فقه التربية وبر الابناء في ميزان العصر ،فقه الاولويات في التربية،وتطبيقات عملية لتحقيق الغاية المرجوه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ – التحريم(6)يقول الامام السعدي في تفسيره لهذه الايه: "( قو انفسكم واهليكم نارا ..): اي يا من منَ الله عليهم بالايمان قوموا بلوازمه وشروطه، ووقاية الانفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالا ونهيهه اجتنابا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب،ووقاية الاهل والاولاد بتأديبهم وتعليمهم، واجبارهم على امر الله فلا يسلم العبد الا اذا قام بما امر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والاولاد وغيرهم مما هم تحت تصرفه وولايته".في الاية الكريمة معنى مهم جدا يتعلق بمفهوم مسؤولية المسلم اتجاه اهله وعياله وخصوصا الدور التربوي للوالدين اتجاه ابنائهم، لتخبرنا ان المسؤولية لا تتعلق بالامور الدنيويه او جانب النفقة بل تتعدى ذلك الى الحياة الاخرة ووقايتهم من النار الاخره تماما كما تقيهم من النار في الدنيا،وبهذا المعني يشمل التربية الايمانية والفكر السوي.

أ. بر الابناء :بداية لا بد من مقدمات مهمة، لماذا خُلقنا؟قال تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)~ الذاريات (56)اذا الغاية من وجودنا منذ خلق ادم وحتى قيام الساعة هو معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له، وذلك بالمفهوم الواسع للعبادة،والذي يشمل كل قول او فعل او عمل -ظاهر او باطن- يحبه الله ويرضاه.

ولكننا ننسى!!

العصر الذي نعيش فيه اليوم _الا من رحم ربي_يغلب عليه افات كثيرة اهمها: الغفلة، انتشار الفتن، كثرة المشتتات، وطغيان المادية وعلو قيمة المادة على حساب الانسان. وهذه العوامل كفيله بأن تغطي الفطره، وتحرف البوصلة عن علة وجودنا الاساسية، مما يزيد الصعوبة على المربين ويجعل المسؤولية عليهم اكبر في وقاية الابناء من تبعات ما يتعرضون له من فتن وشبهات وغلبة الشهوات خصوصا مع كثرة المشتتات ومصادر المدخلات وصعوبة السيطرة عليها، وتزايد هذا الامر وتطورة مستفبلا، لهذا يعتبر موضوع التربية الايمانية والفكرية للابناء اولوية قصوى وافضل ما يًبرُ به المسلم اهله وعياله . كيف ذلك؟


ب. محاسبة نفس:يا ترى كم من الامهات تقوم بإيقاظ ابنائها على صلاة الفجر،مقابل الالتزام اليوم وبمجهود لايقاظهم على المدرسة؟ ما مدى الانشغال بالمدرسة والجامعة والوظيفة والتكاثر والمأكل والمشرب والملبس والنادي الصيفي...الخ الخ، على حساب الاهتمام بالتربية الليمانية والنفسية والعقدية واعطائهم ما يحتاجونة حقا لكي يصمدوا امام سيل المشتتات والفتن التي تحيط بهم من كل اتجاه؟هل اصبح مفهوم التربية يتمحور حول الجانب المادي، حتى يستطيعوا في نهاية المطاف تأمين وظيفة لحياة كريمة مادية ايضا وفق نفس القوالب المكررة !!لنتأمل من جديد الاية في سورة الذاريات التي تبين علة وجودنا،ولكن هذه المره لنكمل الايات التالية لها، قال تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ(57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58).كما قال سبحانه في نفس السورة : وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ 22) فوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ – 23


نعم للاسف، انشغلنا بما تكفل الله لنا به عن ما خلقنا لأجله.


ج. ميزان:نعم يجب اعطاء الاولوية للتربية الايمانية لنضمن استقامة الاجيال وتغرس في نفوسهم تعظيم الله وشعائره،وبناء مؤمن مفكر يميز بين الخير والشر ولا يكون امعة للاخرين.استدراك مهم ، هل يعنى ما نقوله هو ان نهمل الاهتمام بامور الدنيا واعمار الارض ونتوقف عن السعي في الرزق ومتطلبات الحياة؟ بالطبع لا نعني ذلك ، ولانعني ابدا ان لا ننشئ الابناء ليكونوا مؤهلين للتمكين في الارض . بل على العكس تماما، ف طلب الرزق من اهم العبادات التي يُبتغى بها وجه الله تعالى ، ففي سورة المزمل قال تعالى ۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)ففي هذه الايه فقد سوى الله تعالى بين المجاهدين والساعين لكسب المال الحلال للنفقة على انفسهم وعيالهم.قال رسول الله ﷺ: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز... وانما الذي نقصده هو تحقيق الاعتدال والتوازن وفقه الاولويات في التربية وفي امور الحياة عموما.

والميزان هنا امران تحققها النفس وتنعكس على التربية:

1. الميزان القلبي وهو النية في كل قول وفعل.

2. الميزان العملي او السلوكي ويشمل صلاح العمل ، وتحقيق الاعتدال وعدم الاسراف ،والاخذ بأسباب تذكر غاية وجودنا الاساسية وربط اعمالنا بالاخرة.

فنسعى قدر المستطاع، أن لا تكون الدنيا اكبر همنا كما علمنا الرسول في الدعاء (اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا)، فتصبح الدنيا وسيلة لا غاية، وممر لا مستقر كما امرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل). فنأخذ من الدنيا ما يعيننا في رحلتنا الى دار القرار في الجنة ان شاء الله، دون افراط ولا تفريط، وان تكون الدنيا في ايدينا وليس في قلوبنا، ف نسدد النوايا ونصلح الاعمال ويصبح كل عمل نقوم به مرتبط بالاخره، فلا يشغلنا ما نريد عن ما نحتاج. فتكون اولويتنا أن نؤدي حق الله في انفسنا وتربية اولادنا من عبادة وعلم نافع خصوصا ما لايسع المؤمن جهله من امور الدين والعقيدة فنعلم ابناءنا الصلاة ونربطهم بالقران، ونسعى ايضا في طلب الرزق وتأمين المأكل والمشرب والترويح عن النفس وطلب العلم الدنيوي واعمار الارض بمعيار الوحي.

د. سابغات:نأتي الان الى التطبيقات العملية، كما اسلفنا سابقا في وصف الموجة المادية والالحادية ووانتشار الفتن والشبهات والتباس الحق والباطل، كيف نحصن ابناءنا في مواجهة كل هذا والهاية للحق والثبات عليه : 1. الدعاء للنفس والابناء والاهل بأن يثبتنا الله قلوبنا على الدين والهداية للصراط المستقيم، ف والله ما من احد مستثنى من الفتنة الا ان يتغمدنا الله برحمته ويثبت قلوبنا. وعلمنل الرسول صلى الله عليه وسلم دعاء" اللهم اني اعوذ بك من عذاب النار و عذاب القبر واعوذ بك من فتنة الدنيا وفتنة والمحيا والممات وفتنة المسيح الدجال".

2. الاعتناء ببناء العقيدة السليمه، وتعزيز الارتباط بالاخرة وتحقيق معاني العبودية ومحبة الله ومعرفته، واهم مصدر لذلك هو القران الكريم، فليكن في الجدول ورد يومي للطفل مع القران الكريم يتعلم فيها اية واحدة على الاقل.

3. القدوة الحسنة، يكون الاهل قدوة لابناءهم فالطفل يتعلم بالتقليد اكثر من التلقين، كما يجب التوقف عند القدوات التي يتخذونها ونووجهم ، من هو قدوتي حقا؟ وما مفهوم النجاح الحقيقي اصلا؟؟

4. صقل مهارات التفكير السليم، وكذلك التعبير بحرية والاجابة عن تساؤلاتهم مهما كانت وتنمية ملكة البحث والتعلم.

5. تخفيف المشتتات قدر المستطاع خصوصا الهاتف والايباد والتلفاز، وتأمين بيئة في البيت مطمئنة وهادئة .

6. الاكثار من المواد الايجابية التي تربطهم بالله، وتعينهم في وضع اهداف ورؤية لحياتهم وترتيب اولوياتهم بمعيار الوحي.

7. الاهتمام بالراحة والصحة كما يمليه علينا ديننا.

8. الترابط الوثيق بين الوالدين والابناء ومد جسور الصداقة والمحبة بينهم.

9. الاعتدال في النفقة وعدم تلبية كل ما يطلبة الابناء دون غاية واضحة و حاجة حقيقية.

10. الدعاء ايضا ودائما ، الهداية اولا واخرا بيد الله ، يهدي من يشاء، وقلوب العباد بين اصبعين من اصابع الرحمان يقلبها كيف يشاء. ف علينا تأدية المسؤولية والاخذ بالاسباب جميعها، والدعاء من اهم الاسباب، والله لا يضيع اجر من احسن عملا وتوكل عليه سبحانه. وقلوبنا تزيغ الا ان يثبتها الله. اسألوا اللله الثبات لانفسكم وذرياتكم أن يجمعكم في جنات النعيم بإذنه سبحانه ، كما اخبرنا في كتابه: ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) الرعد(23)( والذين امنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء كل امرئء بما كسب رهين) الطور (21)سابغات في اللغة تعني دروع واسِعَة طويلة واقية،

في النهاية ليس المطلوب هو محاربة مشاق الحياة التي تواجه الابناء في طريقهم بدلا منهم، لانها رحتلهم الخاصة وامتحانهم، ولكن المطلوب هو تحصينهم بدروع فكرية ونفسية وتربية ايمانية تحميهم وتعينهم للوصول بسلام. والسلام عليكم


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف عائلة

تدوينات ذات صلة