“إذا علّمت امرأة فأنت تعلّم أسرة، وإذا علمّت فتاة فأنت تعلّم المستقبل” - الملكة رانيا العبدالله.
قد لا تكون النظرة السائدة للمجتمع تجاه المرأة نظرة تحفيزية وتشجيعية وقد يجهل البعض، حتى الآن، أهمية المرأة في المجتمع ودورها التوعوي والتربوي في نشأة الأجيال، وهذا ما قد يساهم في تخلّف مجتمعات عن أخرى تؤمن بضرورة المرأة لبناء مجتمع يتمتع بأساس سليم. ولطالما طال الحديث وكثرت الآراء حول قضايا المرأة، فشغلت الكبير والصغير، على أمل أن تؤتي كثرة الأحاديث ثمار المستقبل الذي يضع المرأة في منصبها التي تستحق. وبالنظر إلى حال المرأة في هذا العصر، نجد أن هنالك تطور ملحوظ في حقوق وقوانين تمكين المرأة في المجتمعات. فأصبحت تتقلد مناصب معينة كانت حكراً على الرجال فيما مضى، ونجد أنها بدأت تؤمن بنفسها فوجدت من التعليم باباً واسع الأفق دخلته لتثبت ذاتها… لذاتها.
ورغم هذا كله، نجد أن هنالك عدة قضايا لا زالت عالقة، بدايةً من التفرقة العنصرية في العمل من تفاوت الأجور والفرص المتاحة، ونهايةً بفكرة وجود المرأة “الحاضرة الغائبة” في أوساط العمل الذي قد يمنعها أحياناً من إثبات ذاتها والوصول لشهرة مرغوبة من خلال عملها. ولعل وجود مثل هذه القضايا لا ينفي تحقيق المرأة العربية نجاحات مختلفة، إلا أنني أردت تسليط الضوء عليها من أجل التوعية. حيث إنه لا زالت هنالك فئة تجهل أهمية مثل هذه القضايا بالنسبة للمجتمع، كما أسلفت.
وهكذا، فإنني رأيت في قصة المصممة الجرافيكية سارة الحديثي مزيجاً من تحديات امرأة في خوض قضايا تلامس واقعها، وقدرة على إثبات الذات والمواجهة. وكذلك أحبت سارة أن تحدثنا عن تفاصيل رحلة نجاحها في مجال التصميم الطباعي، فشاركتنا من خلال مقابلة لنعرف عنها المزيد:
من هي سارة الحديثي وكيف بدأت مشوارها في عالم التصميم؟
أنا مصممة جرافيكية (Graphic Designer) زوجة وأم. أجد في التصميم والتشكيل الإبداعي شغفي، وعلى وجه الخصوص التصميم الطباعي الذي كان يرافقني منذ صغري، حيث إنني تربيت في بيئة ثقافية، كانت والدتي صحافية في واحدة من الصحف العراقية، فلكِ أن تتخيلي كم كان منزلنا مليء بالمجلات والصحف باختلافها، وخصوصاً مجلات الأطفال التي حاولت والدتي أن تحثنّا على القراءة من خلالها، ولكن لم تكن القراءة السبب الذي جذبني لهذه المجلات، إنما أغلفة الكتب بتنوع أشكالها وألوانها. وظلّ هذا الشغف بداخلي حتى الكبر فبعد إنهائي للمرحلة الجامعية في بغداد انتقلت للعيش في الأردن وتوفّر لي عمل في دار للنشر ومن بعدها قررت أن أتخصص في مجال التصميم، وبعد سنوات من العمل قررت أن أنشئ عملاً خاص بي على منصة الانستغرام.
لماذا قررت العمل وفضلتيه على الجلوس في المنزل؟
لأنني أؤمن بالنجاح والتفوق، خاصةً للمرأة. فأجد أن المرأة لديها الكثير لتعطي عندما يكون الموضوع هو العمل والاجتهاد. ولا أعني بذلك أن ربة المنزل أقل اجتهاداً من تلك التي تعمل، ولكنني أرى في العمل المهني ميزة وطعم مختلف أتوق إليه شخصياً.
كما ذكرتِ أنت زوجة وأم، فكيف استطعتِ أن توازني بين عملك ومهامك في المنزل؟ نظراً إلى أن التصميم الطباعي يتطلب نوعاً من الإبداع؟
في البداية لم يكن سهلاً على الإطلاق. كنت أحاول أن أوازن بطريقة لا تؤثر سلباً بالذات على عائلتي، فكانت هذه الحالة متعبة بالنسبة لي، أجلس مع أطفالي في الصباح وبعدها أعمل، لأعود مرة أخرى لهم وعقلي مليء بالأفكار التي تتزاحم بين احتياجاتهم وبين عملي الذي يحتاج حساً فنياً وإبداعياً. في العطل، كنت أتجنب التفكير في العمل وأكرّس وقتي بأكمله لعائلتي.
كونك امرأة في هذا المجال، هل ترين هنالك تفرقة عنصرية اتجاه جنس المصمم، امرأة كانت أم رجل؟
نعم هنالك تفرقة بالطبع، نظراً إلى أن ليس جميع الأفراد على معرفة واطلاع بمسألة العدل والمساواة بين الرجل والمرأة. وقد يرى الكثيرون أن الرجل على ضمانة أكثر للعمل لأنه لا يتحمل المسؤوليات التي تتحملها المرأة، وهذا ما ينتج عنه تفضيل بالأجور وبالمناصب. ليس ذلك فقط، بل ويربطون فعالية إنتاجية المرأة بعاطفتها وينقصون من شأن ما تقدّمه. يؤسفني هذا النوع من التفكير، لأنه محدود جداً وكأنه ينظر للمرأة على أنها الاستثناء والرجل هو القاعدة في الحياة! متناسيين تماماً عن أهم النساء اللواتي سطّر التاريخ أسماءهن مثل ماري كوري، الملكة فكتوريا، زها حديد، والعالمة سميرة موسى وغيرهن وغيرهن من النساء اللواتي أثبتن للعالم بأكمله قدرة المرأة على تحقيق ما تشاء.
نجاحك سارة… جهود شخصية أم بيئة محفزة وصانعة؟
أستطيع أن أقول أن جهودي الشخصية قد تظافرت مع البيئة التي انتقلت إليها لاحقاً وهي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث رأيت تطورات في حياتي، أما البيئة العربية لم تقدم لي ما كنت أحتاج لتنمية ذاتي وقدراتي بالطريقة التي أريد. وهنا أريد أن أتوقف برهة لقول أن معظم بلداننا تفتقر لمقوّمات الدعم والتحفيز للطاقات الشبابية للأسف. ونحن على أمل أن يتغير هذا الوضع يوماً ما، خاصةً مع ارتفاع الوعي لدى شباب اليوم حيث من الممكن أن يصبحوا قادة المستقبل الذي نأمل. ولكن، ولولا جهودي الشخصية، لما كانت البيئة لتساهم وحدها في النجاح. وبالنسبة لي، فأنني أؤمن بعبارة “أينما تضعك الحياة.. أزهر” فمهما كانت الظروف والبيئة، لا بد لنا من تزويد جهودنا الشخصية واستغلالنا لما نملكه الآن بين أيدينا وشيء فشيئ سنحقق الأعلى.
هل واجهت رفض معين من قبل الأهل حيال الظهور الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي؟
لم أواجه هذا الشيء لأنني ترعرعت في عائلة تقدّر مكانة المرأة وأهميتها إن كان والدي أو والدتي وحتى بعد ذلك زوجي. كانوا خير الداعمين والسند لي. ومن هذه النقطة أريد أن أقدم نصيحة للفتيات باختيار شريك حياة على أسس واضحة حيث يكون لها داعماً ومحفزاً يرى نجاحه بنجاحها، لإنها تستحق..
نهايةً، ما هي رسالتك والنصيحة التي ممكن أن تقدميها للمرأة العربية؟
رسالتي للمرأة هي "آمني بحلمك" أنت تستطيعين وأنت قادرة على تحقيق ما تشائين عندما تؤمنين بحلمك. لتكن السماء سقف أحلامك، لا شيء مستحيل إذا كان الإيمان بداخلنا. كما وأنني أشجعك على الابتكار، فالابتكار سر النجاح، ابحثي دائماً عن الفكرة التي تمس حياة الناس ولتكن لكِ بصمة خاصة ومتفردة بكِ أنت، بعيداً عن التقليد فاستنساخ التجارب يفقدكِ الإبداع والتقدّم.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات