حين يخنقنا الوجع ولا نستطيع حتى أن نبوح به لأقرب الناس إلينا...


"تك... تك... تك"، أووف... رددتُ هذه الكلمة بملل ورفعتُ الغطاء عن جسمي ونهضت ببطء محاذراً إيقاظ زوجتي، وتوجهت للمطبخ وشددت الحنفية لأقطع صوتها المملل المتردد فوق غطاء الحلة المعدني ينقر رأسي ويحرمني من النوم... عدتُ لفراشي متثاقل الخطى، منحني الأكتاف ورفعت نفسي فوق سريري ملقياً رأسي فوق وسادتي وتعلقت عيناي بالنجفة تهتز بفعل الهواء وتتقلب، وأنا أتقلب، وأتقلب، وأتقلب...


"آآآآآآي..." صرخت وأنا أرمي عقب السيجارة على الأرض محرقاً أصابعي ومطلقاً سيلاً من الشتائم وزملائي ينظرون إلي بحذر وخوف من أن أهجم عليهم، لقد انتابتني نوبة غضب لا توصف، وقد قلبت صينية الشاي فوق الساعي، ارتميت فوق مقعدي ألتقط أنفاسي، وفجأة وضعت أمامي أوراق لاستخراج شهادة ميلاد وإثباتها بالقيود، نظرت للمراجع بوجهه الأحمر المتصبب عرقاً يمسحه بمنديل مرهق مبتسم ويشير بيده مقطوع الأنفاس "ثالث طفل..."، ألقيت في وجهه أوراق المعاملة ممزقة وأنا أصيح في وجهه "خلص... بكفي... جننتني... تالت ولد، تالت ولد، أقولك: بطّلت أشتغل، سكّرنا، تعال بكرة..."، لملم بقايا أوراق المعاملة مع مهانته وجرجر قدميه بالخيبة وترك الغرفة ورحل، صرخت في زملائي "شو..." ووضع كل منهم رأسه في أوراقه ونزعت مفايتح سيارتي، هرولت إلى الدرج مصطدماً بكل من آراه...


نظرت لوجهي في المرآة المنعكسة وأنا استمع لصوت المياه تتدفق من الحنفية تتطاير رذاذاتها وتبلل بيجامتي... دعكت ذقني وتركتها وأقفلت الحنفية... تحسست زوجتي ذقني وبدلال "I see، ربيت دقنك"، طبطبت على يدها مبتسماً ابتسامة ميتة وأزحتها وأدرت لها ظهري وأطفأت النور...


وقفت أمام قفص الأسود، رأيتها تزوم، وسمعتها هائجة، تناضل للحفاظ على مكانتها كملك للغابة من خلف القضبان، أدرت رأسي وقد سمعت لهو الأطفال وصراخ ضحكاتهم يتراكضون حول الأرانب يلهون بالعشب الأخضر...


جلست فوق سريري مواجهاً للمرآة، وجهي عابس، تهدلت جفوني وانتفخت عيوني وقد احتقن الدمع بهما، شددت شعري وعبثت بوجهي وبملامحه المجهدة، وعلا نحيبي واختفت ملامحي تحت غبار الدمع الثقيل، أنا أعرف أنني قد انتهيت وأنني قد مت الآن... أخذت أجهش، وأجهش بكاءاً، لم استطع التقاط أنفاسي، وضعت كفيّ أصم أذنيّ، صدى لهو الأطفال وضحكاتهم يصرخ: "عقيم... عقيم... عقيم...".


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شكرا جزيلا خديجة، كل التقدير...

إقرأ المزيد من تدوينات تجربتي... ريم القدح

تدوينات ذات صلة