ليكن رمضان هذا العام محطةً للتعرفِ على أنفسِنا بشكلٍ أعمق ومن ثم الانطلاق للنسخة الأفضل منا في المستقبل.


ضغوطات الحياة لا تنتهي، والتزاحمات في المهام والأعمال لا تنفكُّ تُضعِف عزائمنا، وتفتِك بأعصابنا..

نركض، نركض ولا نجد دقيقةً للتوقُّف!

حتى وإن أصابنا الفتور فترةً فإنَّ عقولنا لا تتوقف عن التفكير، وضميرنا لا يُخفف من لومه لنا على تقصيرنا!

وإني أرى أنَّ زيادة التفكير والجلد الذي تقوم به أنفسنا تجاهنا لحظات الفتور، لهو أقسى من لحظات العمل والتعب الجسدي بأضعافٍ مضاعفة، فكلما تآكلَت النفس كآبةً من الداخل، انعكس ذلك الضعف على الجسد كله!

إن تهدئة النفس في هذه الحالة لهو من أَولى الأشياء التي يجب علينا القيام بها من أجل إعادة شحن الطاقة، وزيادة الهِمَّة والنشاط والاستكنان النفسي.

لِحسن الحظ أننا مسلمون، ثم إن من أعظم النعم التي أنعم بها الله علينا هو إسلامنا، واتباع سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، حيثُ يأتي شهر من أعظم الشهور وأكثرها بركةً على المسلمين مرةً كلَّ عامٍ كضيفٍ خفيف الظل، مؤدِّبٍ ومُقوِّم للنفوس والسلوك، ومنيرٍ للقلوب التي أنهكها التعب وظلام الركض المستمر.

يأتي ليُعلِّمنا الصبر والتحمل والتفكُّر في كل شيء يخص النفس ذاتها ولا شيء سواها، يأتي لينشر روحانيته وسكينته بين القلوب بكلماتٍ ليست كأيِّ كلمات، إنها كلمات الله خالق كل شيء.

يأتي لينتشلنا من عمق الضياع والخوف إلى قمة الاطمئنان والراحة.

فكم من ضائعٍ تائهٍ بيننا يتخبط بين شِباكِ اليأسِ والإحباط؟

وكم من خائفٍ بائسٍ بيننا يذوب كشمعة في الظلام؟

وكم من مريضٍ وجائعٍ مقهورٍ ومُتألِّمٍ يلوذ هربًا من قسوةِ حياته ولا يجدُ له مخرجًا أو مهرب؟

وكم من فاقدٍ غارقٍ بدماءِ جراحه يئنُّ ويبكي بصمتٍ فقده دون أمل؟

وكم؟ وكم؟ وكم؟

تطولُ قائمة التساؤلات والوِجةُ واحدة!

يأتي رمضان لِيُجيب جميعهم بأن الله سميع مجيب، بأن اللجوء له وحده، والفِرار إليه وحده، والشكوى إليه وحده.

يأتي ليُطمئنهم بأن الله قريب.

فليستغلوا كلَّ ثانيةٍ من وجوده، ولتكون النية الخالصة أن هذه الثلاثين يومًا ستكون محطةً للتوقفِ والتدبِّر والتعبُّد، محطة انطِلاقٍ جديدةٍ نحو النسخة الأفضل مِنا في المستقبل روحيًّا وجسديًّا ونفسيًّا من خلال تغذية الروح بالعبادات والروحانيات والاتصال مع الله تعالى بالعبادة والمناجاةِ والدعاء والذكر، ومن خلال الاهتمام بالتغذية الصحيحة والرياضة التي تقوي الجسد وتمنع ضعفه وهوانه، والنفس من خلال تذكيرها دوما بأن كلَّ مرٍّ سيمر، وبأن الله معنا.


رمضانكم مبارك

وكل عام وأنتم بألف خير


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مياس وليد_حكاية شتاء

تدوينات ذات صلة