تعددت وجهات النظر حول مفهوم التوازن بين الحياة العملية والخاصة تبعاً لأبعاد المفهوم واختلاف زوايا النظر نحوه.


السعي لحياة مهنية وشخصية متوازنة


أدت التغيرات العديدة التي حدثت لطبيعة الحياة الاقتصادية وطبيعة احتياجات الناس المختلفة إلى تغيير المفهوم حول الهدف من العمل. فسابقًا كان الغرض الأساسي من العمل هو تلبية الضرورات فقط، أما اليوم فأصبح العمل مساهمًا جدًا في تحقيق الرضى الذاتي على مستوى المهنة والحياة الشخصية معاً. وفي ظل المنافسة الشديدة والمتغيرات العديدة في نطاق الأعمال والاقتصاد التي يحفل بها عصرنا الحالي، أخذت المنشآت بشتى أنواعها تسعى بجد نحو الاستفادة من طاقات وإخلاص موظفيها في تحقيق أهدافها الاستراتيجية ومواجهة تحديات العصر الحالي، الأمر الذي دفعهم إلى اتخاذ سياسات وإجراءات عمل تؤثر بشكل مباشر على الحياة الشخصية للموظف وعلى قدرته على التوازن بين حياته العملية والخاصة.

ولكون قدرة الموظف على تحقيق هذا التوازن تلعب دورًا واضحًا في جودة جوانب الحياة والعمل معًا، لذلك برز في العصر الحالي اهتمام واضح بقضية الاهتمام بالحياة الشخصية لدى الموظفين العاملين في مختلف القطاعات والمجالات. ويعتبر التوازن بين الحياة العملية والخاصة أحد أهم عناصر جودة حياة العمل تضم كلًا من التمسك بقوانين العمل والعلاقات الاجتماعية في بيئة العمل. وتلعب جودة الحياة الوظيفية دوراً في تحسين بيئة العمل وتوفير البيئة المُفضلة التي تحظى برضى العاملين عن وظائفهم على وجه العموم الذي من شأنه زيادة الإنتاجية ونيل رضى العملاء.


مفهوم التوازن بين الحياة العملية والخاصة


تعددت وجهات النظر حول مفهوم التوازن بين الحياة العملية والخاصة تبعاً لأبعاد المفهوم واختلاف زوايا النظر نحوه. فهنالك من يرى أن التوازن بين الحياة والعمل هو عملية إشباع حاجات الفرد وحاجات العمل بحُسن انسياب في ظل أقل مستوى من الصراع بينهما. بينما يرى آخرون أن مصطلح التوازن يشير إلى عملية فصل تامة بين العمل مدفوع الأجر وبين باقي التزامات الحياة الخاصة دون أي تداخل بين الحقلين.

ولكن التوازن في مفهومه الأشمل هو عبارة عن الإجراءات والسياسات التي يتبعها كل من صاحب العمل والموظف بهدف الإيفاء بكافة متطلبات العمل ومسؤوليات الموظف الشخصية والتقليل من التداخل بينهما ما أمكن بما يضمن تحقيق مصلحة الموظف ومصلحة صاحب العمل في آن.

ولا يخفى على الجميع في عالم الأعمال، أن هنالك علاقة طردية ووثيقة بين موازنة الحياة والعمل وبين جودة الحياة الوظيفية وإسهامها في تحسين بيئة العمل وحياة العاملين فيها. وجودة الحياة الوظيفية تعتمد على مجموعة من العمليات التي من خلالها تستجيب المُنشأة مهما كان نوعها لاحتياجات الموظفين عن طريق تطوير الوضع الذي يسمح لهم أن يشاركوا في القرارات التي تؤثر في حياتهم العملية بشكل كامل، وخلق البيئة الأمثل للموظفين التي تسمح لهم النمو والتطور وتمنحهم شعورًا بالأمان والرضى الوظيفي وتعمل أيضا على تحسين الجوانب الجسمانية والمعنوية للموظفين.

إذن فمن الواضح جداً أن جودة حياة العمل تعني رضا الموظفين عن بيئة العمل ممثلة بأبعادها المادية كمستوى الأجور والمعنوية كالمشاركة في اتخاذ القرار والذي ينعكس بصورة مباشرة على المنشأة والأفراد على حد سواء. ومن خلال ما سبق ذكره، تظهر علاقة ترابط واضحة ما بين جودة الحياة الوظيفية وقدرة الموظف على التوازن بين الحياة العملية والخاصة باعتباره جزءًا لا يتجزأ منها والذي يعطي انعكاسات مؤثرة على جودة العمل وحياة الموظف ورفاهيته.


أهمية التوازن بين الحياة العملية والخاصة لدى المنشآت


مما لا شك فيه أن نشاطات التوازن بين الحياة العملية والخاصة تزيد من الأثر الإيجابي على الربح والنمو داخل المنشأة كونها تعمل بشكل مباشر على التخفيف من ضغوط العمل أو القضاء عليها، وتقلل من نسب انخفاض الإنتاجية لدى الموظفين، وتعمل أيضاً على زيادة التزام وارتباط الموظفين بعملهم وتقليل نسب غيابهم وتحسين مستوى التوظيف ونسب الاحتفاظ بالموظفين والتقليل من نسب الدوران، مما يؤدي بالضرورة إلى خفض تكاليف عملية التوظيف، مادية كانت أو لوجيستية، المصاحبة عادةً لاستقطاب أعضاء جدد وتدريبهم وتأهيلهم للمستوى المطلوب.


أهمية التوازن بين الحياة العملية والخاصة لدى الموظفين


يُسهم التوازن بين الحياة العملية والخاصة في زيادة قدرة الموظفين على استغلال كفاءاتهم وقدراتهم وتطويرها بالتدريب والتعليم، بالإضافة إلى كونه يزيد من مستوى الرضا الوظيفي لديهم وزيادة شعورهم بالأمان الوظيفي داخل أروقة المنشأة. وتؤدي الموازنة الفعالة أيضا إلى زيادة كفاءة الأداء العائلي وتحسين التوافق والعلاقة الزوجية وتحقيق الرضا داخل الأسرة.


وبشكل عام فإن للتوازن بين الحياة والعمل أثرًا إيجابيًا على المنشأة والموظفين، فهو يؤدي إلى الالتزام في العمل، ويقلل من ضغوط العمل غير المرغوبة ومعدلات الغياب والصراع والتعارض بين الحياة الشخصية والعمل، وزيادة الرضا الوظيفي وتحسين أداء العاملين، والارتقاء بالحالة الاقتصادية للمنشأة من خلال زيادة الإنتاجية، وللموظف من خلال تحسين أدائه وبالتالي فرصه للارتقاء في السلم الوظيفي.




عبير قمصية

المؤسس والمدير العام لشركة بتر بيزنس

Better Business

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات Better Business

تدوينات ذات صلة