يمكننا تبسيط التفكير البشري من خلال وصفه بأنه سلسلة من الخوارزميات، إن استطعنا تحديد الخوارزميات العقلية وإدخالها إلى الحاسوب لنحصل على نسخة للعقل البشري

بات ينظر إلى عملية التفكير بأنها خوازميات متتابعة تماما كالحاسوب، فإذا أمكن الكشف عن الخوارزميات الضابطة لتفكيرك فإنه يمكن نظريا برمجة آلة تفكر بذات أسلوبك وتتخذ قرارات تتفق مع منهجيتك، في هذا المقال سنناقش كيفية الكشف عن الخوارزميات الذاتية للتفكير بما في ذلك أهم التقنيات المتبعة لتحقيق هذا الهدف، وما تبعات أن يكون لكل واحد منا آلة أو برنامج يناظره في التفكير؟

أداة الذكاء الاصطناعي مقدمة للنظير الآلي الذاتي

سطعت أداة الذكاء الاصطناعي لتحوز على المشهد الحالي، ذاك أنها تستطيع أداء المهام الفكرية المعقدة، وبالرغم من أن تنفيذ العمليات الحسابية المعقدة كان من أوائل المهام المنوطة بالحاسبات والتي فاقت القدرات الحسابية لمخترعيها حتى اشتق اسمها منها فقد تأخرت قدرات الحواسيب عن مواكبة الركاب اللغوي البشري، وبقيت قاصرة على جمع المعلومات وفهرستها وترجمتها..

طمح البشر لآلات تفكر، تفهم، تحلل ما وراء الكلمات وتربط الأفكار وتخلص إلى القانون مستنتجة العلاقة المنطقية الرابطة بين الظواهر، آلات تعيد صياغة المعلومات المجمعة وتعرضها في سياق متناسق.

نظريا ومن حيث المبدأ يعتبر هذا هدفا ممكنا، لأن الرياضيات ما هي إلا لغة منطقية مشفرة، لقد اشتقت الرياضيات من العلاقات المنطقية في اللغة واتخذت شكلا رمزيا بسيطا.

إن التعقيد الذي نلمسه في اللغة ناتج عن تطبيق مئات الإجراءات على الحدث المعالج فيما يصلح عليه بالخوارزميات.

الخوارزميات: سلسلة من التعليمات. أو لنقل سلسلة من الإجراءات المتتابعة، كل نتيجة عن الإجراء السابق توجه إلى إجراء جديد مختلف عما إذا كانت النتيجة مغايرة.



بإمكاننا وصف التفكير بأنه سلسلة من الإجراءات المتتابعة، فطبيعة النتيجة عن إجراء سابق تحدد الإجراء التالي.

تختلف الخوارزميات من شخص لآخر، لنصمم مثالا افتراضيا يوضح هذه الفكرة: تشكيل انطباع جيد أو سيء عن شخص

سنفترض أنه توجد عدة إجراءات تخضع لها المعلومات الواردة على أساسها نصل للنتيجة الحاسمة.

الإجراء الأول: هل هذا شخص مألوف أم غريب؟

على حسب هذا الإجراء يوجد احتمالين فقط، بعض الإجراءات قد تتعدد خياراتها بشكل كبير مما يزيد من تعقيد العملية.

في حال كانت نتيجة الإجراء الأول الإيجاب فإن هذا سيحفز إجراء مختلفا عما إذا كانت نتيجته السلب

و عند هذا المفترق سنبدأ بتتبع مسارات شجرية تتشعب عند كل إجراء.

نعطي الإجراء المتخلق عن نتيجة الإيجاب رمز ٢/أ: هل الذكريات التي تربطكما سيئة أم جيدة؟

قد يكون لدى شخص آخر إجراء مختلف عند هذه النقطة مثل: ما مدى درجة القرب بينكما؟

يختلف ترتيب هذه الإجراءات على حسب تراتبية الأولويات والتفضيلات الشخصية التي تهندس الخارطة الخوارزمية المتحكمة بالآلية الفكرية

إذا تمكن شخص ما من الكشف عن خارطته الخوارزمية فإنه نظريا قادر على برمجة آلة مزاجية توافق مزاجه، وبالتالي فبالإمكان التنبؤ بسلوكه في موقف افتراضي والكشف عن اخياراته عند أحد العروض.

بالفعل هذا ما تحاول البرامج فعله من خلال جمع المعلومات عن مستخدميها وبناء خرائط خوارزمية عامة أو شخصية ترشد الشركات إلى أساليب تحفز الاستهلاكية للعملاء.

اللاوعي لبناء هيكلة الخوازميات للنظير الآلي

معظم الناس ليس عندهم وعي بذواتهم، بل لديهم تفسيرات خاطئة لسلوكهم، ويميلون إلى تبني أهداف نبيلة تبرر سلوكياتهم مع إغفالهم للدوافع الحقيقية، فالكشف عن الهوية الذاتية من خلال طرح الأسئلة الشخصية لا تعتبر وسيلة دقيقة، فالكثيرون لن يكونوا على يقين حيالها والأخرون سيدعون المثالية، وهذا ما يجعل مهمة بناء آلة شخصية تفكر كصاحبها مهمة شبه مستحيلة..

إنها مهمة مستحيلة إلا في استثنائين أن نعتمد على أشخاص امتلكوا وعيا عميقا بذاتهم وعلى استعداد أن يشاركوا العلم خصوصياتهم بصدق وصراحة، أما الحالة الثانية فك الشفرة الخوارزمية بالاعتماد على اللاوعي، طورت عدة تقنيات لتمييز الإشارات الصادرة عن الدماغ مما يمكننا من ترجمتها ومن ثم التعامل معها، لأنه بمجرد أن تكشف لنا أي لغة عن رموزها، ونمتلك قاموسا يقرن بين المعاني المتناظرة في اللغتين فإنه سيسهل التعامل معها ببساطة كما نتعامل مع أي مخطوطة مكتوبة تقع في أيدينا، هذا هو ببساطة المبدأ الذي تعتمد عليه التقنيات لنزع ذاك الغطاء المصمت المحكم الذي يلف الدماغ وما يجري داخله بالكثير والكثير من الغموض، سخرت لهذا الغرض تقنيات كالرنين المغناطيسي الذي قفز بالطب قفزة عدت به قرونا من التخرصات التي تاهت في تلافيفه، إنه تقنية تأخذ صورة نابضة في البعد الثالث تظهر تفصيلا دقيقا لتناغم هندسي وظيفي، بحسب التفكير والشعور تتغير الملامح الداخلية للدماغ تماما كما تتغير ملامح الوجه في الأوضاع الشعورية المختلفة لكن بشكل أعمق وأكثر تباينا، لكن، بالرغم من الدقة العالية التي يتفوق بها على أي تقنية أخرى فإن التكاليف العالية تعوق دون استخدامه إلا في الحدود الطبية.

مخططة الدماغ الكهربية لاستنساخ التفكير البشري

حاليا تستخدم مخططة الدماغ الكهربائية على نطاق واسع في التقاط الإشارات الدماغية ومقارنتها بالحالات الشعورية، متميزة ببساطتها التي بلغت أن تتصل بجوالك متيحة لك عمل مسح كهربائي لدماغك في أي وقت وفي أي مكان، الصور البسيطة من هذا الجهاز عبارة عن حزام يحيط بالرأس أو ملاقط تتصل بالجهاز القارئ من خلال الأسلاك والجهاز القارئ قد يكون جوالك في حال حملت التطبيق، لكن يعيب هذا الجهاز محدودية وصوله إلى أغوار الدماغ العميقة، فإشارات الدماغ التي يتواصل بها عبارة عن تيار كهربائي، أن الكهرباء سريعة التبدد، وهذا ما يحول دون إرسالها لا سلكيا على عكس الموجات الكهرومغناطيسية، إن قدتنا على الكشف عن التيار الكهربي أقل بكثير من قدرتنا على الكشف عن الموجات الكهرومغناطيسية، يظهر ذاك جليا، من خلال أن العلم استطاع الكشف عن ذاك القدر الضئيل جدا من المجال المغناطيسي للجزيئات الحيوية المغمورة داخل الدماغ لكنه عاجز عن كشف تيار تساهم آلاف الخلايا العصبية في توليده، ذاك أن غلاف الميلين يحيط بالخلايا العصبية ليعزل الكهرباء عن الانتشار في المساحات البينية موجها اياها للسير في طرق معبدة من المسارات العصبية، إضافة إليه فإن العظام بطبيعتها الجبسية ( هذه معلومة بحاجة للمراجعة، لماذا العظام لا توصل الكهرباء) تصوغ طبقة شديدة العزل لا تسمح لنا بتحسس الضجيج الكهربائي الذي يعج داخل الدماغ، إذا ما الحيلة التي تلجأ إليها مخططة الدماغ لتجاوز الحجر المفروض على أسرار الدماغ؟ تسخر مخططة الدماغ العظام لتعمل كمكثف، المكثف: أحد العناصر الضرورية لعمل أي جهاز كهربائي، يعمل على تحفيز الكهرباء للقفز بعد أن تتجمع إلى حد يجعلها قابلة للقياس، ومع ذلك بقيت إمكانية حكرا على الخلايا العصبية المتاخمة للجمجمة، لذا فلا زالت قدرات مخططة الدماغ قاصرة عن بلوغ كافة طبقات الدماغ إضافة إلى ذلك فالمعلومات التي ترصدها عامة لا تتسم بالشخصنة الدقيقة كأن تختصر محتويات كتاب بعنوانه، ومع ذلك فقد ساهم هذا الجهاز بمساهمات طيبة في مجال تعليم الآلة ونحى بها منحى قياسيا في محاكاة التفكير البشري.

الأبعاد المستقبلية للنظير الآلي الذاتي

بناء على ما سبق، محاكاة التفكير الذاتي لأي واحد منا في طور حلم معلوم الكيفية مجهول الآلية، يعتمد تحققه على تطور التقنيات الراصدة لكهرباء الدماغ.

لكن، المسألة الأهم الآن، هل يستحق هذا الهدف تكبد الصعاب في سبيله؟ ما الفائدة المرجوة من استنساخ التفكير البشري؟ الأصل أن نطمح لاختراع آلات تتجنب مقارفة الخطأ مع تحري الدقة لا أن نكرر ما هو موجود ومتاح، يمكننا الإجابة على هذا السؤال من خلال الإجابة على أسئلة أخرى، لماذا تقف أمام المرآة؟ ولماذا تلتقط صورة لنفسك؟ إن النظير الآلي ما هو إلا طباعة لأفكارك، توجد أهداف عديدة تجعلنا راغبين في رؤية صورة تفكيرنا: لنتعرف على شكله وملامحه فندرك بذلك الفوارق الشخصية بيننا وبين الآخرين، لنصلح عوره، لنتذكر ماضيه ونرضي شعورنا بالحنين، وقد يوفر مساحة من المواساة لمن فقدوا أحبتهم تماما كما تفعل الصور والتسجيلات، إن اشتططنا بالخيال فقد نصل لبعض الفوائد التي تتجاوز تلك الفوائد التي تقدمها الصور ففي حالة العباقرة يمكن أن نسخر نسختهم الفكرية للتدريس التفاعلي القائم على المناقشة والأخذ والرد، ولا بد من أن اكتشاف الهندسة الفكرية للعقول الفذة ستمكننا من وضع أسس منهجية لتدريب الناس على العبقرية، لكن في المقابل وكأي تقنية أخرى ستخلق لنا مشكلات وليدة كانتهاك الخصوصية وتزايد الاتكالية وانتحال الأفكار وكشف الأسرار.

ختاما، إننا نتحدث عن حلم يعول على تطور التقنيات، إلا أننا إذا أمعن النظر، فنحن نعايش صورا بدائية لهذا الحلم الذي نتحدث عنه أو مجتزأة عنه، فما من برنامج أو تطبيق نتعامل معه إلا هو انعكاس جزئي للتفكير البشري، يمكن تشبيه هذا بتعبئة قنينة من ماء البحر، فالقنينة جزء ضئيل من البحر لا تكفي لنقل حيويته كعالم مليئ بالأسرار يعج بالحياة.



رقية طحان

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات رقية طحان

تدوينات ذات صلة