كثير ما ننشدُ السّلام، ولكن هل حقّّقنا السّلام لأنفسنا؟


السَّلامُ النّفسي، ربّما من أصعبِ أنواع السّلام تحقّقًا وأكثرها أهمّيّة؛ فلن تستطيعَ العيشَ هانئًا وداخلَك حروبٌ متّقدة، وصرعات لاتنتهي، لن يغمضَ لك جفنٌ وعلى وسادةِ أفكارِك تستيقظُ تلك الأفكار العنيفة الّتي تقضُّ مضجعَك وتؤرقك، وفي عقلِك يدورُ ويجولُ ألفُ سؤالٍ، تحاولُ في كلِّ مرةٍ الهروبَ منهُ فتجدُه أمامَك، وفي القلبِ غصّاتُ ألمٍ بعضُها تعرفُ مصادرَها وأخرى مجهولة المصدر، تعيقُ تدفّقَ الحياةِ إلى قلبِك، ذلك القلب الّذي يتوقُ مع كلِّ نبضةٍ إلى السّلام.


إن أردْتَ أن يعمَّ السّلامُ أرجاءَ العالم، فلا بدَّ من أنْ تشعلَ فتيلَه في نفسِك أوّلًا حين تحبُّ نفسَك وتتصالح معَها وتنأى بها عن كلِّ حقد، وتصافح وتسامح وتزيل عراقيلَ الآخرين من طريقِك؛وذلك كلُّه لن يحدثَ قبلَ أنْ تتعرّفَ إلى ذاتِك وتغوص في أعماقِها وتفتح ذلك الصّندوقَ الأسود وتصغي بكلِّ حواسِك إلى ما في داخلِه. وعليك أن تبقيَ إناءَ قلبِك فارغًا، ألقِ بكلِّ حمولته الزّائدة خارجًا، واجعله مستعدًّا لاستقبالِ مفاجآتِ الحياة مهما كانَت.


تعوّدْ أن تكونَ مرنًا هيّنًا ليّنًا، ومرّن نفسك على التّروّي والحكمة، تقبّل آراءَ الآخرين وما يقولونَه عنك، ولا تحاول تغييرَ فكرةِ أحدهم عنك بالكلام، كن أنت، والمواقف وحدها تغيّرُ أفكارَهم الخاطئة عنك ... أصغِ لما تقوله أنت عن نفسكَ حين تخلو بها خاصّة في تلك الأوقات الّتي تكون غير راضٍ عن ذاتِك.


تعرّف إلى نقاطِ ضعفك لأنَّ من خلالِها يتسلّلُ اليأسُ والفشلُ والإحباطُ وكلُّ المشاعرِ السّلبيّة الّتي تعيقُ طريقَك. لا تحب أحدًا بشدّة ولا تكره بشدّة أيضًا، اجعل مشاعرَك اتّجاه الآخرين وسطيّة لا متطرّفة.


لا تأبه لأفكار الانتقام ولا تحوّل أهدافَك في الحياةِ للانتقامِ من أحد، انتقمْ ممّن آذاك بأن تحبَّ ذاتَك وتتحدّى الصّعاب للوصولِ إلى مبتغاك ... لا تسمحْ لأحلامِك وأمنياتك أن تكونَ ضيفةَ أحدهم، ولا تعوّل على قشّةٍ يمدُّها لك أحدُهم فقد تكونُ هشّةً تنكسرُ فتغرقُك، بل اصنعْ أنت من قشِّك الهش جسرًا متينًا تعبرُ من خلالِه نحوَ ضفافِ الأمل .


كن أنت نبراسَ السّلام، لاتصغِ أبدًا لوسوساتِ لحظاتِ الضّعف الّتي قد تعتريك ... تصالح وصالح وسامح واصفح لأجل سلامِك الدّاخلي؛ وليعمَّ السّلام حياتك ويتخطّاها إلى العالمِ أجمع ...تخلى عن كلِّ ما من شأنِه أن يعرقلَ وصولك نحوَ السّلام.


مريان

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جميل

إقرأ المزيد من تدوينات مريان

تدوينات ذات صلة