لا تنبهر ببعض العبارات التي يستخدمها أدعياء العلم و لا تسلم رأيك لفرضياتهم

يقول الفنان مارسيل دوشامب, أحد عباقرة الفن الحديث و مؤسس تيار الدادائية الذي أمضى ستين سنة من عمره في دراسة الفن و أحدث ثورة فنية لا نظير لها في بدايات القرن العشرين:" لا أدري لماذا حصدت لوحة موناليزا التي رسمها ليونادرو ده فنشي كل هذا الاهتمام, و هي لا تعدو أن تكون لوحة عادية, يستطيع أي طالب في كلية الفنون أن يأتي بأفضل منها". ثم رسم لها شاربين تعبيراً عن تقليله من أهمية هذه اللوحة بشكل فاضح.

مهلاً أيها القارئ الكريم! دعني أخبرك أن ما قرأته للتو، مليء بالمغالطات و الكذب. نعم. سأوضح لك.

أغلب المتابعين على الفيسبوك، هم من غير المتخصصين في الفن، و بالتالي سيصدقون أي كلام يقال من شخص بنظرهم فنان و متخصص. إنما لو قرأ هذه الجمل, أي باحث أو طالب في كلية الفنون ( و أقول باحث بمعنى الباحث الذي يجيد البحث و ليس الدجال) فسيدرك من الوهلة الأولى أن هذا الكلام ما هو إلا دجل و تخبيص.

و انتبهوا إلى هذه الألفاظ: "أحد عباقرة الفن الحديث"،"أمضى ستين سنة من عمره في دراسة الفن"، "مؤسس تيار الدادائية الذي أحدث ثورة فنية لا نظير لها"، "تعبيراً عن تقليله من أهمية هذه اللوحة بشكل فاضح". كلها جمل غنية بالتبهير و المبالغة، للإيحاء بأن هذا الشخص خارق حارق سوبرمان، لا نجد مثله في تاريخ الفن, و بالتالي فإن كلامه بكل تأكيد صحيح و قابل للتصديق.

علماً أن دوشامب المؤسس لتيار الدادئية فعلاً، لم يقلل من أهمية الموناليزا أبداً. بل إن تياره يعتمد أصلاً على نسف كل موروث و كل قيم سائدة, و لما رسم الشاربين فهو يقصد أنه لا توجد عنده خطوط حمراء في الفن, و لأن لوحة الموناليزا تعتبر ايقونة فنية لا يختلف عليها اثنان. و ليس أبداً تقليلاً من أهميتها. و بالطبع الجملة التي ذكرتُ أنه قالها، هي مجرد اختراع لا أساس لها. هدفي من هذا البوست هو أن أنبّه لأمور أساسية، تنطبق على اي علم من العلوم و ليس فقط على الفن:

- غير المتعلم و غير المتخصص، يسهل أن ينبهر و ينخدع بجمل طنانة رنانة من أشخاص يرى أنهم أهل علم و تخصص.

- في أغلب الأحيان, لن يبحث القارئ غير المتخصص عن صحة ادّعاءات القائل، طالما أنه يثق بعلمه. و هذه مشكلة خطيرة للغاية.

- الفيسبوك مليء بالدجل و المغالطات باسم "العلم" و "التنوير".

- غياب العلماء المتمكنين و الصادقين, فتح المجال لكل من هب و دب, أن يكون بديلاً عنهم و يطرح تخبيصاته التي ينبهر بها الناس، حتى لو نسف تاريخاً طويلاً عريضاً من التراث العلمي، فالمتلقي غير المتخصص، ليست عنده ثوابت أو منهجية علمية ليقبل أو يرفض على أساسها أي طرح.

- الناس تنبهر من قول: "أمضيت أربعين سنة من عمري و أنا أبحث في كذا".. فتصدق كلامه على أنه يقين غير قابل للنقاش حتى لو خالف كل العلماء.أيها الأحباب، العلم بحر واااااااسع جداً, لا تقبلوا كلام "المتنورين" أو "المثقفين" أو "العلماء" على أنه حقائق غير قابلة للنقاش, بل ابحثوا جيداً عن صحة ما يدعون.

Jihad

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Jihad

تدوينات ذات صلة