تلخص المقالة بحيادية تجربة التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية في ظل أزمة كورونا من منظور طلابي منفتح لتجربة كل ما هو جديد.

بعد أن أصاب فيروس كورونا الملايين من البشر حول العالم، اضطرت معظم الدول إلى اتخاذ إجراءات صارمة وإيقاف عجلة اقتصاداتها لا بل معظم مظاهر الحياة فيها في سبيل محاولة الحد من تفشي هذا الفيروس، وفي ظل ما نعيشه من أزمة على كافة الأصعدة فإن عددًا كبيرًا من الأسئلة لا زال يلوح في الأفق، ولعل من أهمها مدى تأثير أزمة كورونا على القطاع التعليمي الجامعي ومدى كفاءة أنظمة التعلم عن بعد التي جرى تفعيلها في محاولة تحجيم أثر هذه الأزمة واستغلال كافة الموارد المتاحة على عيوبها لمحاولة النهوض بالمستوى التعليمي للطلبة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه السنة الدراسية التي ستبقى عالقةً في أذهان الجميع.


توظيف مسبق في بعض التخصصات

التعلم عن بعد وتحديدًا لطلبة الجامعات الأردنية ليس بالمفهوم الجديد، حيث إن كثيرًا من المساقات الدراسية قبل الأزمة كانت تتضمن في خطتها الفصلية جزءًا لا بأس به من مظاهر التعلم الإلكتروني، حيث كان على الطلبة الدخول إلى مواقع التعلم عن بعد التي خصصتها جامعاتهم والاستفادة من شروحات مصورة ومثيلاتها من مظاهر هذا النوع المستجد من التعلم، ولكن ما لم يعتده الطلبة والمدرسون هو أن يكون الاعتماد كاملًا على هذه المواقع في عملية التعلم، حيث إن نسبة تفعيلها قبل الأزمة لم تكن ترقى إلى ما يسمح بهذه النقلة المفاجئة والطارئة لمثل هذا الأسلوب من التعلم بشكل كلي، إضافة إلى وجود تفاوت في نسب توظيف التكنولوجيا بين مختلف الكليات، فالناظر إلى الماضي القريب يلحظ تهميش دور التكنولوجيا في بعض الكليات والمساقات التي لم تكن تعي الدور المهم الذي ستلعبه هذه التقنيات في مستقبلها وأنها ستصبح الملاذ الوحيد لإدامة عملية التعلم فيها.


إيجابيات طالت الجميع طلابًا ومدرسين

منذ ظهور التكنولوجيا وجميع جوانب حياة الإنسان في تغير مستمر، ولعل دخول هذه التقنيات ضمن منظومة التعلم في الجامعات الأردنية شكل عاملًا مهمًا في تقدم كافة مظاهر العملية التعليمية في هذه الجامعات إضافة إلى مساهمة هذه الأشكال غير التقليدية من التعلم في تفوق منابر العلم الأردنية في مقاييس الكفاءة العالمية على عدد من جامعات عربية وعالمية، وكباقي المجالات التي انخرطت فيها أشكال التقنية، فإن استخدام هذه الوسائل الحديثة في قطاع التعليم قد ألقى بظلاله الإيجابية على طلبة الجامعات الأردنية، حيث توفر هذه الأنظمة مرونة كبيرة للطلاب وتحررهم من قيود الوقت والمكان التي كانت تشكل عبئًا من أعباء الدوام التقليدي، فبدلًا من التقيد بجدول دراسي في مواعيد محددة أصبح بإمكان الطلاب الاختيار بمرونة الأوقات التي يحبذون فيها استقاء معلوماتهم من منازلهم دون الحاجة للتوجه إلى الحرم الجامعي وتكبد عناء التنقل وازدحام الطرقات. ولا يخفى على أحد أن الإيجابيات التي ترافق مظاهر التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية قد ألقت بظلالها أيضًا على الأساتذة الجامعيين ووفرت لهم المقدار نفسه من المرونة الذي وفرته للطلبة، حيث أصبح بإمكان المدرس أن يقدم محتواه التعليمي لطلبته بأشكال مختلفة تتضمن صور متعددة من التفاعل، كما وفرت هذه المرونة لهم بعض الوقت الذي يمكن للراغب منهم أن يستغله في التفرغ العلمي والبحثي ومحاولة التقدم.


عيوب ومواطن قصور

وعلى الجانب الآخر، فإن كثيرًا من المرونة قد يضر أحيانًا إن أسيء استغلاله، حيث يتطلب الأمر درجةً كبيرةً من الوعي لدى الطلاب والأساتذة الجامعيين لمحاولة استغلال هذه الظروف وهذا الوقت الثمين الذي أتيح لهم، ولعل نسبة منهم كانوا قبل الأزمة وما زالوا بحاجة إلى أن نسن قوانين رادعة لإجبارهم على الالتزام بشروط المرحلة التعليمية التي انخرطوا فيها دون إهمال أو تقصير. وعند النظر إلى الفوائد التي تقدمها أشكال التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية يبرز جليًا قصورها عن تغطية أشكال التعلم التي تحتاج إلى تدريب عملي وتطبيقي، ويشمل ذلك عددًا كبيرًا من صور التعلم أذكر منها مثالًا لا حصرًا التدريب السريري والعملي لكليات الطب وطب الأسنان وتدريب كليات هندسة العمارة في مختلف الجامعات، حيث إن التقنية تقف عاجزة أمام خدمة الطلاب الملتحقين بهذه المساقات التطبيقية حيث تبرز حاجتهم الملحة إلى أجهزة ومعدات وبنية تحتية معدة لهم لكي يمارسوا عمليًا ما يطلب منهم ويتقنوه على أعلى مستوى، وحتى أكفأ أنظمة التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية أو غيرها من الجامعات العالمية لا تغني عن عنصر الممارسة الذي هو جوهر هذه المساقات التطبيقية.


تحديات في طريق نجاح التعلم عن بعد

ولأنها لم تكن معدة مسبقًا لتحمل هذا العبء المفاجئ والاعتماد الكلي عليها، فإن البنية التحتية الإلكترونية في الجامعات الأردنية تشهد يوميًا عددًا لا بأس به من المشاكل التقنية المتعلقة بالاتصال والإنترنت وعدد الطلبة الكبير الذي يشكل حملًا ثقيلًا على هذه الموارد التي لم تكن قد وصلت بعد إلى مستوى من النضج يمكنها من تحمل هذه الضغوطات. ولعل من أهم التحديات أيضًا التي تواجه منظومة التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية هي الحاجة إلى تطوير آلية لتقييم الطلبة بشكل عادل بعيدًا عن أشكال المخالفات التي قد تسمح لبعض الاستغلاليين أن يقوموا بخرق الأنظمة وإيجاد ثغرات ينالون عن طريقها ما لا يستحقونه، إضافة إلى النقطة التي تم ذكرها مسبقًا عن تهميش دور التكنولوجيا قبل الأزمة في بعض الكليات والمساقات حيث إن مرتادي هذه الكليات من الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية قد واجهوا وما زالو يواجهون صعوبات شتى في التعامل والتأقلم مع هذه التقنيات التي شكلت لهم نمطًا جديدًا غير مألوف من التعلم، ولعل هذا يقودنا إلى المناداة ببرامج تدريبية وتأهيلية ترفع من مستوى هذه الفئة وتمكنهم من التعامل مع أشكال التعلم الحديث.


الواقعية والسعي نحو التطور

إن من غير العادل أن يحكم على تجربة التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية بالفشل، حيث إن البنية التحتية لم تكن معدة لمثل هذا الاعتماد الكلي الطارئ عليها، إضافة إلى أنها رغم نقاط الضعف الظاهرة جليًا فيها وفرت سبيلًا قيمًا لا غنى عنه سمح بإدامة العملية التعليمية واستمرارها بمستوى من الكفاءة يكاد يقترب من المستوى الذي كان يقدم قبل أزمة كورونا، ولكن من غير الواقعي أيضًا أن نغض الطرف عن العيوب التي ظهرت جليًا فيها والتي تحتاج إلى تطوير وإصلاح مستمرين، ولعل هذا الكائن الذي لا يرى بالعين المجردة قد أعاد قضية التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية للواجهة وسلط الضوء على أهمية النهوض بهذا الشكل من أشكال التعلم الذي إن جرى استغلاله بالطريقة المثلى سيشكل نعمة ينعم بها جميع أطراف العملية التعليمية طلابًا ومدرسين وإداريين.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات حسام الحوراني

تدوينات ذات صلة