كيف تستطيع مواقع الإعلام الاجتماعي ومحركات البحث، معرفة بيانات خاصة جداً عنا، وماهو حجم تلك البيانات؟ وكيف نستفيد منها في التسويق

كثيراً ما نصادف إعلانات لمنتجاتٍ أو خدمات كنا نود اقتناءها، رغم أننا لم نبحث عنها على الإنترنت!، لكن فيس بوك أو غيره من منصات السوشال ميديا، قام بعرض ذلك الإعلان علينا

ونُقل لنا كثيراً عن أصدقائنا الذين عُرض عليهم اقتراحات صداقة أو متابعة، لأشخاص قابلوهم بالصدفة في مكان ما، أو أنهم يعرفونهم منذ فترة طويلة

ولنحدد الفكرة بشكل أكبر، يقترح لنا يوتيوب بشكل مستمر، مقاطع مصوّرة تعليمية أو أغانٍ ربما تعجبنا، وغالباً ما تعجبنا!

فكيف يحدث كل ذلك!


بدايةً علينا معرفة أن تواجدنا على السوشال ميديا أو محركات البحث، يشكل علاقة بين طرفين، إما أن نتواجد كمستخدمين، وهذا يعني أننا جمهور مستهدف لعلامات تجارية نهتم بمنتجاتها/خدماتها، أو أننا أصحاب أنشطة تجارية نود توجيه الإعلانات إلى المهتمين بما نقدمه من خدمات ومنتجات

فالمعلنين _أصحاب الأنشطة التجارية_ بإمكانهم عرض إعلانتهم لمستخدمي منصة التواصل الاجتماعي، واستهدافهم بدقة كبيرة عبر تحديهم وتقسيمهم إلى 3 طبقات:

1- البيانات الديموغرافية (العمر، الجنس، اللغة، الموقع الجغرافي..إلخ)

2- الاهتمامات (المهتمون بالرياضة، المهتمون بالموسيقى..إلخ)

3- السلوكيات (الأشخاص الذين يسافرون باستمرار، العائدون من رحلة سفر في آخر أسبوعين، وغيرها من السلوكيات)

وفي تلك الحالة، يتمكّنُ المعلنون من عرض إعلاناتهم على الفئة المستهدفة بشكل دقيق، وذلك في حال توظيفهم لتلك الخيارات الضخمة جداً، والتي توفرها منصات السوشال ميديا

مثل: الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم من 20عام إلى 45 عام، الموجودون في ألمانيا والذين يتحدثون اللغة العربية والمهتمون في الإدارة، والذين يملكون أجهزة جوال باهظة الثمن!!

لكن السؤال:

كيف تعرف منصات التواصل الاجتماعي كل تلك المعلومات والبيانات عنا؟!

بعيداً عما يتداول حول استخدام بعض المنصات _مثل فيس بوك_ للميكروفون الخاص بك والموجود في جهازك للتنصت على أحاديثك وبالتالي عرض الإعلانات الملائمة لك، سأشرح عن الأمور البسيطة التي تمكن تلك المنصات من معرفة احتياجاتك واهتماماتك وسلوكياتك:


أولاً: نظام التوصية recommendation system

يعمل نظام التوصية معتمداً على نظام التقاطعات بعرض الإعلانات التي قد تهمك، فمثلاً:

- إذا كنت تتابع باستمرار قناة اقتصاد الكوكب، وتتابع أيضاً قناة الزتونة وأخضر، وكان شخصٌ ما يتابع أيضاً تلك القنوات الثلاث ويتابع معها قناة باختصار!، فأنت غالباً ستُعجب بقناة باختصار التي أعجبت تلك الشخص، وبالتالي سيعرض يوتيوب عليك مقاطع مصّورة لقناة باختصار

- إذا كنت تتابع قناة باختصار بشكل مستمر، وتشاهد معظم الحلقات التي تصدر عنها، فأنت غالباً مهتم بالفيديو القادم الذي ستنتجه، حتى لو كنت غير مشتركٍ في القناة، سيقوم يوتيوب باقتراح المقطع الجديد لك!

وكل تلك التحليلات يقوم بها الذكاء الاصطناعي، معتمداً على التقاطعات


ثانياً: تحليل سلوكك على المنصة!

عندما تقوم منصة التواصل الاجتماعي _ولنفرض هنا مثلاً فيس بوك_ بعرض إعلان لك متعلق بالرياضة، وتقوم بتخطي ذلك الإعلان بسرعة بدون قراءته، فسيقوم عندها فيس بوك بعرض إعلانٍ لك من اهتمامٍ آخر ربما يعجبك، مثل إعلانٍ عن برنامج مهم في التسويق، وعندما تتوقف عند الإعلان لعدد من الثواني بدون أن تقوم بتخطي الإعلان ورفعك للصفحة لمتابعة منشورات أخرى، فأنت حسب ذلك تقوم بقراءة المنشور، وكلما زاد الوقت الذي تقضيه عند الإعلان دون تخطيه، يعني أنك تقرأ أكثر، أو إذا ضغطت على زر قراءة المزيد، فأنت مهتم بقراءة المنشور وتتابع قراءته، وعندها سيعرف فيس بوك أنك مهتم في التسويق، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تحليلات الذكاء الاصطناعي تكون معمقة أكثر، فإذا ضغطت على الصفحة التي نشرت المنشور وقضيت فيها عدد من الدقائق وتصفحت عدة منشورات، فهذا يعني أنك مهتم بدرجة أكبر بهذه الخدمة!، وعندها سيعرض فيس بوك إعلانات أكثر لك متعلقة بمجال التسويق، وإذا أردنا الغوص في تفاصيل التحليلات، فكل تفاعل تُحدِثه مع الإعلان، تقوم بتعريف اهتماماتك وسلوكياتك لفيس بوك أكثر!، فإعجابك بالصفحة هذه، وإعجابك في العديد من الصفحات المتعلقة في نفس المجال، يعني أنك مهتم بدرجة كبيرة فيه، أما إعجابك في صفحة واحدة من هذا المجال، فربما يكون اهتمامك أقل، خصوصاً إذا كان صاحب هذه الصفحة، هو صديقك على فيس بوك!!!!


ثالثاً: نظام التموضع العالمي (GPS)

كلنا نستخدم خدمة خرائط غوغل، التي تمكننا من التنقل من مكانٍ إلى آخر، ولا يمكننا الاستغناء عنها، سواء عند السفر، أو حتى عند رغبتنا في زيارة الأصدقاء والأقارب

لكن تلك القطعة المعدنية الموجودة في أجهزتنا الجوالة، تُمكن كل التطبيقات التي تملك الإذن في الوصول إلى GPS من معرفة مكانك، والأماكن التي تزورها باستمرار، والأماكن التي تقضي فيها أوقات طويلة، وبشكل منتظم!

كل تلك المعلومات عنك، تشكل بيانات لاتقدر بثمن، تستطيع استخدامها منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث في أعمالهم التسويقية

فمثلاً: إذا كنت تزور مدرسة ابتدائية بشكل مستمر ومنتظم، كل 5 أيام تقوم بزيارة المدرسة في الساعة 8صباحاً ولمدة 5دقائق، ثم تغادرها وتعود إليها بعد عدة ساعات لتقضي هناك 5دقائق أخرى، وعمرك في الثلاثينيات، فهذا يعني أن لديك طفل تقوم بتوصيله إلى تلك المدرسة، وهنا أنت عميل محتمل للمعلمين الذين يقدمون دورات خاصة في المنزل، أو المكتبات القريبة منك، والتي قد تبيعك حقيبة للطفل أو مجموعة دفاتر ومستلزمات للدراسة!


وليست هذه المصادر هي المصادر الوحيدة التي تمكن المنصات من معرفة اهتماماتك وسلوكياتك وبياناتك الديموغرافية، بل الأمر يصل إلى استخدامك للشبكة اللاسلكية واي فاي، واستخدامك للبلوتوث والكاميرا ومسجل الصوت وغير ذلك، لكني ذكرت أهم الأمور التي ربما لن تخطر في بالك


وفي النهاية، حاولت في هذا المقال أن لا أذكر تقديمك الطوعي لمعلوماتك وبياناتك، وأحاول أيضاً تحذيرك من ذلك لرفع أمانك الشخصي على الإنترنت، فمشاركتك لهاتفك المحمول وبريدك الإلكتروني وموقع منزلك ومقر عملك وتحديد أقربائك والأماكن التي تزورها والأماكن التي زرتها، كل تلك المعلومات نقدمها إلى منصات التواصل بدون أن نشعر!، ولا أقصد هنا أن لاتتواجد على منصات التواصل الاجتماعي أو لا تستخدم محركات البحث، بل أقصد أن تأخذ حذرك من مشاركتك لمعلومات شخصية، مثل هويتك الوطنية أو رقم جواز السفر أو البطاقة الإئتمانية، وفي حالات معينة ربما يضرك مشاركة مكان عملك.

وسأتركك مع سؤال مفتوح، أتمنى أن تشاركنا إجابته:

هل يمكن للذكاء الاصطناعي، تحديد المنشورات والإعلانات التي تظهر لنا لمدة طويلة، ليخلق لدينا وجهة نظر واحدة حول قضية معينة!!!

يوسف علبي

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

أعتقد أن الذكاء الاصطناعي قد سبق و اتخذ وضعية مرموقة في عوالم التواصل الاجتماعي، مما جعل تأثيره على قراراتنا كبير، حتى و لو لم نتقبل الإعتراف. ولكن، و على الرغم من ذلك، أشعر بأن استخدام الأفراد للذكاء الاصطناعي سيتطور ليشمل فئات مختلفة، مما سيجعله أداة متواجدة بيد الكثيرين، و ربما سيصبح اقناعم (أو التحايل) عليهم أصعب..
و لكن من يعلم، ربما سنصل إلى مرحلة تصبح فيها كل تعاملاتنا مبنية على الذكاء الاصطناعي و نحن من نتحكم بما نريد رؤيته (أو ما نريد أن يظن بعض الأطراف أننا نريد رؤيته)..

مقال مميز و يستحق القراءة!

إقرأ المزيد من تدوينات يوسف علبي

تدوينات ذات صلة