لقد فقدت هذه الفتات السمع لكن الله عوضها قلبا سليما مشعا بنور الله فبث الامل في قلوب الاصحاء


كل صباح تمر بجانبي في رواق المستشفى فتاة في مقتبل العمر فأسلم عليها فترد بهمسات هادئة ترسمها ابتسامة من ثغرها الصغير وبريق في العيون يحمل صدق المشاعر و إشراقة روح طاهرة تحتويني وتحلق بي في فضاء الحب الذي يهبه الله للقلوب كل هذا يحدث في تلك اللحظات دون أن تتحرك الشفاه لأن كلام القلوب سبق كلام الشفاه و بقيت على هذا القدر من الاتصال بهذه الفتاة فالظرف الذي كنت فيه لا يسمح بأكثر من ذلك .

وفي يوم خروجي من المستشفى صادفت فتاة أخرى تبكي بشدة وترتجف كالحمام الذبيح في غرفة وحدها فسأني هذا المنظر فرحت أخفف عنها هذا الألم ومن جهة أخرى أتألم عندما أتذكر أنني سأخرج في هذه اللحظات ولو كنت باقية لكانت فرصة احتوائها أطول وفي هذه اللحظات تدخل الفتاة الناطقة بقلبها فسررت لذالك وقلت لها إن هذه الفتاة هي أختك في الإسلام وهي متألمة بسبب مرضها وغربتها فأرجو أن تأنسي وحدتها خاصة أنك فتاة مثلها فضمت الفتاة الناطقة بقلبها أختها المتألمة وقالت لها إن الله معنا يؤنس وحدتنا وهو الذي يشفينا ويمدنا بحبه فلا تحزني ثم تحولت بعينيها نحوي لتقول لي إنني أحبك في الله لكن هذه الكلمات كلها كانت بلغة الصم البكم فقد كنت في تلك اللحظات أزلزل من داخلي ألما ليتفجر بركان الدموع من عيوني على الرغم من حبسها عندما كنت أمامها لكنه تفجر داخلي في كل أحشائي فشعرت بحرقة وألم شديد لأنها كانت صماء ولم أدري هذا من قبل فقد كانت حركاتها وهمساتها متطابقة مع رد السلام بصوت هادئ ثم خرجت من الغرفة بخطى ثقيلة وفجرت بركان الدموع المحبوس فسال الدمع الغزير

وقلت: آه كم فينا قلوب تحجرت وسعت فسادا وهدم

وصاغت كلاما أفسد العسل لأنه سم

و أرسلت بكلام لسانها السهم ثم السهم

فعجبت لسهم الكلام قاتل هو و ما أدمى

فكم من أصم هو خير من فصيح اللسان وأسمى

وبعد التأمل مطولا قلت في نفسي قد أشفقت على هاته الفتاة لكن الله أرحم بها مني فسبحان المانع المعطي فلقد منعها النطق والسمع لحكمته البالغة ومنحها قلبا سليم محبا لله محبا لخلقه فكان ذلك نعم العطاء فالله لم يرد أن تتلوث مسامعها وأن تنطق ما لا يرضيه فحفظ لها سمعها ولسانها وأمدها من ينابيع القلب السليم الذي لا يضخ إلا الإيمان بالله وحبا صادقا لا زيف فيه ونقاء سريرة فأنا أحمد الله الذي جعل مع كل محنة منحة علمها من علم وجهلها من جهل وأسأل الله أن يصم أذاننا وأن يبكم ألسنتنا على مالا يرضيه وان يرزقنا القلب السليم.


نور الحق

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف الأمل

تدوينات ذات صلة