هذه المقالة هي جولة مع أبي تمام الطائي ومناجة له وحديث حول شعره



السلام عليك يا أبا تمام،

يا صاحبي،

"سِتٌّ وعِشْرُونَ تَدْعُوني فَأَتْبَعُهَا

إلى المشيبِ ولم تظلمْ ولم تَحُبِ"

أكتب إليك بعد ثلاث ليالٍ من السّهر مع ديوانك الجميل، وإعادة تقليب الكلام عن اختلاف النقاد فيك، ولتعلم يا أبا تمام أن الناس مختلفون في شعرك، كما تعرف ذلك، فقد خرّقوا شعرك في حياتك بين ظهرانيهم، لأنك "شاعر الاستعارات البعيدة"، كما أحد نقّاظ شعرك، ولكني أسوق إليك البشرى بأن فيهم من أنصفتك كتبهم بعيد ذلك، فانتصر لشعرك العظيم ومذهبك العالي في صياغة الكلام!

ثلاثة ليالٍ مع أبي تمّام الطّائيّ!98304783893727000



يا أبا تمام ،

تلك تلاثة ليال، سأخبرك بتفاصليها، فارع سمعك، واستمع لمهجوس بشعرك، متيم باستعارتك البعيدة!، وأول الأمر أني قرأت، وما كان ذلك مني على عمد، اختلاف الناس في بيتك الشهير، "جمهية الأوصاف إلا أنهم..."، فرحت أنبش كتب التراث، لأرى اختلافهم في تلقيه حتى بلغ مني العجب أمدا قصيًّا، فقلت في نفسي: "ماذا فعلت بهم يا حبيب؟!"، فلقد شغلوا بك وبتأويل شعرك ، فصار حقا فيك قول صاحبك أبي الطيب: "ويسهر الخلق جراها ويختصم!"، وهو شاعر جاء بعدك فملأ الدنيا وشغل الناس، وكان كما يروى عنه أنه يضع ديوانك في كمّه ويقول: "هذا ديوان حبيبي حبيب بن أوس!".

ثم إني ذهبت في ذلك مذهبًا بعيدًا، فوقفت على خلاف الناس فيك، فاستمع إلى ما كان بينهم، فلقد كتب صاحبك المرزوقيّ ذات زمان بعيد "الانتصار من ظلمة أبي تمام"، فكان أول المناصرين لك، ولعمري لو أنك نظرت فيه لسرك دفاعه المائز عنك وعن تجربتك،


وفي عصرنا نهد طه حسين، ومحمد عبده عزّام، وعبدالقادر الرباعي، والمنصف الوهايبي، وسوزان ستتكفيتش، وهدى فخر الدين يدافعون عن شعرك، فهاهو محمد عبده عزام، الذي حقّق أكمل شروح ديوانك، يفتتح معك أقبية السؤال في كرّاسة صغيرة كُتِب على غلافها الجميل "خمس ليالٍ مع أبي تمام".


ثلاثة ليالٍ مع أبي تمّام الطّائيّ!15661182183151424


واعلم يا حبيب -واسمح لي أن أناديك باسمك الحبيب إليّ- فقد قال أحد العشاق يومًا: "إذا استحكمت المحبّة سقطت الكلفة"، ولكني أعود إليك لأقول: إن محمدًا اختار ديوانك ليكون رسالته في الدكتوراة، وقد أشرف عليه في ذلك الزمان العَذْب عميد الأدب العربيّ الدكتور طه حسين، وهذه أول البشرى.

تكاد تسألني يا حببيب أن أقص لك خبر من كتب عنك كذلك فأقول لك: ذاك عبدالقادر الرّبّاعي وهو الشاب الثمانينيُّ ما يزال مشغولا بك، وبقصائد الغر الصّافنات، وقد حدثني ذات ضحى عمّاني بهي كيف ذهب إلى جامعة القاهرة في سبعينات القرن القرن الفائت فتى محملا بالرؤى، فدرس الصورة الفنية في شعرك، بمشورة من جابر عصفور، وظل يهجس بك حتى أتمّ معك الكلام وأنجز أطروحته التي قال فيها شوقي ضيف: "إنها دراسة جديدة ذات منهج جديد حول شاعر مجدد!"، لأنه كان فتى محملا بالأصالة والمعاصرة، حتى بلغ به ذلك أن درس شعرك بالاعتماد على أحد الكتب التي درست الصورة الفنية عند شكسبير، ولا أظنك ترفض ذلك، فأنت تعلم وأنت أعلم أن ذلك أنسب لشعرك!.


وذاك الشاعر التونسيّ والأكاديمي المرموق المنصف الوهايبي ينجز دراسة مُقارِنة عنك مع أدونيس، وإخال أنه أول من بعج هذا السبيل، ونظر إلى حداثتك من منظور مغاير، وتلك سوزان ستتكفتيش المفتونة بشعرنا تكتب عنك كتّبا ومقالات هي واسطة العقد، كأنّها قادمة من زمن أندلسي ضائع، وكأنّ بينك وبينها نسبا، هو نسب الشعر ، كما قلت ذلك ذات مرة:

أَو يَختَلِف ماءُ الوِصالِ فَماؤُنا**

عَذبٌ تَحَدَّرَ مِن غَمامٍ واحِدِ

أَو يَفتَرِق نَسَبٌ يُؤَلِّفُ بَينَنا**

أَدَبٌ أَقَمناهُ مُقامَ الوالِدِ

ثلاثة ليالٍ مع أبي تمّام الطّائيّ!93269400088124130




أعرف أنك تحب أن أكمل لك الحديث عن دارسيك، فلا تستعجل، سأكمله ولكن دعني أقف بك عند بيتين من أبياتك البديعة :

مَطَرٌ يَذوبُ الصَحوُ مِنهُ وَبَعدَهُ**

صَحوٌ يَكادُ مِنَ الغَضارَةِ يُمطِرُ


غَيثانِ فَالأَنواءُ غَيثٌ ظاهِرٌ**

لَكَ وَجهُهُ وَالصَحوُ غَيثٌ مُضمَرُ

فبالله عليك أخبرني كيف يذوب الصحو من المطر؟!، وهل سبقك إليها شاعر عربيّ أو أعجمي!!.

أما هدى فخر الدين فدرست حداثتك عبر مصطلح الميتا نقد، وهو مصطلح يعني موقف الشعر من الشعر في الشعر!، وهي آخر ما كُتِب عنك وأجوده، وقد كتب دراستها بالإنجليزية، ونالت بها الدكتوراة في جامعة جورج تاون، وترجمت أخيرا إلى العربية.

ثلاثة ليالٍ مع أبي تمّام الطّائيّ!475529644725436.44


كل هذا بسبب قولك "جهمية الأوصاف"، فيا حبيب، أخبرني بالله عليك كيف أوحي إليك أن تشبهها بذلك، أم أنها عبقريتك وبلاغتك التي عرفنا!!

وللحديث معك بقية سأتمها قريبا !








ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عامر أبومحارب

تدوينات ذات صلة