ما يسكُن ف القلب تجاوز كل أشكال التعبير حتي لو أفصحت عنه جميع الألسنة،

و ما ينتابك من شعور صادق إتجاه شىء أو شخص ما فهو أفضل وأعز من اي كلام مُنمق جاف من المشاعر، فالمشاعر الصادقة والنية الخالصة هي أجل أنواع التعبير.. ولهذا ف الله تعالى ينظر إلى طهارة القلوب؛ بل جعل الأعمال بالنيات؛ أمَّا العبارة فهي قاصرة مهما تنمقّت وتأدّبت. فتنزيه الله يكون بتنزيه النفوس عما يدنّسها، وهو الغرض من العبادة. أمَّا الله سبحانه، فهو متعالٍ عن العبارة والفكر والخيال، بما في ذلك من نظريات المتكلّمين والعلماء، التي لا تخلو من تشبيه وإن خفي وشفّ. هذا التطهير الداخلي لا يكون إلا بإضرام نار العشق في الروح. فيكفيك انك محب صادق صادوق في مشاعرك..


فمن روائع الرومي يروي أن:

في أحد الأيام كان موسى يسير في الجبال وحيدًا عندما رأى من بعيد راعيًا، كان جاثيًا على ركبتيه، ويداه ممدودتان نحو السماء يصلي، و نغمة صوته من بعيد كان فيها من الحب والخشوع ما يقشعر له القلب ابتهاجاً، فغمرت موسى السعادة، لكنه عندما اقترب دهش وهو يسمع الراعي يصلي: ي إلهي الحبيب، إني أحبك أكثر مما تعرف، سأفعل أي شيء من أجلك، فقط قل لي: ماذا تريد، حتى لو طلبت مني أن أذبح لأجلك خروفًا سمينًا في قطيعي، فلن أتردد في ذلك، أشويه وأضع دهن إليته في الرز ليصبح طعمه لذيذًا، ثم سأغسل قدميك، وأنظف أذنيك، وأفليك من القمل، هذا هو مقدار محبتي لك، صاح موسى: توقف أيها الرجل الجاهل، ماذا تظن نفسك فاعلًا؟ هل تظن أن الله يأكل الرز؟ هل تظن أن له قدمين تغسلهما؟ هذه ليست صلاة، هذا كفر محض، اعتذر الراعي ووعد أن يصلي كما الأتقياء، فعلمه موسى الصلاة، ومضى راضيًا عن نفسه كل الرضا، وفي تلك الليلة سمع موسى صوتًا، كان صوت الله: ماذا فعلت ي موسى؟ لقد أنبت الراعي المسكين، ولم تدرك معزتي له، لعله لم يكن يصلي بالطريقة الصحيحة، لكنه مخلص في قوله، إن قلبه صافٍ، ونيته طيبة، إنني راض عنه، قد تكون كلماته لأذنيك بمثابة كفر، لكنها كانت بالنسبة لي كفرًا حلوًا، فهم موسى خطأه، وفي الصباح الباكر عاد للجبال ليجد الراعي يصلي، لكن بالطريقة التي علمه إياها موسى، ولكي يؤدي الصلاة بالشكل الصحيح كان يتلعثم مفتقدًا للعاطفة، والحماسة كما كان يفعل سابقًا، ربت موسى على ظهره: يا صديقي، لقد أخطأت، أرجو أن تغفر لي، أرجو أن تصلي كما كنت تصلي من قبل، فقد كانت صلاتك نفيسة، وثمينة عند الله، لم يشأ الراعي العودة لصلاته القديمة، ولم يلتزم بالصلاة الرسمية التي علمه إياها موسى، فقد اكتشف طريقة جديدة للتواصل مع الله، وبالرغم من أنه كان راضيًا وسعيدًا بإيمانه الساذج، فقد تجاوز الآن تلك المرحلة، ما بعد كفره الحلو

آثر

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

جميل 🌹

إقرأ المزيد من تدوينات آثر

تدوينات ذات صلة