غريزتنا الحمائية تدفعنا للتدخل سريعاً وإيقاف أطفالنا عندما يلعبون بطريقة نراها خطرة، لكن هل تساءلنا ما إذا كانت المبالغة بـسلوكنا الحمائي يمكن أن تضر بهم ؟
من الطبيعي كآباء وأمهات ، وربما غريزي أيضاً ، أن نرغب في حماية أطفالنا من المخاطر المحتملة.
سنتفق جميعاً على أن أهم أولوياتنا هي الحفاظ على سلامة أطفالنا، و"غريزتنا الحمائية" تدفعنا للتدخل سريعاً وإيقاف أطفالنا عندما يلعبون بطريقة نراها "خطرة"، فربما تسلقوا عالياً أو ركضوا سريعاً متجاوزين "المنطقة الآمنة" للعب ! لكن هل تساءلنا ما إذا كانت المبالغة بــ"سلوكنا الحمائي" يمكن أن تضر بهم ؟
على الرغم من صعوبة فهم وتطبيق هذا الأمر، لكن السماح لأطفالنا بــ "اللعب الخطر" هو شيء لا يمكننا تجنبه إلى الأبد ومن الأفضل تسهيله منذ البدايات!
وأعترف بصعوبة رسم الخط الفاصل بين الحفاظ على صغارنا آمنين ومحاطين بالحب، وإمكانية توفير مساحة لهم للسقوط والتعلم بمفردهم واختبار أشياء جديدة.
كيف نعرف متى نتدخل لحمايتهم ومتى ندعهم يختبرون الحياة؟ سأحاول مناقشة ما يمكننا القيام به كآباء وأمهات للتعامل مع مخاوفنا وكيف يمكننا تركهم لاجتياز مخاطر آمنة منذ البداية..
ما هي المخاطر؟
لنبدأ بالتمييز بين نوعين من العقبات التّي يواجهها أطفالنا وهم يلعبون ؛ المخاطر والتحديات.
المخاطر هي تلك الأشياء التّي يمكن أن تؤدي إلى إصابة أطفالنا بأذى خطير ، والتّي يتم تحديدها من قبل الأهل المرافقين للأطفال الّذين لم يتمكنوا بعد من تمييز هذه المخاطر بأنفسهم (التعريف بحسب جمعية الصحة العامة الكندية ، 2016).
أما التحدي فقد ينطوي على احتمال حدوث إصابة خفيفة لكنه يقدم للأطفال تجارب تمّكنهم من تطوير مهارات عديدة مثل التعرف على قوة أجسامهم، وابتكار الحلول وتنفيذها، والتغلب على مخاوفهم وبناء احترامهم الذاتي .
أمثلة عن المخاطر التّي قد تحيق بأطفالنا أثناء اللعب:
· تسلق المرتفعات
· السرعة
· الأدوات الحادة
· اللعب بقرب عناصر خطرة
· اللعب الخشن
· التعثر أو الضياع
فوائد التحقق أثناء اللعب المحفوف بالمخاطر:
أولاً، اللعب المحفوف بالمخاطر أمر بالغ الأهمية للنمو الصحي والتطور. لأنه من خلال اللعب المحفوف بالمخاطر يتعرف الأطفال على قدرات أجسادهم (ما يستطيعون القيام به وما لا يستطيعون القيام به). كما أنهم سيتمكنون من التعرف على عالمهم والتمييز بين ما هو آمن وغير آمن. فمن من خلال التجربة فقط يمكن للطفل أن يتعلم كيف يبقى آمناً، واللعب هو أفضل طريقة لتجربة ذلك.
وهناك العديد من الفوائد الأخرى ومن ضمنها:
· اكتساب مهارات حياتية والتدرب عليها مثل المرونة والمثابرة
· الاتزان النفسي
· تحديد قدرات أجسامهم
· تقييم المخاطر والتعامل معها
· التعامل مع الأدوات بشكل هادف وآمن
· فهم عواقب الأفعال
ونسأل بجدية ، ماذا لو سقطوا؟
الحقيقة هي أن هذا محتمل جداً، فالحوادث تقع طوال الوقت، ولكن لننتبه إلى أن احتمالية وقوعها موجودة حتى عندما يقوم الطفل بأمور معتادة كالمشي في غرفة المعيشة وهو يمثل أدوار يتقمصها أو أثناء ركوب دراجته في الحي.
عندما ينخرط الأطفال في لعبة خطرة، سيكون دماغهم مشغولاً بتقييم المخاطر وحل المشكلات ووضع خطة تقلل من ارتكاب أي خطأ وإصابة أنفسهم. لكن الأخطاء قد تحدث مما قد يتسبب بالسقوط أو كشط الركبة مثلاً.
بحسب رأي الاخصائيين لقد" صُمِمَ الأطفال ليتعلموا من السقوط، كما أنهم يشفون بسرعة كبيرة. بل إن هذا هو المكان الّذي يحدث فيه التعلم الحقيقي".
فماذا يتوجب علينا كآباء وأمهات إذاً ؟
أفضل ما يمكننا القيام به هو توفير "بيئة آمنة ومثيرة للتحدي في آنٍ معاً" بحيث يمكن التنبؤ بالعقبات وأن تكون محدودة الخطورة. يتوجب على المرافقين للأطفال إجراء تقييم مسبق للمخاطر المحتملة، وضمان تجنيب الأطفال أي أذى محتمل . حيث يوصى مقدمو الرعاية للأطفال حتى سن 3 سنوات بتقييم بيئة اللعب و يشجعون على تعزيز ثقتهم في قدرات الأطفال، وقضاء كثير من الوقت في مراقبتهم ووقت أقل في التدخل وكذلك يوصى منحهم الكثير من الفرص ليقوموا باستكشاف حر للبيئات المدروسة جيداً.
كوالد أو والدة يمكنك البدء بتوفير بيئة لعب أرضي حر للطفل منذ ولادته. وفي المرحلة التالية يمكنك توفير بيئة معدة للتسلق والتحرك والموازنة على بنى آمنة ليتدرب الطفل على استكشاف البيئات والأشياء والأسطح المختلفة مع دوام الإشراف والمراقبة أثناء اللعب .
طرق أخرى يمكن توفيرها لينخرط الأطفال في اللعب والتعلم:
· الارتفاعات: كتسلق بنى صغيرة ( كومة صغيرة من التراب ستكون كافية للأطفال الصغار)،ومن ثم التدرج في زيادة الارتفاع والزوايا والصعوبة. ويمكن الاستعانة ببعض المعدات الخاصة بلعب الأطفال التّي توفر خيارات عديدة ومدروسة جيداً مثل: معدات التأرجح، الانزلاق ، الجري ، ركوب الدراجة ليعتاد الطفل على السرعة.
· بدائل آمنة لأدوات خطرة بأشكال متعددة كالسكاكين، العصي، المناشير، المثقاب، المطارق.
· أدوات تحاكي بعض العناصر الخطرة مثل النار والمياه العميقة (يجب أن تستخدم هذه الأدوات بحذر شديد مع الالتزام بإرشادات السلامة والسن المناسبة. ومراقبة المحاكاة عن كثب ).
· محاكاة اللعب الخشن: كالمطاردة والتعثر، والألعاب القتالية المتخيلة.
· ألعاب "الاختفاء": كلعبة الغميضة على أن يتم زيادة المسافات تدريجياً أو الاختباء ضمن "مخابئ" مصطنعة.
ملاحظة: عند استخدام هذه الأدوات يتوجب على المرافقين للأطفال الإشراف عن كثب، والتقيد باستخدام الأدوات المناسبة لعمر الطفل .
نصائح للآباء والأمهات - تجنبوا عبارة "إحذر " :
ستجدون أنفسكم تلهثون ألف مرة بقول "كن حذراً" ، "لا" ، "توقف"، لكنها تقع على آذانٍ صماء!
لأن سماع الطفل بشكل مستمر ل "كن حذرًا" أو "توقف عن ذلك" ، سيؤدي إما إلى تملك الخوف من الطفل وبالتالي الامتناع عن اللعب، أو تجاهل تام للتوجيهات، أو نظرة محتارة من الطفل تخبرك أنك تخطئ في تقييم ما هو خطير بالفعل.
عندما نعبّر لهم عن قلقنا وتوقعنا للخطر، فإنهم يستوعبونه وستتحفز استجابتهم إما للمتابعة بتصميم وحذر أو للهروب من الخطر. هذا أمر رائع إذا كان هناك خطر حقيقي، ولكن إذا كانوا آمنين، فإن إخبارهم باستمرار بـ "توخي الحذر"، سينقل لهم رسالة خاطئة أن "العالم ليس آمنًا فلا تخاطر". أي يصبح قلقنا هو قلقهم الّذي سيعطل تدربهم على استنباط حلول و التدرب على تنفيذها.
هناك دائماً أوقات تحتاج فيها إلى التحرك بسرعة وتنبيه الجميع إلى الخطر، على وجه الخصوص عندما يكون هناك احتمال حدوث ضرر أو إصابة حقيقية يتوجب عليك التدخل.
ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، أي "يمكن التعامل مع الخطورة المحتملة"، فماذا يمكنك أن تقول عندها؟
فيما يلي بعض الأمثلة التّي يمكنك تجربتها:
- تنبيه طفلك: كأن تقول "راقب موضع قدميك جيداً"، أو "هناك حجر تسلق أمامك، ماذا يمكنك أن تفعل؟".
- تحفيز حواس طفلك: كأن تقول "هل تشعر بمدى انزلاق المنحدر؟".
- طرح تساؤل مع الإشارة للمخاطر المحتملة: كأن تقول "ما هي خطتك؟ هذا تل شديد الانحدار "، أو" قد يكون من الصعب النزول، ما هي خطتك للنزول؟ "
لنتذكر أن الألعاب الأكثر خطورة التّي مارسناها في طفولتنا هي التّي صنعنا منها أجمل ذكريات الطفولة.
ملاحظة هامة: تذكر دائماً الالتزام بإرشادات السلامة، مع الأخذ بالاعتبار معرفتك الخاصة بطفلك.
التعليقات