التعاطف اليقظ مع أطفالنا، وتعاطفنا نحن مع آباءنا وأمهاتنا يؤسس ويغذي مناعتنا النفسية ويعزز سعادتنا.

--


كلما تقدم بك العمر، سوف تتعرض بالضرورة إلي صدمات مختلفة.. كيفية التعامل مع هذه الصدمات سوف يكسبك قدرًا لا بأس به من "المرونة النفسية" ... هذا يعني أن تتوافر لديك المهارات والأدوات والبيئة المناسبة لتغذية ما يطلق عليه "المناعة النفسية" ... ومثل أي شئ في الحياة نقوم به بصعوبة في بدايته، ثم مع التكرار والاعتياد تتطور قدراتنا وتأخذ في التحسن، كذلك فإن المناعة النفسية يحدث لها نفس الشئ ... تتكون المناعة النفسية بصلابة وقوة في السنوات المبكرة من حياتنا، حيث نحضى بالرعاية والاهتمام من الأب والأم أو احدهما أو مسئول الرعاية ... كلما تعرض الطفل الي احداث مختلفة تحفز نموه النفسي، كلما زادت مناعته النفسية ... الطفل الذي يتم حمايته بشكل مبالغ فيه، وغير مبرر، بسبب مخاوف لدي الآباء .. والطفل الذي يتم تحميله المسئولية بشكل مبالغ فيه وغير مبرر، بسبب جهل الآباء ... يصبح هذا الطفل أكثر عرضه لحدوث "الهشاشة النفسية" سواء بسبب التحمل المفرط للمسئولية أو الحماية المفرطة، أو كلاهما معا... وبالنظر في الواقع الإنساني، نجد أن الأمور اعقد من أن نفصلها بهذا الشكل ... والعوامل التي تؤثر في عملية بناء "المناعة النفسية" في المراحل الأولي من نمو الطفل النفسي، من التعقيد بحيث يجب تقسيمها إلي عوامل يمكن التحكم بها، و أخري لا يمكن التحكم بها ... والخطأ الشائع الذي يقوم به الأهل هو التركيز علي العوامل التي لا يمكن التحكم بها، ومحاولة التحكم بها وتطويعها في سياق تربوي ثقافي معين، مع إهمال واضح لما يمكن التحكم به، وقد يكون منشأ ذلك ثقافي أو معرفي في المقام الأول ... علي سبيل المثال عند غرس قيمة "الحياء" لدي الطفل ... هناك عوامل مساعدة لتحقيق هذا الهدف يمكن التحكم فيها والتركيز عليها، مثل (المواد المرئية المتاحة للطفل في المنزل - سلوك المربي في المنزل أمام الطفل - الحوار والتواصل مع الطفل - البيئات المختلفة التي يتواجد بها الطفل مثل النادي والمدرسة ودور العبادة و .. إلخ .. مما يتواجد في نطاق تحكم المربي) ... أما العوامل التي لا يمكن التحكم فيها، ويجب تقبلها واحتوائها كما هي، مثل (مشاعر الطفل وافكاره - المظهر الجسدي للطفل - سلوك الطفل - رغباته واحتياجاته وقرارته وقدراته وكل ما يتعلق به كأنسان كامل) ... كل هذه العوامل يحدث لها "ارتقاء ذاتي" وبشكل مستقل من خلال الطفل، حينما يتم الأهتمام بشكل واعي بالعوامل التي يمكن التحكم بها من خلال المربي ... ما يحدث في الواقع، أن المربي قد يشعر "بقلة الحيلة" بسبب ضعف قدرات المربي علي التحكم في هذه العوامل، بسبب قلة الامكانيات .. ضعف الشخصية .. اعباء الحياة المختلفة .. الصدمات المتوارثة .. خلل معرفي ونقص المهارات .. تكرار نمط تربوي قديم .. وغيرها من الأسباب، يتجه المربي وقتها بشكل تلقائي إلي التحكم في العوامل التي لا يمكن التحكم بها "التحكم في الطفل نفسه" بدل أن يهيئ للطفل المساحة التي يستطيع أن ينمو فيها بشكل آمن، فإنه يبدأ بتضييق هذه المساحة.


حين يغرس المربي قيمة "الحياء" عن طريق التحكم في الطفل، فإنك تجد تشديد علي المظهر الخارجي للطفل فيما يتعلق باختيار ملابسه ... إذا ابدي الطفل اعجابه بأحد اقرانه - وهي مشاعر فطرية - يتم ترهيبه وأن التفكير في هذه الأمور "عيب" .. إذا حاول الطفل استكشاف نفسه، يقابل بالنهر وأنه قد فعل "العيب" في حين أن إلهاء الطفل في مهمة معينة كفيل بصرف انتباهه وتقويم هذا السلوك و أي سلوك آخر علي نفس هذا السياق... وفي الوقت الذي يوفر المربي للطفل البيئة المناسبة للتعلم والتأمل في جسده ومشاعره وافكاره وربطها بقدوة حسنة، ووضعها في إطار ديني تدبري، يفهم الطفل بنفسه معني الحياء بالنسبة له، ثم يطبقه في جوانب حياته بسهوله .. بدون خوف أو قهر .. وبذلك يصعب زعزعة هذه القيمة عندما يكبر، لأنها تم تربيتها وتجذيرها في الطفل بنفسه، دور المربي كان "لتيسير" هذه العملية ... لكن هل سارت السفينة بهذا الشكل معك ومعي؟ ... بالطبع لا ... لمثل تلك الأسباب التي ذكرتها سابقا، وأسباب أخري بالطبع بحسب كل أسرة ... ولن تسير سفننا كما نشتهي أيضا مع ابناءنا، لأنه دائما سوف يكون هناك أمر ما لا نستطيع التحكم فيه .. وما لا يمكن التحكم فيه، يتم التعامل معه بتقبل وجوده ومزاحمته بأفعال السعادة اليقظة .. هذا من شأنه ان يرفع "المناعة النفسية" وبالتالي يعزز مهارة المرونة في التكيف مع العوامل المختلفة التي لا نستطيع التحكم بها.


وعندما نفترض اننا جميعًا قد تم الإساءة إلينا بشكل ما، سواء بقصد أو بدون قصد.. ونتقبل تلك الفرضية .. أن ذلك قد حدث للكثير وسوف يحدث ربما في المستقبل .. فإنك بذلك تمنح لنفسك الفرصة أن تري ابعاد تلك الإساءة علي حقيقتها، ومن ثم يتكون لديك وعي بكيفية التكيف مع اثار هذه الإساءة عليك، وتقييم سلوك الطرف الآخر بشكل من التعاطف اليقظ والحزم.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شباك السعادة - happiness window

تدوينات ذات صلة