الحلم تلك الحلوى المجاتية التي يطمج لتناولها البشر
يخبؤنها في جيوبهم ، ويجِدون في الحفاظ عليها ،والتخطيط من أجل امتلاك المميز منها .
حديقة الأحلام متسعة زاهية بصنوف عديدة تلائم كل الأذواق ،لكن بعضها أشبه بحلوى غزل البنات زاهية في كامل جمالها، لكن عمرها قصير ما تلبث أن تتأثر بالحرارة فتذوب على عُودها .
نحن في خضم تلهينا بالمسؤوليات والمشاغل و فتافيت الحياة ،قد نهملها فتضيع منا إلى الأبد .
أتخيلُ وجود تاريخ صلاحية لتحقيق الأحلام ،فإذا مر زمنٌ وتعثرت فيه الخطى ،واستحال التحقيق ،وَجَب على الفرد أن يبحث في جيوبه عن بدائل لأحلام مختلفة ، يبدأ بها من جديد .
ليس الانسحاب من عاصفة هروباً، بل الشجاعة الحقيقية أن نعترف بالإخفاق ونغير دفة السفينة لوجهةٍ أخري .
إن الصراحة َمع النفسِ أمر ٌجوهري لحماية الفرد من التمادي في محاولة الطيران بجناحٍ مكسور، كما أن المثالية والخيال الجموح المبالغ فيه، لم يكن يوما ًسبيلا لتحقيق الأهداف .
لا يتعارض ذلك مطلقا مع الطموح والمثابرة ، الحياة ليست عادلة ،لم تكن يوما ًشَهداً مُصَفي ،والعاقل من أحسن الاختيار ،وأجاد الالتفات لإشارات الحياة المُعَلِمة، وامتلك بصيرة ًليعرف ما هو الحلم الممكن القابل للتنفيذ ،ومتى تحين الفرصة الذهبية للشروع في التنفيذ ،وكيف يتسلح بالأمل الصامد ، ويتمسك بالحافز ؛ ليستمر صاعدا ويكمل طريقه بدون تقاعسٍ ،أو تأثر بآراء المُثبطين والسلبيين، او الرُكون إلى لحظات الانخذال المباغتة ،ويحاول أن يثابر و يتقَوي بالإيجابيين ،يتعلم متي يأخذ هُدنة من اللهاث خلف أحلام مُضلِلة ،ويأخذ وقتا ً ليدقق في أعماقه ليفرز تلك الأحلام ،ويسأل نفسه بصدق أيُها يريده بقوة، ومن منها يُمَثله بصدقٍ ويشبهه؟
وهل يمتلك فعليا سيناريو كامل لتنفيذه؟ هل يتخيل نفسه داخل هذا الحلم وقد تحقق على أرض الواقع ؟
عندما يصل لهذا الفرز الموضوعي سيمتلك ذائقة مميزة، تمكنه من التعرف جديا على الحلم الأكثر قابلية للتصديق والتحويل من حيز مخيلته وأفكاره إلى ورقةِ تخطيطه ثم إلى محيط التنفيذ .
هذا الوعي العميق لن يصل إليه الشخص بسهولة بين يوم وليلة ،بل سيتأتي له بعض تجارب عديدة، عثرات وصدمات ومعاناة ودروس قيمة من الحياة.
ليس شرطا أن يرتبط عمق تجربته بعمره، نري شبابا اجتازوا أهوالا، وكابدوا كوارثا ومحنا كانت سببا في تقوية عودهم، ووضوح رؤيتهم، دفعتهم لتجاوز ظروفهم الصعيبة ،ونفذوا إنجازات أثبتت كفاءتهم وحققت طموحاتهم التي لم تعرف المستحيل .
هذا لا ينفي بالطبع أن المدي الزمني الطويل ،وتعرض الشخص للعديد من المواقف، واحتكاكه بقدر كبير من الخبرات يكسبه المهارات الكافية ،ويحسن قراءته للأمور ،يرفعه درجاتٍ من الوعي شريطةً أن يتمتع بالقدرة على التغيير والمرونة مع المستجدات ،وعدم النمطية واتباع القوالب الجامدة في التنفيذ ,كم من اشخاص تجاوزا الخمسين ومازالوا متمتعين بحماس الشباب واليقظة ،منهم من أسسوا شركاتهم الخاصة ، بعضهم صار خبيرً في مجاله ،مستشارا يُستفاد بتجربته الآخرون.
الحقيقة أن الأمرَ نسبيُ نوعا ما في ربط العمر باكتساب الخبرة والاستبصار بالأمور، أحيانا يمتلك شخصً قدراتٍ فردية معينة ،وميزات تُمكنه من إظهار مهارة خاصة قد لا يجيدها غيره ،المهم أن لا يداخله الغرور
و لا يتخلى عن التعاون والعمل بروح الفريق ،والمثابرة في تحسين أدواته و تطوير مهاراته ,
الأهم أن لا ينجرف الحالم في غيبوبة حلم ٍلايفيقُ منه إلا بعد فوات الاوان، كم من حلم أوهَم صاحبه وأخذه في بحور الترحال السرابية .وظل ينسج له الكثير من السيناريوهات المموهة عن وظيفة مرموقة ،أو امتلاك شهادة أو الوصول للثراء أو السفر عبر العالم دون أن ان يمتلك الحلمُ أي منطق ليبقى ويستمر وينتقل لبر الحقيقة ،علينا أن نترك دائما مساحة أمان كافية بيننا وبين احلامنا قبل ان نتاكد من جودتها ،ونقوم بفرزها ولنبقي متيقظين ،ونغذي وعينا بالأهداف الواضحة ،ونقتات على الحقائق بدلا من اجترار الأوهام .
قد نُستَلب أحيانا من حالة اليقظة إلى حالة الغيبوبة الحلمية ،والعودة مرتهنةٌ بمدي صلابتنا في مواجهة أنفسنا بكل الحقائق، و تقبُل كل إمكاناتنا بدون تزييف أو مبالغة وتهويل أو بخس للمكانة ،بوسعنا أن نطور ذاتنا ، نتعلم ونكتسب مهارات جديدة ، نعرف مواطن قوتنا وضعفنا ،نستوعب إنسانيتنا ،وندرك كل أخطائنا ونتعلم من بعضها. من الإنصاف ان نعطي لأنفسنا مساحة للصفح و لا نُشعِرها بالذنب ،ما فَات فات ولن يعود
لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، ومن ثم التقدم للأمام هو الحل و نرمي وراء ظُهورنا كل ذاك القصور أو التهاون في تحقيق ما خططنا له .
لنعتبر انها كانت مجرد محطة تخطيناها وآن الأوان للعبور نحو مرحلة جديدة، نتلمس فيها خطوات واثقة، ونمتلك قلبا جسورا عرف معني السير على الأشواك
حديقة الاحلام دوما مثمرة وتنتظر ان نتخَير منها ما نحب لنقطفه، وننعم بتذوق طعمه ونسعى لنعيشه ونحققه .
هل جربت يوما أن تدخل حديقة الأحلام ونجحت في أن تقطف الحلم الموعود ؟
بقلم / نهى رجب محمد
أديبة مصرية ومُدوِنة
كلنا على شجرة السَرو نتعلم من نهر الكلمات
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات