نظرة من عدسة مختلفة إلى الإحسان... بجوانبه المتعددة التي تطال النفس أولا و تمتد لتشمل العالم...

الإحسان فطرة بشرية أصيلة في الإنسان السليم المعافى من الأمراض النفسية التي تدفع إلى الإساءة و ظلم الآخرين.تلك الفطرة التي تدعو إلى العطاء الخالص، دون انتظار منةٍ من أحد، أو ردٍّ لجميل ما فعله، و هذا ما يتبدى جليًّا في قول الشاعر:

أحسن و إن لم تُجز حتى بالثنا أي الجزاء الغيث يبغي إن همى؟


فلئن انتظر الناس جزاء المعروف، ففي ظلّ أي ظروف ستنمو الفضائل و تترعرع محاسن الخصال؟


إن انتظار جزاء الإحسان أمرٌ قد تألفه بعض النفوس، أما العطاء لأجل العطاء، فهو ما لا تجده إلا عند أصحاب النفوس التي استصغرت الماديات، و أقلعت تحلق في سماء المقل العليا و الفضائل. فالإحسان هو ذاك العمل الذي يشمل الكون دون استثناء، فيكون أولًا تجاه الجسد، و ذلك بالعناية به و بصحته، و نظافته، و الابتعاد عما يضر به من مأكلٍ و مشرب. و يتبع ذلك الإحسان إلى النفس، و ذلك عبر صونها و كفها عن موارد الرذيلة و الخِسة، و العمل على ترقيتها بالعلم و التسامي على سفاسف الأمور. و تتسع دائرة الإحسان لتطال الأسرة، فيكون المحسن إلى أهله و أولاده، مؤمّنًا حقوقهم، موجّهًا لهم، ساهرًا على رعايتهم، و كفى بإحسان الأم إلى أولادها مثالًا حيًّا يفوق في عمقه و إخلاصه كلّ أنواع الإحسان.

إن الإحسان لأجل الإحسان يولد لدى المحسن لذة العطاء، تلك اللذة التي لا تضاهيها لذة عند من يعشق الحياة بنكهة الإنسانية، مما يدفعه إلى مزيد من العطاء، و استثمار طاقاته في بناء المجتمع و تحسين ظروفه. إن الإحسان روحٌ تدب في أوصال أي عمل فتحييه، فالتعليم بلا إحسان جافٌّ، مملٌّ و قاسٍ، حيث لا يمكن للمعلم أن ينفع المتعلم ما لم يكن محسنًا في عمله، إذ ليس التعليم عرضًا للمعلومات أو حشوًا لدماغ التلميذ بها، إنما هو إرشاد و نهج متكامل للحياة. و مثل هذا ينطبق على الطب، فمرارة المرض و قسوته تستدعيان إلى جانب الدراية الوافية بخصائص المرض و ظروف علاجه، إحسانًا يحول الطبيب إلى أمٍّ حانيةٍ، و يستحيل هذا الدواء في يده إلى إكسيرٍ للحياة، و ينسحب هذا على كل المهن، فبالإحسان تتحول الحياة إلى متعة تتلاشى معها كل الصعاب، و تذلل العقبات و العراقيل.

و مما لا شك فيه أن الإحسان المنزَّه عن الماديات يوفر لنا نعمة الأمان الاجتماعي التي ينتج عنها راحةٌ نفسيةٌ عميقة لأفراد المجتمع مما يؤدي إلى دفعهم إلى العمل على تطوير مجتمعاتهم و ازدهارها. و إن تأصيل فكرة الإحسان المجرد من المنافع، و أن ليس للمعروف ثمنٌ إذ لا يمكن تحديد قيمته أو مقارنته بالماديات، و إخضاعه لقانون المنافع المتبادلة، يشجع المحسنين على زيادة إحسانهم، و الاستمرار في عملهم، كما و يشجع الآخرين على أن يحذوا حذوهم، و يولد فيهم رغبة عارمة في الإحسان، حتى يصبح الإحسان خلقًا أصيلًا يمارسونه على سجيتهم، لينير كل منهم الزاوية التي هو فيها، فيعم النور الأرجاء، و يندحر الظلام تحت سطوة الضوء.

إن الإحسان هو تلك اللمسة السحرية التي تحوّل علقم الحياة إلى قطرات سهد تُجنى من زهور الحب و الرحمة و الإيثار و نكران الذات، هو ذو أثر بالغ في إرساء قواعد هامة لتربية جيل صالح و مصلح في آن. الإحسان كغيث يروي أرضًا، فينبت زهرًا ينثر عبقًا! و ما دمنا لا نستطيع تحقيق الغاية من وجودنا و أداء رسالتنا على سطح الأرض بمنأى عن الإحسان، فحتام ننتظر؟


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائع✨✨

إقرأ المزيد من تدوينات رزان صالحة

تدوينات ذات صلة