سنعود إلى الوراء في الزمن، ونعيد اكتشاف وسائل نسمها "بالتقليدية" ولكنها قابلة لتحمل لنا اليوم تعلما/ تعليما غير تقليديين في التعليم عن بعد عبر الإنترنت.
سأستمر في التأكيد على أن التعليم تجربة ذاتية، تجربة الدولة والمجتمع، وتجربة العائلة والمدرسة والمعلم والطالب. والذاتية لا تعني أن نترك الطالب وشأنه ، ذاكر أو لم يذاكر، إنما هي "التورط" الجماعي في رسم مسار المُخرَج النهائي لسنوات من التعليم/ التعلم، وبالمناسبة أيضا، فإن المخرجات ليس هي الطلاب الذين سيصبحون قادة المجتمع قريبا وحسب، إنما المُخرَج الأكبر هو تطور عادات المحتمع التعلمية والتعليمية، وما يفيد ذلك في رسم حلقات متداخلة من التطوير في الثقافة والاقتصاد، مما محصلته الإنسان.
اليوم، مثلا، نشهد عودة للتلفاز التعليمي، تلك القنوات المخصصة لشرح الدروس والتي بدأت في أمريكا تشغيلها على القنوات والكابلات المحلية، قبل أن تعم التجربة عالمياـ وتظل تحافظ على حضورها في مختلف المجتمعات، سواء في التعليم العام أو الجامعي.
وما نستحضره الآن من وسائل تعلمية أكثر منها تعليمية، والمقصود أنها تنصب على إبراز حيوية تفاعل الطالب أكثر من مهمة المعلم في التدريس. إن الوسائل لا بد من توافرها في أيدي المستخدمين كي نضمن توصيل الرسالة الموجهة.
وما دمنا ما نزال في "عوزٍ" من توفر الإنترنت على نطاق ديموقراطي بين كافة شرائح المجتمع التعليمي، فلا غضاضة في أن نبعث بعض القديم ليسد مسد الحاجة- ولو إلى حين-.
وسائل تقليدية لتعلم غير تقليدي:
أولا: البث الإذاعي/ الراديو، التسجيلات الصوتية، الأشرطة السمعية
كل الأسماء التي تدور حول استثمار الصوت المسجل في تنفيذ المادة تعلما/ تعليما. كما أن التلفاز التعليمي يعتبرخطوة لتوفير التعليم، فقد سبقه في ذلك البث الإذاعي الذي كان أسرع وصولا إلى كل المتعلمين على اتساع المساحات الجغرافية. فتسجيل الدروس صوتيا، هو نوع من تقليل التكلفة في إنتاج المادة التدريسية مع الحفاظ على الأثر النفسي لصوت المذيع البشري. ولعل أهمية البث الإذاعي تتضح في المواد الدراسية التي تتطلب الإلقاء لأنها لغويات يلزم الطالب اكتساب مهارة سلامة النطق والتعبير والقراءة.
في خبرة تدريسية لي، كان الحضور يقتصر على مرة كل أسبوعين، في محاضرة مدتها ساعة واحدة فقط. ولأن طبيعة المنهاج كان يدور حول المهارات اللغوية، فقد طلبت من الطالبات أن تسجل كل واحدة منهن تسجيلا وهي تقرأ من أي كتاب. وكان الهدف تتبع مهارات القراءة والنحو لدى الطالبات. وأتصور أن النشاط كان ممتعا لهن، حيث استطاعت كل طالبة أن تسمع صوت نفسها وتقدم تقييمها اللغوي والمهاري مع تعدد مرات التسجيل.
البث الإذاعي عبر الإنترنت يسمى "بودكاست" وهناك مواقع وتطبيقات مجانية تقدم خدمة التسجيل المجاني. لهذا فإن التأثير متبادلا لو قام المعلم بتسجيل بعض نقاط الدرس صوتيا، ثم طلب من الطلاب تسجيل بعض الأنشطة بأصواتهم كذلك. إنه لا مفر من الاعتراف بأن هناك مهارات لا بد وأن يكتسبها الطالب تعنى بجودة القراءة واللفظ السليم، وهذا مما لا يتسع معه زمن الاتصال المباشر في الفصل الافتراضي.
Photo by Annie Spratt on Unsplash
-------------------------------------
ثانيا: المسح الضوئي للمهام والواجبات/
ماذا سنفعل بمهارة الخط والكتابة؟ لا يجوز بحال أن نعتبر الطباعة على لوحة المفاتيح قد ألغت أهمية أن يمسك الطالب بالقلم ويكتب بخط جميل، وبإملاء سليم، وبانطلاقة في التعبير. من الخطورة بمكان، أن المواد الدراسية التي تفيد بناء جوانية الإنسان: كالمواد الأدبية، ومادة الإنشاء والتعبير، وحتى مواد الرسم والفنون- أقول أنه من الخطورة إهمالها نظرا لصعوبة تنفيذها على منصات الإنترنت التعليمية.
لذا، فليبقَ الطالب يكتب بيده، ويرسم بيده، حتى إذا انتهى من أداء واجبه مكتوبا، قام بعمل مسح ضوئي للملفات ثم أرسلها على المنصة التعليمية أو على بريد المعلم. يحتاج الطالب أن يرى المعلم شخصيته، ويحتاج المعلم أن يشعر أن الطالب متماهٍ مع نفسه وتعلمه من خلال ما يقدمه من فروض مدرسية يحررها بيده.
أتذكر أني كنت خلال دراستي الجامعية أدرس من ملازم مصورة أجازها الأساتذة من إنتاج الطلاب أنفسهم، وللحق فإن الخط الإنساني وطريقة الترتيب العفوية للمعلومة ظلت راسخة في ذاكرتي أكثر من الكتابة الآلية المطبوعة في الكتب. وخلال تدريسي كذلك لمادة الكتابة، كنت أجد الطالبة تنطلق في الكتابة حين لا تقلق من تتبع المصحح الآلي في برامج الكتابة الملحقة بالحاسوب. فماذا لا نعيد أهمية الخط والتعبير بمساعدة الماسح الضوئي للملقات / سكانر.
Photo by Anmol Arora on Unsplash
------------------------------------
ثالثا: صندوق البريد، مكتب البريد، البريد العادي/
من المعجب الجميل، أن خدمة البريد العادي ما تزال تحظى بأهمية اقتصادية واجتماعية على الرغم من البديل السريع المسمى البريد الإلكتروني! والأسباب متعددة، منها النفسية؛ حيث ما يزال البعض يرغب في أن يمسك رسالة بيده ويشتم رائحة الورقة وملمس الورق بيده. غير أن الخدمات التي يؤديها البريد العادي أكبر من البريد الإلكتروني حتى على مستوى المكاتبات.
لعلنا بحاجة اليوم، وفي صدد إرساء التعليم وفق مبدأ المساواة الاجتماعية، أن نوظّف البريد العادي -لا الإلكتروني- في تسلّم وتسليم المواد الدراسية والواجبات والأنشطة الطلابية. إن توفير خدمة بريد مجانية خاصة بالطلاب، أو بتكلفة منخفضة جدا، مع الحفاظ أن تكون خدمة خاضعة لمبدأ السرعة غير مدمجة بخدمات البريد العادي المختلفة- من شأنه أن يعزز الوصول والتواصل بين الطالب حيثما كان والمعلم ،والمدرسة، والنظام التعليمي برمته.
إن إرسال الواجبات والكتب ما يزال قائما حتى اليوم في دول العالم عبر البريد العادي، لأن من حق الطالب أن تتعدد أمامه الوسائل ليختار منها ما يتوافق وقدراته المالية، فلا أسوأ من أن يشعر طالب أنه قد تخلف عن زملائه لأنه لا يستطيع سداد فاتورة الاتصال بالإنترنت.
Photo by Alex Perz on Unsplash
-------------------------------------------
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات