وجهة نظر حول الكتابة من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة


بدأت الكتابة منذ أن كان عمري إحدى عشر عاماً، وكانت اهتماماً وميولاً شخصياً, لا أدري ما هو الدافع الرئيسي لها في ذلك الوقت، ربما لأنني كنت في صغري شديد الانطواء لأنني لم أجد سوى الكتابة والقراءة وسماع أشرطة الكاسيهات حينها. خلال عامين في بداية الكتابة كنت قد كتبت مجموعة من الأفكار، وبالتأكيد كانت أفكاراً بسيطة بعقلية طفل لا يتجاوز عمره إثنا عشر عاماً، ثم في سن الثالثة عشر بدأت بكتابة الشعر، وقد كان أقرب إلى السجع منه إلى الشعر، لكنها كانت بداية جيدة بالنسبة لطفل.


كنت أكتب كثيراً، بل كثيراً جداً، وكنت في الصغر أكتب بالقلم والورقة، ثم بعد شراء والدي لي جهاز جوال (الباندا) انهمكت في الكتابة فيه، ولم تكن أغلب الكتابات حينها من قولي بل من منقولي، ومشاركتي في المنتديات حينها ساهم بشكل كبير في ازدياد قدرتي على الكتابة بشكل كبير. الكتابة لم تغير في حياتي شيئاً، وإنما صنعت بذاتها فضاءً جديداً كان أشبه بعالم جديد، فقد كنت أقضي ردحاً طويلاً من يومي في الكتابة، كتابة الخواطر، كتابات على هامش القراءة، كتابة الاقتباسات التي تعجبني، كتابات انفعالية غير موضوعية، وهكذا.


عرفتني الكتابة على نفسي كثيراً، ولما قرأت في سن المراهقة ما كنت أكتبه في سن الطفولة، كنت أتعجب كيف بمقدور طفل في هذا العمر أن يكتب مثل هذه النصوص التي تفوق سنه، لكن حينما قرأت في شبابي ما كتبته في مراهقتي، قلت في نفسي: يا للهول ! هل كنت فعلاً أنا من كتب هذا الجنون؟!! كانت أفكاراً متشجنة، غير موضوعية، انفعالية إلى أبعد حد، كان يتجلى فيها طيش المراهقة وغضبها في أجلى صوره.


الكتابة - بشكلها الأدبي السردي لا بشكلها المتداول بين عامة الناس - طريقة أعتبرها مؤثرة إلى حد كبير، بل ربما أستطيع القول أنها الأكثر تأثيراً من بين كل الوسائل البشرية في نقل المعلومة، وإنني أرى أنها تفوق قدرة الإنتاج السينمائي بكافة مؤثراته البصرية وقوته التأثيرية، لأن الكاتب يتمكن من خلق صورة ذهنية للمقروء من خلال اللغة، ولا شيء أجمل أن من يتصور الفرد ما يقرأ، فيخلق في ذهنه الصور التي تتشكل في خياله، صوراً هو خلقها بفعل تأثير القراءة.


سؤال "ما الذي يلهمني لأكتب؟" سؤال يلامس قلبي كثيراً، ذلك أنني تساءلت كثيراً، ولفترة طويلة "ما الذي يدفعني للكتابة؟ وما أين أستقي أفكاري لأكتب؟" ظللت لفترة طويلة أحاول أن أجيب عن هذا السؤال ولم أستطع، حتى مررت بفترة فتور من القراءة، فوجدت أن التوقف من القراءة بالنسبة لي هو إغلاق لمنبع الأفكار التي تساعدني على الكتابة، وقد قرأت لكثيرين يتحدثون عن "إلهام الكتابة"، وكان لكل منهم مشربه، إلا أنني فعلياً لم أجد سوى القراءة سبباً لأستمد منها ما أكتب، هكذا بكل بساطة.


لا زلت أتذكر بدايتي في قراءة "نعاس"، وهي رواية قصيرة للأديب الياباني "هاروكي موراكامي"، وكان أكثر من شدني لقراءتها - بالرغم من عدم احتوائها على أي حبكة أو عقدة يجعلنا نسميها رواية - أن الكاتب في الصفحة الأولى - والصفحة الأولى فقط - جلب انتباهي بشكل عنيف، كان هو السبب في أنني قرأت الرواية كاملة بالرغم من شعوري بالملل أثناء قراءتها. البداية الجميلة والاستهلال الإبداعي هو ما يدفعني ويجرني لإكمال القراءة، لكن بشرط ألا يكون الاستهلال أو البداية درامية أكثر من اللازم، فبعض الكُتّاب يحاولون جذب اهتمام القراء بأسلوب مبتذل، وهذا ينفر من القراءة ولا يحفز لها.


انتقال البشرية من التواصل الشفهي إلى التواصل الكتابي يعتبر نقلة بشرية نوعية، بل إن أبعادها لا يزال قائم رغم مرور آلاف السنين، وسيمتد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فما عساه يكون "أدب الإنسان" لولا الكتابة. ستبقى الكتابة هي الوسيلة الأكثر بقاءً لحفظ التراث الإنساني، هذا لا يعني بالضرورة أنها الأكثر تأثيراً - خاصة مع التطور التقني وتعدد وسائل التأثير ونقل المعرفة - إلا أنها الأكثر توثيقاً لتراث البشرية وعلومها ومعارفها.


- ملاحظة: كُتبت هذه المقالة كإجابة على مجموعة من الأسئلة من خلال منصة ملهم


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات محمد عمر الزنبعي

تدوينات ذات صلة