ملاذي الوحيد هو ذاك الدفتر ذو الصفحات الملونة المرصوصة بكلماتي المبعثرة .

"السرّ"

في كل ليلة أجلس على ذاك المقعد الذي يتوسط غرفتي لأبدأ رحلةً أنتظرها كل يوم بفارغ الصبر، أُمسك ذات القلم وأخط كلماتي على ذاك الدفتر الذي أسميته صديقي الوفيّ، فهو دائمًا ما يستقبلني بحضنه الدافئ مهما كانت حالتي مأساوية أو حتى سعيدة، أبدأ بالشكوى إليه بكلمات غير مفهومة رسومات أو حتى عبارات ليس لها معنى محدد، ولكنني يا للغرابة أشعر أنني تحسنت بعد إفراغي لهذا الحمل عن كاهلي وتقاسمه مع دفتر مذاكرتي أو كما أحب أن أسميه "استراحة محارب"..

كنت دائمًا ما أسمع أن الكتابة دواء لكل داء، وبعد البدأ برحلتي بدأت أشعر أنها حقًا كالسحر أُمسك دفتري بذهنٍ مُشتت وقلبٍ متألم وأفكارٍ متداخلة وإذ بي أخرج من تلك الرحلة بحلولٍ وأفكارٍ مرتبة لم تكن ستخطر بذهني دون مساعدة صديقي الوفيّ، وفي كل يوم أخوض رحلةً أخرى بأفكارٍ جديدة وحواجز يستعصي عليّ حلّها وفي نهاية اليوم أجري مُسرعةً لدفتري فأبدأ بتفريغ ما في جعبتي إليه فيستقبلني بابتسامةٍ دافئة ويمسك بيدي ثم يبدأ بفك رموز مُشفرة في مخيخي الصغير، وتبدأ مداركي بالتوسع شيئـا فشيئًا إلى أن أصل إلى بر الأمان بتجاوز العقبات التي لم أكن أستطيع تجاوزها سوى بمساعدة أصدقائي دفتري وقلم ملاحظاتي، ومع مرور الأيام بدأت التساؤلات الكثيرة تلُح عليّ وتتردد في ذهني يا ترى ما السر ما الذي يميز هذا الصديق عن باقي أصدقائي لمَ هو الوحيد الذي يشعرني بهذا التحسن !! تسائلت كثيرًا وعندما لم أجد الإجابة عُدت لدفتري وبدأت أخط تسائلاتي تلك، وإذ بالإجابة تظهر أمامي مُلوحة لي بيدها من منتصف جُملي المبعثرة تصرخ بوجهي قائلة ( يا فتاة هنا تجدين نفسك مُجردة بعيوبها التي تخفيها عن الجميع، أسرارك التي تخافين أن تبوحي بها، مستقبلك الذي يشغل بالك، هنا تبدأين بخط ما يجول في خاطرك فتشعرين أنك تحسنت بمجرد أنك شاركت ألمك مع صديقٍ لن يفهمك بشكل خاطئ ولن تكترثي بما سيفكر بعد ما ألقيت عليه حِملك، لن تشعري أنك أثقلتي كاهله بهمومك سوف تبوحي له بكل مشاعرك دون أي تردد، وأمّا في لحظاتك السعيدة تأتين له راكضةً تخبرينه عن إنجازاتك أو حتى عن شعور الانتشاء الذي أصابك بسبب كلمةٍ لطيفة قيلت لك من أحدهم فيقوم هو بدوره بالاحتفال معك بالشكل الذي يليق بتلك الفرحة التي تستحقينها، ومن المؤكد يا عزيزتي أن هذا كله لن يحدث سوى مع هذا الصديق لأن دفترك الوحيد الذي لا يوجد بينك وبينه قيود فهو انعكاسٌ لك وأنتِ ملاذ نفسك) عندها فقط أيقنت أن الكتابة هي ملاذ كل من فهِم السر الكامن وراء سحرها..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تسنيم ناصر الحوساني

تدوينات ذات صلة