أحكي عن تجربة ملهمة مررت بها عن قريب حتى أنني لازلت أتعافى منها، استمتعوا بما فيها، عسى أن تنفعكم

كل إنسان لديه بداخله عدد من الشخصيات

يبرز فقط من يُغذيه

يغذيه بالتعرض لما يناسبه او ربما بإنكار ما لا يناسبه

الشخصية الفكاهية مثلًا التي تشتغل داخل بعض الأشخاص ذلك لأن صاحبها يقود دفة الحياة نحو الفكاهة وحسب

يتعرض ليلًا نهارًا لمواقف مضحكة عن عمد أو عن غيره؛ أصحابه سيكونون كذلك، لن يترك موقف إلا وترك فيه مزحة ما

هكذا هو يُغذيه بأفعاله وباطن عقله

وهكذا الحال مع كل الشخصيات الآخرى


في عام 2019 نُشرت الرواية الأولى لي؛ بعنوان " السجين "، اتبعتها مباشرة بكتابة الرواية الثانية حتى أنهيتها في سبعة أشهر

حتى الآن الأمر طبيعي

لكن ما ان وصلت للنهاية حتى شعرت أن هذا العمل سيء جدًا ويصل للرداءة بما كان ألا أدفع فيه قرشًا واحدًا لو عُرض أمامي

والحقيقة المُرة أنني عدلت وأضفت وقمت بإلغاء أجزاء كثيرة لكن نفس النتيجة

هذا العمل لا يرقى لإن يقرأه أحد

ظللت في دوامة التعديل والنقد أكثر من عام؛ أكثر حتى من الوقت الذي أمضيته في كتابتها أصلًا

ضاعت فرصة نشر الرواية لأنني لم أخبر أحدًا في العالم أنني قمت بتأليف الرواية الثانية

لم تكن الأيام تمر بسهولة او حتى نسيان بل ظل الأمر يتضخم يتضخم حتى صار صعبًا علي أن أفكر في جملة واحدة لأضيفها لما كتبت


ثم جاءت نصيحة عابرة كان مفادها :

ربما يراك الناس أفضل مما ترى نفسك

وعليها قررت أن أرسل الرواية لعدد قليل جدًا من الأصدقاء المقربين وانتظرت رأيهم

ليس كثيرًا

لأن الأول منهم أنهاها في ثلاثة أيام

عظيمة

كانت هذه رسالته

الثاني قال :

عيناي أدمعت لما حدث كذا....

تتوالى ردودهم المعبرة عن أن هذا العمل ليس بهذا السوء

ربما كانوا يجاملونني!!

فأرسلتها لشخص لا ود بيننا فكان رده أنها جيدة جدًا وتستحق الوقت الذي صُرف في سبيلها


عندها أدركت!

كنت أُغذي تلك الشخصية المُعقدة، شخصية الناقد التي كبرت وكبرت حتى ابتلعتني بداخلها

لم أكن أدرك ذلك؛ تغذيتي لها بمرة تلو المرة أخرجتها عن السيطرة، حتى لصارت تمنعني عن الإنجاز

بل صرت مُكبلًا لا حول لي ولا قوة أمام بعض أقل الاجتهادات بإعتبار أنني لن أستطيع أن أقدم شيئًا جيدًا


أصارع هذا الوحش الذي كَبر وتوحش بشراسة داخلي؛ أحاول ترويضه ليتقبل عدم المثالية، ليتقبل أنه لا كمال لأحد ولا لفكرة


كنت أصارعه بلا سلاح أما الآن إمتلكت أهم سلاح؛ المعرفة والإدراك

أدرك الآن أن الأمر ليس كما أرى في الغالب

أدرك الآن أن علي ألا أعطيه هذه المساحة الكبيرة

أدرك الآن أن الوقت ليس في صفي؛ بل في صفه إن أعطيت له الفرصة


ختامًا في رحلة التوازن بين الشخصيات في طبيعتنا؛ حاول أن تستمتع وتعطي كل شخصية الغذاء الكافي لجعلها تعيش وحسب


أي الشخصيات قمت بتغذيتها أكثر الفترة الأخيرة؟


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

شكرًا كتير يا أ. نواره
ربنا ينفع بكِ

مقال رائع أحببته بشدة!💙

إقرأ المزيد من تدوينات ابراهيم سالم

تدوينات ذات صلة