أشارت الكاتبة في هذا المقال إلى التأثير السلبي الذي تتركه الكارتونيات على نفسية وعقلية الطفل وتأثيرها على جوانب حياته.

سُما الوابل

يعتقد كل من جيل الثمانينات والتسعينات أن الأفلام الكارتونية التي شاهدوها في طفولتهم على قناة سبيس تون وغيرها، هي تماماً ما يجب أن تكون عليه أفلام الكارتون الموجهة للأطفال؛ ذات مبادئ راسخة، ومعنىً وهدف سامي، ومعززة للأخلاق الحميدة التي تحث على الطيبة ومساعدة الغير، حيث إنها بنظر الغالب من الناس لا تقارن بالكارتونيات الحالية الخالية من تلك المعاني العميقة، لكن بالحقيقة تملك تلك الكارتونيات جانب آخر ذا تأثير سلبي على مشاعر وأفكار الطفل، لكن لا يلاحظه ولا يقر به أغلب من كبر على مشاهدتها.

لعل أول ما يتصدر القائمة هو الكارتون المفضل لجميع أطفال التسعينات: "أنا وأخي" وهو سلسة كارتونية تتحدث عن طالبٍ بالابتدائية يدعى "سامي" الذي يفقد والدته في حادث مروري لتتركه وحده مع والده وأخيه الصغير ذا السنتين "وسيم"، وكانت قد أوصته بأخيه سابقاً كما نرى في شارة البداية بقولهم "كلماتها تضيء دربي: لا تنس أخاك ترعاه يداك، لا تنس أخاك." حيث يتجسد في تلك الكلمات الاستغلال والابتزاز العاطفي للطفل فهي تحمِّل طفلاً صغيراً مسؤولية أخيه الصغير كوصية. أثرت تلك الأفكار على الأطفال نفسياً وجعلتهم يوقنون بأن الاهتمام بالإخوان الصغار مسؤولية تقع على عاتق الأخ الأكبر متجاهلين حقيقة أنها فقط تقع على عاتق الأم والأب وحدهم، فلم يكن سامي يهتم بأخيه اهتماماً بسيطاً بحضور والده، بل كان يحمل كل تلك المسؤولية كما لو أنه فعلا أبٌ لأخيه الصغير "وسيم"، وليس ذلك ما يجب أن تكون عليه العلاقات العائلية، فهي بذلك تنتج لنا جيلاً هش نفسياً ويسهل التلاعب به عاطفياً بالتركيز على الجوانب التي تؤثر على ضميرهم.

وقد عُرِضت بعض الكارتونيات الحزينة التي تستعرض جريمة عمل الأطفال مثل سالي وعهد الأصدقاء وبائعة الكبريت وريمي، فمثل هذا المحتوى قد يخلق في الأطفال شعور امتنان غير صحي في حياتهم مشابهاً لشعور الذي يتعرض له المصابون بمتلازمة الناجي، وهي متلازمة تصيب الأشخاص الناجين من عنف أو حرب فيشعرون بالذنب فقط لكونهم بأمان بينما مازال غيرهم يعانون. بالإضافة لكونها تعزز أفكار التضحية بالنفس في سبيل مساعدة الغير، وتأخير النفس فيما يلغي ذلك كيان الطفل باعتبارها تحوِّرُ الاهتمام بالنفس أنانية مقيتة.

لا يمكن الإنكار بأن أن تلك الكارتونيات تركت طابعاً إيجابياً في مشاهديها، وزرعت فيهم الأخلاق الحميدة، ووسعت من أفاقهم؛ كونها تحتوي على قصصٍ ومعانٍ عميقة أكثر مما تحتوي عليه الكارتونات الحالية، ولكن ذلك العمق قد ترك أثراً سلبياً على صحتهم بنفس الدرجة.


نَصّ

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نَصّ

تدوينات ذات صلة