"وسط صمت الوزارة.. طلبة الدكتوراه بالرباط يشتكون من عدم صرف “منحة السنة الاولى". رددت إذا عمت هانت. لكنها لا تريد ان تهون.
خرجت من الحي الجامعي بتاريخ 15 مارس سنة 2020؛ هنا كانت بداية أيام الحيرة التي ظلت تلاحقني حتى هذه السنة. هل أذهب إلى منزل الأهل؟ أم أكتري حتى أتمكن من الدراسة ومواصلة البحث؟ هل ستغطي مصارفي أحلامي وطموحاتي؟
اكتريت وجربت السجن لأول مرة في حياتي؛ الغرفة الأولى: أستيقظ صباحا لأجد الدموع تسيل على خدي والسبب أنني لا استطيع الخروج كما في السابق؛ الجو كئيب والوحدة المعنوية بدأت تتسلل إلى أعماق القلب؛ هذا المذكور أخيرا كان ممزقا بين الرغبة في التعلم والإشتياق إلى الأهل.
ظل هذا التمزق يرافقني حتى فقدت شهيتي ولم يعد أي طعم يغريني. كنت لا أعرف تقسيم الوجبات منذ فارقت الأهل باتجاه الجامعة لكنني اليوم أصبحت رضيعة الماء؛ كنت أردد هيا دعنا نجرب إضراب الطعام في هذا السجن.
لم أستطع الإنتاج وقررت مساعدة من حولي؛ وبعد ذلك سافرت إلى منزل أهلي. كانت أيام مختلطة حتى عدت إلى مسقط رأس جامعتي هذه السنة وأنا أحمل فرحة وحماس الرغبة في التقدم لسلك الدكتوراه؛ اكتريت الغرفة الثانية: المفاجأة أن السيدة الحاجة تمنعنا من نشر غسيل ملابيسنا في سطح المنزل. مرت شهرين ونصف وقررت الرحيل. "يمكنكن نشره في النوافذ فهي واسعة" حسب مخيلتها التي نشأت في مدينة الرباط متناسية ذهنيتي الصحراوية ومكانة أشعة الشمس في حياتي اليومية فالسطح مكان للتأمل أكثر منه مكان لنشر الغسيل.
نتنقل ونتمزق في ذات الآن عاطفيا، ومعرفيا فالأماكن أقوى على الذاكرة من الأشخاص في بعض الأحيان.
انتقلت إلى الغرفة الثالثة: ظننت أنني أقوى. بدأت من جديد لكنها بداية متعثرة جدا. كانت أيام شتاء وبرد شديدين؛ كنت استيقظ على وقع صوت المطر والبرد الشديد، والليل الذي كنت أعشق الدراسة فيه صار وقتا لمحاولة الشعور بالدفئ. مرت ثلاثة أشهر ولم أتمكن من الدراسة بالشكل الذي تعودت عليه في غرفة الحي الجامعي الذي اضحى مقرا سكنيا فقط للطالبات الدوليات؛ هنيئا لهن. أحسست بأن التمزقات صارت تتسع. وتشمل كل حياتي العاطفية والعائلية والعلمية. فقررت مغادرة تلك الغرفة.
الغرفة الرابعة: كانت دافئة جدا شعرت أن دراستي سوف تأخذ مجراها الطبيعي إلا أن الوضع هذه المرة خارج عن السيطرة؛ ففي تلك الليلة دخلت الفتيات اللواتي كن يكتريين الغرف بجانبي فإذا بأصواتهن العالية وصخيب موسيقاهن يصل إلى أذني الباطنية المتضررة؛ حاولت الصبر. مرت شهرين وفي آخر الشهر الثاني لم تعد أذني تتحمل وانتشر الألم إلى رأسي ولم أعد أستطيع البقاء دقيقة واحدة. لم أعرف أي الكتب قرأت ولا أي المناهج حاولت فهمها بكاء شديد كان هو ضماد هذا المناخ؛ في غالب الأوقات إلى أن فقدت القدرة على البكاء مع الألم الذي كان يسببها لي مرض أذناي.
انتقلت إلى الغرفة الخامسة: هذه المرة لم أفكر في المال اكتريت بمفدري؛ أحسست أنني أبدأ من جديد متعثرة مختنقة كأنني أتسلق جبالا وعرة، أرى نفسي أسقط فيها بل أكاد أفقد حياتي لكنني أستمر وحرقة التمزقات تزيد كل يوم.
في هذا اليوم وأنا أكتب هذه الكلمات مرت أربعة أشهر في هذه الغرفة؛ السنة الدراسية على مشارف الغروب وشخصي لا لازال يحاول؛ أقرأ منشورا على مواقع التواصل تحت عنوان: "وسط صمت الوزارة.. طلبة الدكتوراه بالرباط يشتكون من عدم صرف “منحة السنة الاولى". رددت إذا عمت هانت.
لكنها لا تريد أن تهون؛ فقد كانت سنة إصابة الأحباب والأهل بوباء كرونا وزاد الخوف من فقدانهم؛ وكانت سنة الصد فكل المكتبات وكل المعاهد جعلوا كلمة الوضع الوبائي حلا سريعا لعدم تقديم الخدمات؛ ولا لوم عليهم فالعام عام وباء.
في هذه اللحظات أردد وألم الدارين يختلط مع دمعاتي "أنا لن أستسلم فإيماني هو سندي".
29 تموز 2021 10:38 صباحاً
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات