في صغري كنت أشاهد في بعض أفلام الخيال العلمي.. أن سكان الفضاء قرروا زيارة الأرض،

في صغري كنت أشاهد في بعض أفلام الخيال العلمي.. أن سكان الفضاء قرروا زيارة الأرض، وعند وصولهم كانت هناك معضلة في التواصل مع هذا الذكاء الكوني من خلال قناة اتصال مشتركة، فكانت محاولات البشر تارة بالموسيقى، وتارة بلغة الضوء، وأخرى باستخدام لغات قديمة، كان يُعتقد أنها لغات لكائنات فضائية غزت الكرة الأرضية منذ ملايين السنين، مخلفة وراءها الكثير من الأسرار الدفينة.


المهم في الأمر هو سعي البشرية الى إيجاد لغة مشتركة نتوصل من خلالها إلى استيعاب هذا الذكاء الفضائي، وبعد محاولات عديدة كانت النتيجة هي الفشل، مما خلق تصورا لدى الكثيرين والاستسلام لفكرة «أن البشرية ليست مستعدة بعد لاستقبال أي حضارة تسبقنا بتقدمها».


والسؤال: هل حالنا الآن مع التقدم الهائل في التكنولوجيا في جميع نواحي الحياة يختلف عن تلك الفكرة التي تصورها الأفلام؟ أترك لكم الإجابة، ودعونا نستعرض حالنا هذه الأيام، وكيف نوازن بين عجلة التطور وبين واقع تقبلنا واستخدامنا لهذه التكنولوجيا.


على سبيل المثال لا الحصر، نجد أن الجوال قد غزا بكل تقنياته المتطورة أدق خصوصياتنا، واستطاع بكل بساطة أن يغير بعض الديموغرافيا الاجتماعية، بل بات يهدد بعض المسلمات المقدسة في مجتمعنا، فالجلوس على طاولة الأسرة الواحدة وتبادل الحديث أصبحا من الأمور المنقرضة بوجود برامج المحادثة المختبئة في صفحات الجوال، كما أن معظمنا استعاض عن زيارة الأصدقاء والواجبات الاجتماعية برسالة جاهزة، ما عليه إلا إعادة إرسالها، أو خدمة التهنئة بالنيابة.


أظهر تقرير اقتصاد المعرفة العربي 2016/2015، الذي أعدّته «أورينت بلانيت للأبحاث»؛ أن دول الخليج الست تصدرت التصنيف العام في مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم العربي خلال عام 2015. وجاءت البحرين الأولى في استخدام الإنترنت بنسبة 74.15%، والكويت أعلى نسبة في انتشار الجوال 194.62%، الجوال فقط من الثورة التكنولوجية! إذاً؛ فلنعترف أننا أصبحنا حبيسي أنفسنا داخل واقع افتراضي يملي علينا كيف نسيّر أبسط أبجديات حياتنا، والعجيب أنني أكتب هذا المقال وأنا أمسك جوالي وأحاول أن أنتزع ثقافتي الخاصة، التي هي ثقافة أغلبكم أيضاً، نشأت في ظلال عصر التكنولوجيا المتنامي بشكل فاق التصور.


وفي وقفة جادة؛ نحتاج إلى تقويم أنفسنا كي نواكب، وفي الوقت نفسه لا ننسى ثقافة مجتمعاتنا، حتى لا ندور في حلقة مفرغة هائمين بين تكنولوجيا عصرنا وثقافتنا، التي تكاد تضيع في خضم عالم التطور الذي لا ينتهي، وحاجتنا اليوم هي الفصل بين ساعة الترفيه والتواصل من خلال التكنولوجيا، وبين ساعة العمل والأهل ومتطلبات مجتمعنا، ودعونا لا نفقد ثقافتنا وهويتنا في المبالغة بالتعاطي مع التكنولوجيا وتقنياتها.. ولنبدأ بتحمل مسؤولية واقعنا، الذي فرض علينا بعقلانية ووعي لنتقدم ونحن في القمة ولسنا في القاع.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. أحمد الفيلكاوي

تدوينات ذات صلة