تجارب السفر تعطينا الفرصة للتعرف على الآخرين، قد لا تأتي دائماً، ولكن إن أتت فيجب علينا أن نستغلها لرؤية كل جديد ومفيد.
قررنا في سفرنا إلى باريس أن نستأجر أحد البيوت الفرنسية القريبا للمعالم المهمة ووسائل التنقل مثل "المِترو"، وعلى غير العادة، أغلب المسافرين يجدون الفنادق في السفر هي المكان المناسب والوحيد دون محاول التفكير في خيار آخر.
ولكن السؤال، هل هي فعلاً الخيار الأنسب والأفضل؟
أحد أهم أهداف السفر الخروج عن المألوف وإعطاء النفس فرصة لرؤية أمور مثيرة للاهتمام؛ ففي السفر قد يقضي المسافر رُبع يومه في الفندق، صباحاً قبل الإفطار ومساء عند العودة للارتياح، فما الجديد في الفنادق؟ وما المهم غير الخدمة المُقدمة؟ السعر..النظافة..وجبة الإفطار.. أو الغداء؟
لذا قررنا في العائلة -كتجربة جديدة أن نبقى طيلة إجازتنا في باريس- في بيت أوروبي متواضع، قمنا بحجزهِ "أون لاين" عبر أحد المواقع السياحية، حيث يوجد شرح كامل عن موقعه وشكله وعدد الغُرف .. إلخ
عندما وصلنا للمنزل لم نقابل صاحب الشقة أبداً، فقد أرسل "إيميل" يشرح فيه كيفية الدخول إلى الشقة ومكان المفتاح الذي كان مُعلقاً بجانب الباب في خزانة لها رقم سري، كانت هذه أول ملاحظة غريبة وجديدة في نظري، فكيف لصاحب شقة في أوروبا أن يتساهل في تأجير منزله لشخص غريب بغض النظر عن جنسيته. يبدو أنه حتى في مسأله إيجار البيوت لدى الأوروبين يعد تجارة خالصة"Business is business"
عند دخولنا الشقة، وجدنا على الطاولة "كتالوج" كاملا يشرح عن ممتلكات المنزل وغُرفه، كيفية استخدام الغاز، وآلة القهوة، وتسخين الماء، وآلة الموسيقى (الجرامافون)، وتشغيل الداتا شو، وكلمة المرور للواي فاي... إلخ.
كل شيء كان مكتوبا ومشروحا بالتفصيل، صاحب البيت "مرّيح حاله" بتضمين كل معلومه، حتى لا نقوم بالاتصال به، ويكون هذا الـ Business مصدر مال سهل بالنسبة له، المنزل كان فيه كل ممتلكاتهم (حرفياً كل شيء)، حتى الأجهزة الإلكترونية مثل الـ Ipad والـIphone ، جهاز حاسوب خاص، حتى كاميرا Canon جديدة !
قد تسأل نفسك سؤالا: كيف يأمن على كل هذه الأشياء مع مستأجر لا يعرفه؟
ذكي هو صاحب المنزل، فقد أضافَ في عقد الإيميل أنه في حال فقدان أي شيء في المنزل فله الحق أن يأخذ قيمته من البطاقة الخاصة مباشرة وبرضاك، "ناس عارفه كيف بتشتغل".
أمضينا أول ساعاتنا فقط ونحن نستكشف المنزل، فالصور التي على الحائط فيها كل أفراد العائلة، وصور جماعية متسلسلة لأهم الأحداث في حياتهم. لديهم فتاة صغيرة وأيضاً ولد صغير، كل طفل منهم لديه غرفة مليئة بالألعاب والكُتب والأغراض التي تدل على اهتمام واضح من قِبل الأهل بالأطفال، فالطفلة الصغيرة مهتمه بصناعة الإكسسوارات والرسم، والطفل يحبُ الفضاء، والسيارات، والدايناصورات والربوتات.
هذا غير اهتمامات الأهل وحبهم للقراءة وتشجيع أبنائهم على لمشاركة في المنزل ولوحات الأطفال البسيطة المُعلقة في كل مكان، وعلى الثلاجة، وعلى باب المنزل، حتى إنهم قاموا بعمل رسومات تدل على وجود قوانين في المنزل، مثل: "يرجى خلع الحذاء لعدم إزعاج الجيران"، "يرجى عدم التدخين في المنزل".
في نظري، لم ولن تكون هذه الرحلة ممتعة وجميلة دون هذه التجربة، فعلاً أضافت شيئا غريبا وجديدا، فتعرف الثقافات الأخرى والنظر في تفاصيلها رحلة في حد ذاتها.
إذا سافرت لأي مكان، فجرب هذه التجربة وابحث عنها، فستجد أن المُتعة ستزداد، وأن هناك أمورا عديدة في هذا العالم تستحق الاكتشاف والاهتمام، فرحلة الاكتشاف الحقيقية لا تنحصر في رؤية أرض جديدة، بل في الحصول على رؤى مختلفة في ذلك المكان.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
مقال رائع فعلاً، كثيراً ما نحتاج لذلك القرار الجريء، الخروج عن المألوف وتجربة الغير معتاد، الاختلاف تجربة فريدة تستحق أن نبحث عنها في كل مكان.