قصة (قيمة) تحث على التحلي بالصفات والخصال الحسنة وفي هذه القصة نركز على صفة الأمانة بالتحديد.

في قلب فلاح مكافح أقطن بالقرب من مزرعة قاحلة لا يوجد فيها ماء ولا زرع أشبه بالصحراء. يسكن القرية أناس بسطاء يعملون ليلاً ونهاراً في مزرعتهم ليحصدوا الرزق مساء اليوم. ووسط هذه المزارع المثمرة توجد مزرعة قاحلة لا تثمر إلا مرة واحدة في السنة بسبب نوع التربة فهذا النوع يثمر مره واحدة فقط.

وصاحبها في أمس الحاجة لكسب الحصاد فهو أب يعول أسرة من طفلين وزوجة وليس له أي رزق غيرها.

بالرغم من تحمل هذه المسؤولية الكبيرة على عاتقه إلا أنه كان فلاح مكافح محترم جداً يتصف بكل الصفات الحسنة. فالبسمة لا تفارق وجنتيه أبداً واحترام الآخرين أهم مبادئه التي لا يمكنه التخلي عنها. كان دائماً يحث المزارعين على أن يتبادلون الاحترام فيما بينهم وأن يتحملون مسؤولية عائلتهم حتى ولو كانت ثقيلة. كل المزارعين كانوا متعجبين من أخلاق الفلاح السامية وهو يمر بكل هذه الصعوبات وقلبه مليء بالأخلاق الحسنة والقيم. ومع مرور الأيام أصبح الحمل حملين فأبنائه لم يصبحوا أطفال بعد اليوم وطلباتهم تزيد يوم عن يوم والمسؤولية أصبحت ثقيلة جداً. فكر الفلاح أن يبحث عن حل سريع ليعول أسرته ويعيشون عيشة كريمة. ووجد حلاً لمشكلته وهي أن يقوم بمساعدة المزارعين في جمع حصادهم وأخذ مبلغ من المال في المقابل. ولكنه لم يكن سعيداً جداً بهذا العمل فضغط أبنائه كان أقوى بكثير من قوة إصراره على الاستمرار لطلب الرزق الحلال. وفي ليلة من الليالي كان يتأمل السماء ويتدبر في ملكوت الله سبحانه فخطرت على باله فكرة وهي أن يجمع حصاد المزارعين في الليل بدلاً من النهار. فبذلك يكون أرضى كلا الطرفين أبنائه والمزارعين، فإذا جمع الحصاد بالليل سيرضي المزارعين ويكسب المال وأبنائه نيام فلن يعرفوا بذلك وهو سيكمل عمله بسلام. عمل الفلاح لم يكن إيجابياً إطلاقاً فيوم عن يوم كانت المسؤولية تكبر أكثر وأكثر فالعمل ليلاً ونهاراً لجلب الرزق بالنسبة لفلاح كبير في السن شاقاً جداً ، ومع مرور الأيام يزداد صعوبة وشقاء. وذات يوم كان الفلاح يدعو ربه في جوف الليل وكله ثقة أنه سيصبح على حل للمشكلة بإذن الله سبحانه وتعالى. وفي فجر اليوم التالي وجد أبنائه يجمعون حصاد المزارعين فسألهم باستعجاب هل ما أراه حلم أم حقيقة ؟! فقالوا: حقيقة يأبي فنحن لم نعد صغاراً بعد اليوم وأنت شيخٌ كبير، فقال: الحمد لله رب العالمين. كنت على ثقة برب العباد أني سأصبح على بشارة (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ). فكان من الصعب جداً إقناع أبنائه فهم لا يشبهون أبيهم أبداً ولو طلب منهم كل يوم أن يساعدوه على الأقل لن يرضوا بذلك، فهم ليسوا راضيين على جمع الحصاد فكيف لهم أن يقبلوا بالعمل ولكن دعوة صادقة من فلاح راجياً ربه في ظلمة الليل وكله ثقة برب العباد أن يقبل دعوته ويصلح له أبنائه ستصبح حقيقة بإذن الله تعالى. فأبنائه لم يأخذوا من قيمه وأخلاقه شيئاً ، فكانوا يتسموا بصفات غير حسنة مثل الطمع والغش والكذب وشدة اللهجة في التعامل مع الآخرين. وبسبب هذه الصفات لم يكملوا أي عمل فور اكتشاف رب العمل أخلاقهم يقوموا بإيقافهم عن العمل. تعب الفلاح معهم كثيراً ليتحلوا بالقيم والأخلاق الحسنة ولكن دون جدوى، فكان حريص كل الحرص على أن يغرس هذه القيم ليطمئن عليهم بعد غيابه. ومع مرور الأيام علم الفلاح أنه يجب عليه غرس القيم بقناعه حتى لا يتركوه أبدا وتصبح قيم ثابته يتحلون بها مدى حياتهم. فهو الآن في شيخ كبير ويحتاج الرعاية والاهتمام وأيضا ليس لديه القدرة على العمل مثل قبل. وأبنائه لن يجدوا عمل ولن يشاركهم أي شخص للعمل ما داموا يتعاملون بهذه الطريقة. فكل قيم الإنسان مهمة جدا ولكن لا تأتي بقناعه تامة من الشخص فمثلا الاحترام يمكن أن يكون بطريقتين إما من منبع الإنسان أو يفرض عليه فلا يكون برغبته وذلك يطبق على الثقة والمسؤولية أيضا. فمصاعب الحياة تتطلب أن يكون للإنسان قيم ومبادئ نابعة من قلبه ليتجاوزها. فإذا لم يتحلى الإنسان بالاحترام العمل مع الآخرين سيفرض عليه ذلك ولتستمر حياته يجب أن يثق بنفسه والمسؤولية اذا لم يتحملها ضاعت حياته. ولكن ماذا لو كانت نابعه من الإنسان ذاته سيشعر بلذة الحياة وسيخفف عنه مصاعب الحياة. ومع كل هذه القيم هناك قيمة واحدة لم يمكن أن تكون بالطريقتين التي سيحدثنا عنها الفلاح في نهاية القصة. فذات يوم أصبح الفلاح متعبا جدا مع أنه لا يعمل من فتره طويله جدا وأبنائه أيضا. شعر بحمى شديدة وألم في رأسه يكاد ينفجر فنادى أبنائه وقال: اليوم سنذهب إلى الغابة لنقضي بعض الوقت سويا. فرد ابنه الأكبر وقال: وأنت بهذا الحال يأبي قال: نعم يابني ولكن يجب عليكم أن لا تتأخروا لنرجع إلى منزلنا قبل منتصف الليل. قالوا: سوف نأتي معك إن شاء الله. قاربت الساعة على السابعة والنصف ووجد الأب أبنائه في انتظاره فرح كثيرا لاستجابتهم لأمره رغم تعبه الشديد. ذهبوا معنا إلى الغابة وبدأ الأب بالحديث عن نفسه وحياته وفي آخر الحديث قال: يأبنائي أن شيخ كبير ولا أعلم إن كان يومي قريب أم بعيد فقاطعه ابنه الأكبر لا ياأبي لا تقل هذا ندعو الله أن يشفيك ويمدك بالصحة والعمر الطويل في طاعته. فقال: أعلم ذلك وأن أيضا أدعو في جوف الليل أن يمدنا بالعمر الطويل ولكن هذه سنة الحياة (وكل من عليها فان) قام الأبناء بالبكاء فقال: اذا كنتم تريدوا أن تبروني قبل أن أغيب عن هذه الحياة تتبعوا ما سأوصيكم به الآن ألا وهو أن تحافظوا على دينكم و صلاتكم، تبروا والدتكم وتحسنوا معاملتكم مع الآخرين وآخرا أن تزرعوا في قلبكم القيم والمبادئ ولا تتخلون عنها أبدا أعدوني بذلك قالوا: نعدك بأن نطبق ما وصيتنا به بإذن الله. قال الابن الأكبر ولكن لماذا أتينا إلى الغابة هل هناك شيء تريد أن تضيفه ياأبي ؟ فقال: لا تستعجل يابني للحديث بقيه ، أريدكم أن تتأملوا معي الجبل الذي أمامكم قالوا: نعم قال: أريدكم أن تصفوا لي الجبل بكلمة قالوا في ذات اللحظة قوي ويتحمل أثقل الأشياء. قال: أحسنتم ولكن على قوة تحمله أبى أن يحمل الأمانة لعظمها وهي من أهم صفات الإنسان والتي اتصف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك أوصيكم بها فهي إن لم تأتي من منبع الإنسان وقناعته لا تأتي أبدا فيجب عليكم أن تتحلون بالأمانة وتخلصوا في أعمالكم حتى وإن قست عليكم الحياة بظروفها ومصاعبها فإذا كانت لديك أمانة سيكون في قلبك قيمة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ماشاء الله تبارك الله روعه وجميله جدا وفيها معاني مهمه لحياتنا بارك الله فيك استمري تدويناتك قريبه من القلب

إقرأ المزيد من تدوينات منيره الشريف

تدوينات ذات صلة