أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة بنجاح مهمتها الفضائية التي أطلق عليها اسم "الأمل"

من مركز "تانيغاشيما" للفضاء في جنوب اليابان في 20 يوليو من العام الماضي (2020م).بحيث تصبح هذه المهمة هي أول مهمة فضائية تقوم بها الإمارات، وأول مهمة عربية وخامس مهمة عالمية ناجحة إلى المريخ. ومنذ عام 1960م ، أطلقت البشرية عشرات البعثات إلى المريخ ومنذ أول رحلة طيران ناجحة في عام 1965م نجحت أربع وكالات فضاء في الوصول إلى المريخ هم: وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وبرنامج الفضاء للاتحاد السوفيتي السابق، ووكالة الفضاء الأوروبية، ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية. في حين أن آخرين ، بما في ذلك وكالات الفضاء في روسيا واليابان وحتى الصين حاولت القيام بمهام إلى المريخ أو القمر المريخي لكنها لم تنجح.

وبالرغم عدم وجود خبرة محلية إماراتية سابقة في استكشاف الفضاء، أو قدرة علمية في علوم وتكنولوجيا الفضاء، أو بنية تحتية مناسبة، تمكنت دولة الامارات من تشكيل فريق تشغيل وتنفيذ مكون 100٪ من الموظفين المقيمين والإماراتيين بمتوسط عمر أقل من 35 عامًا. لتنضم إلى مجموعة صغيرة من الدول التي نجحت في إطلاق مهمة للوصول إلى المريخ. ولتعطي رسالة أن العرب أصبح لهم مكان في الفضاء تم جعل العد التنازلي لإطلاق المسبار لأول مرة باللغة العربية لتصبح لحظة تاريخية لكتب التاريخ. ولكن بالنظر إلى هذه الاحتمالات المرتفعة في فشل تلك المهمة، وحقيقة أن مهمات المريخ تشتهر بمعدلات فشلها المرتفعة (حوالي 30٪ منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين)، أضف إلى هذا أنه غالبًا ما يفكر الكثير من الناس في استكشاف الفضاء عامة والمريخ خاصة على إنها مساعٍ مكلفة للفضول العلمي، مع القليل من الفوائد الفورية والملموسة هنا على كوكب الأرض. فلماذا هدفت الإمارات إلى المغامرة في استكشاف الكوكب الأحمر؟

تاريخيا تم استخدام البرامج الفضائية كمحفزات للتأثير الجيوسياسي ولإثبات التقدم في مجالات عديدة مثل المجالات العسكرية بين الدول. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين، بدأ صراع جديد المعروف باسم الحرب الباردة بين القوتين العظمتين في العالم - الولايات المتحدة الديمقراطية الرأسمالية والاتحاد السوفياتي الشيوعي. وابتداءً من أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، أصبح الفضاء ساحة درامية أخرى لهذه المنافسة، حيث سعى كل جانب لإثبات تفوق تقنيته وقوته النارية العسكرية ، وبالتالي نظامه السياسي والاقتصادي. ولقد كتب الميجور ليان زيفيتسكي، ضابط استخبارات القوات الجوية الأمريكية، في مقال لـ DefenseNews "أن الفضاء هو الأرض الجديدة المرتفعة في منافسة القوى العظمى ، ويجب على الولايات المتحدة تأمينه والحفاظ على تفوقها فيه". وعادة ما كانت تنفذ البعثات الفضائية في محاولة للبحث عن مميزات عسكرية واقتصادية للدول، قبل أن يسألوا كيف يمكن أن تمتد قيمتها إلى المجتمع الذي يقف وراءها. إلا أن مهمة مسبار الأمل قلبت هذا المنطق التقليدي. فقد نشأ مفهومها منذ البداية من السعي لإعادة توجيه مسار الأمة بشكل أساسي لتغير ثقافة المجتمع الإماراتي والعربي. فهدفت المهمة من خلال تصميمها وتنفيذها إلى تنويع اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة من الأنشطة التقليدية، بما في ذلك النفط والتمويل والمعمار، إلى خلق جيلاً عربياً شاباً نحو المهن العلمية وريادة الأعمال في التكنولوجيا المتطورة لتكون خطوة لامتلاك أدوات الثورة الصناعية الرابعة. أضف إلى ذلك القيمة العلمية والمجتمعية الأخرى لهذه المهمة، فمثلا سيقوم مسبار الأمل بدراسة الغلاف الجوي للمريخ وتجميع البيانات لإنشاء أول نموذج شامل حقيقي لنظام الطقس على كوكب الأرض. وستساعدنا التحليلات والأفكار الناتجة عن فهم أفضل لتكوين الغلاف الجوي والتغير المناخي المستمر لكوكبنا.

ولو نظرت للمهمة سوف تجد أن هناك بالفعل دليل على أن المهمة بدأ يكون لها تأثير على المجتمع، فمن المحتمل أن تؤدي المشاركة المفتوحة القادمة لقياسات بيانات الغلاف الجوي لمسبار الأمل إلى تضخيم المساهمة الاقتصادية والمجتمعية لدولة الامارات. كما ساعدت المهمة منذ البدء فيها في إضافة قيمة كبيرة في مجال الخدمات اللوجستية من خلال خلق قدرات تصنيعية جديدة ومعرفة. فهناك بالفعل العديد من الشركات خارج مجال صناعة الفضاء التي استفادت من نقل المعرفة، وهذا بالطبع سـيؤدي إلى اسـتقطاب الاستثمارات الدوليــة مــن خــلال جــذب شــركات القطـاع الخـاص المتخصصـة بهـذه الصناعـة، الأمر الذي يعني عقد شــراكات مستكملة لعناصر النجاح ضمــن بيئــة مواتيــة لازدهار الأعمال. هذه كلها تأثيرات نموذجية لمهمة مسبار الأمل. كما ولّدت المهمة لدولة الامارات قيمة تحويلية في بناء القدرات لاقتصاد وطني مستقبلي مختلف تمامًا - اقتصاد له دور أقوى بكثير للعلم والابتكار. فعززت مهمة مسبار الأمل عدد الطلاب المسجلين في درجات العلوم وساعدت في إنشاء مسارات جديدة للحصول على درجة علمية للخريجين. كما أنها فتحت مصادر جديدة لتمويل البحث وجعل العلم مهنة جذابة تساعد في زيادة الاهتمام بالعلوم واستكشاف الفضاء، وتمكين النمو في القطاعات التي ستكون حاسمة لمستقبل ما بعد النفط.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة