبًا بإذن الله؛ فلن تنجو من سرعان عجلة الحياة ولن ترحمك لتهب لك الفرص في كُل مرة بشكلٍ مفاجئ بأي صورة كانت.


توقف العجلة المفاجئ لم يهب لنا فرصة التعرف على ذواتنا فحسب؛ بل شمل لنا التعرف على المحيط العائلي والتقارب الأسري العظيم الذي أدركنا من خلاله "مهما عصفت بنا الحياة وأخذت منا أكثر مما أعطيناها" إلا أن الأسرة هي الملجأ بعد كنف الله، وهي الحب الصادق العميق الذي ربما نغفل عنه في ضل تسابق الحياة، وأن الأسرة روحٌ وحدة متجزئة إلى أجساد مختلفة (رحمة، حب، عطف، تضحية، تسامح، تحمل، ملجأ، مأوى).


والأعظم دائمًا في شمولية التوقف المفاجئ للحياة هي مقدار الإدراك بأن العافية لا تصفها كلمة "ثمينة" بل هي مفهوم لا يقدر بخزائن كنوز ومال كمال قارون أو أكثر، وأن البقاء على قيد الحياة مكابدة وأمل عظيم، في كامل التمتع بالصحة الجسدية والنفسية.


بعد كُل ما مضى من جائحة كورونا وكل ما عشناه خلال الفترة، الآن نصعد المنابر لتتحدث حروفنا مدركين من خلالها أعمق نقطة في الحياة وفي النفس وفي طبيعة الكون والوجود، وأن الضعف يكمن خلف القوة وقد يظهره شيئًا لا يُرى إلا بالمجهر، لأن الروح لا تُقدر بثمن..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات صالحة مجرشي

تدوينات ذات صلة